|
فتوى محكمة العدل الدولية حول الاحتلال والاستيطان
نشر بتاريخ: 24/07/2024 ( آخر تحديث: 24/07/2024 الساعة: 12:59 )
مرت 57 عاماً على الاحتلال المستمر للضفة الفلسطينية وقطاع غزة، تجاهل المجتمع الدولي خلالها الحقوق الفلسطينية في الاستقلال وحق تقرير المصير، كما تهرب من مسؤولية حماية الفلسطينيين وتركهم لبطش وجبروت الاحتلال، وتذرع بعد اتفاق أوسلو ـــــــ التي مضى عليها 31 عاماً دون التوصل إلى نتيجةـــــــ أن الاحتلال مؤقت، وأن هناك عملية سياسية جارية من شأنها أن تؤدي إلى حل النزاع. كل هذه الأعوام مضت لتقول محكمة العدل الدولية أخيراً رأيها بخصوص الاحتلال وسياسة الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي المحتلة بأنها تنتهك القانون الدولي وتتعارض مع المادة «49» من اتفاقية جنيف الرابعة. وقد طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الرأي قبل أكثر من عام ونصف، أي قبل اندلاع حرب غزة بفترة طويلة، وتحديداً في كانون الثاني/يناير 2023. أما جلسات الاستماع حول شرعية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، فقد بدأت في شباط / فبراير2024، أي بعد نحو 4 شهور من العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة والضفة الغربية منذ 7 تشرين الأول /أكتوبر، استمع القضاة إلى 55 مداخلة مكتوبة من الدول والمنظمات الدولية، الأغلبية الساحقة منها ترى أن الاحتلال مخالف للقانون الدولي، وتدعو المحكمة إلى الإقرار بذلك، وحددوا نطاق القضايا التي تواجه القضاة، بدءاً من تقرير المصير إلى الفصل العنصري. لم تحضر إسرائيل الجلسات، واكتفت بمرافعة مكتوبة. واستبقت انطلاق جلسات الاستماع في شباط/ فبراير، بإصدارها بياناً تقول فيه إنها لا تعترف بشرعية جلسات محكمة العدل الدولية هذه، ووصفت الخطوة، التي بادرت بها دولة فلسطين في الأمم المتحدة، بأنها محاولة من الفلسطينيين لإملاء نتائج التسوية السياسية للنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، دون مفاوضات. في الحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، كانت اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، الخاصة ـــــــ بالمسائل السياسية، وإنهاء الاستعمارـــــــ قد اعتمدت مشروع قرار قدمته دولة فلسطين لطلب فتوى قانونية، ورأي استشاري من محكمة العدل الدولية، حول الآثار القانونية الناشئة عن انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وعن احتلالها طويل الأمد للأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 واستيطانها وضمها، بما في ذلك التدابير الرامية إلى تغيير التكوين الديمغرافي لمدينة القدس وطابعها ووضعها، وكيفية تأثير سياسات إسرائيل وممارساتها على الوضع القانون للاحتلال، والآثار القانونية المترتبة على هذا الوضع بالنسبة لجميع الدول والأمم المتحدة. ومساء يوم الجمعة، 19/7 بدأت محكمة العدل الدولية جلستها العلنية لإعلان رأيها الاستشاري بشأن التبعات القانونية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967، بطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة لإبداء رأيها في سياسات وممارسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين، وفي الوضع القانوني للاحتلال، وتحتل إسرائيل الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة، و تعتبر الأمم المتحدة غزة ضمن الأراضي الفلسطينية التي لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي، في العام 2005 أعادت انتشار قواتها حول غزة، وفرضت حصاراً شاملاً على القطاع، ويلزم القانون الدولي، إسرائيل باعتبارها قوة احتلال في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة، بحماية السكان المدنيين في المناطق التي تحتلها. أكدت محكمة العدل الدولية أنه يتوجب على إسرائيل وقف الاحتلال وإنهاء تواجدها غير الشرعي في الأراضي الفلسطينية المحتلة في أقرب وقت، ووجدت المحكمة أيضا أن استخدام إسرائيل للموارد الطبيعية يتعارض مع التزاماتها بموجب القانون الدولي كـ «قوة احتلال». ويتوجب على إسرائيل الوقف الفوري لأي نشاط استيطاني جديد وإخراج كل المستعمرين من الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتعتبر محكمة العدل الدولية، أن على إسرائيل تعويض الخسائر المادية والمعنوية للأفراد في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويتوجب على الدول عدم الاعتراف بالوجود غير الشرعي للمستوطنين، ولدولة إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعدم تقديم أي مساعدة من شأنه أن يساعد إسرائيل في الحفاظ على الوضع القائم في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويتوجب على المنظمات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، عدم الاعتراف بشرعية الوضع القائم، والوجود غير الشرعي لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة. واعتبرت المحكمة أن إسرائيل فشلت في أداء واجبها لحماية الفلسطينيين من عنف المستوطنين بالضفة، واعتبرت أيضاً أن ترحيل سكان الأراضي المحتلة من أراضيهم كان قسرياً، نتيجة ممارسات أدت إلى طرد الفلسطينيين من الأراضي المحتلة خاصة المنطقة ج في الضفة، وهو ما يخالف التزامات إسرائيل، وأن مصادرة إسرائيل للأراضي الفلسطينية، ومنحها للمستوطنين تخالف اتفاقية جنيف، وهذه المستوطنات غير شرعية في القانون الدولي، ونقل إسرائيل للمستوطنين إلى الضفة الغربية والقدس، فضلاً عن احتفاظ إسرائيل بوجودهم، غير قانوني. بما يخص القدس اعتبرت المحكمة أن ممارسات إسرائيل في القدس الشرقية خلقت وضعاً يعجز الفلسطينيون عن العيش في ظله، طبقت اسرائيل قانونها الخاص في القدس الشرقية بعد عام 1967 وتطبيق إسرائيل لقانونها المحلي في الضفة أدى إلى ترسيخ وتعزيز سيطرتها على الأراضي المحتلة، كما أن توسيع المستوطنات في الضفة والقدس، وإقامة الجدار العازل، يعزز سلطات الاحتلال، والمحكمة تعتبر الممارسات والسياسات الإسرائيلية في القدس والضفة الغربية ضماً دائماً لهما، وأن معاملة الفلسطينيين بطريقة مختلفة يمكن أن تعد تمييزاً عنصرياً. وإسرائيل تخلت عن التزاماتها في معاهدة مكافحة التمييز العنصري المبرمة عام 1965 ولم تقم بواجباتها في الأراضي المحتلة وفق معاهدة 1959 بشأن معاملة المدنيين بزمن الحرب. الشعب الفلسطيني المعترف به بموجب معاهدة أوسلو له الحق في تقرير مصيره، وممارسات إسرائيل بعد احتلالها لأراض فلسطينية عام 1967 انتهكت حق تقرير المصير. فتوى المحكمة هذا استشاري إلا أنه هام جداً، سيقوم الأمين العام للأمم المتحدة بإحالتها إلى الجمعية العامة التي طلبت مشورة المحكمة، والجمعية العامة هي من يقرر الإجراءات التنفيذية لقرار محكمة العدل الدولية، والتوقعات تشير أن إسرائيل ستستمر في سياساتها المتعنتة في ظل الموقف الأمريكي المساند لهذه السياسات، لاسيما في تعطيل اتخاذ أي قرار من قبل الأمم المتحدة، أو أية تدابير إضافية لوضع حد للوجود غير الشرعي لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة. قال المحامي فيليب ساندز العضو في الفريق القانوني الفلسطيني إن هذه القضية المعروضة على محكمة العدل الدولية لها أهمية كبيرة من الناحية القانونية في التوصل إلى حل، وقد يشكل هذا الأمر دافعاً للمفاوضات، ويرسي معايير قانونية للتسوية التفاوضية مستقبلاً، وإذا قررت محكمة العدل الدولية بأن الاحتلال الإسرائيلي مخالف للقانون فإنها ستطلب من جميع الهيئات والدول الامتناع عن مساعدة أو دعم الوضع الحالي. تباينت مواقف الدول بين مرحب ومحذر ومندد، إسرائيل نددت بالقرار، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: إن محكمة العدل الدولية اتخذت قراراً كاذباً، بعد أن توصلت إلى أن السياسات والممارسات الاسرائيلية ترقى إلى ضم أجزاء كبيرة من الأراضي المحتلة. ودعت الولايات المتحدة، المحكمة إلى توخي الحذر وإبداء رأي متوازن، وتجنب إصدار رأي يدعو إلى انسحاب فوري وغير مشروط لإسرائيل، لا يأخذ بعين الاعتبار حاجاتها الأمنية المشروعة. ورحبت الرئاسة الفلسطينية بقرار محكمة العدل الدولية واعتبرته قراراً تاريخياً، مطالبة المجتمع الدولي بإلزام إسرائيل بتنفيذه، أما وزير خارجية السلطة الفلسطينية، فقال: إن شعبه يعاني من الاحتلال الاستيطاني والفصل العنصري، وأن الاحتلال الإسرائيلي الطويل والمتواصل لفلسطين يهدف إلى إلغاء فلسطين من الوجود، وإلى تدمير الفلسطينيين تدميراً شاملاً. ورحبت مصر بصدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، وطالبت جميع الأطراف الدولية باحترامه وتنفيذه، والمساعدة في تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه الشرعي في تقرير مصيره، والعمل على إنهاء المعاناة الإنسانية التي يتعرض لها، محملة المسؤولية الجماعية لكافة الدول في إنهاء تلك المعاناة، لاسيما من خلال وقف الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة، والعمل على إدخال المساعدات الإنسانية لمواجهة الكارثة الإنسانية المتفاقمة في القطاع. ورحبت الأردن بالقرار الذي يعكس الإرادة الدولية، والقانون الدولي، في دعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة، وطالبت جميع الدول عدم الاعتراف بالوضع الناشئ عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة، وعدم تقديم العون أو المساعدة لاستمراره. بدت ردود فعل اليمين الإسرائيلي متحاملاً على محكمة العدل الدولية رافضاً لقرارها، متحدياً القانون الدولي، وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش دعا إلى الرد على لاهاي باتخاذ خطوات ــــــــ الآن ـــــــ لضم ما تبقى من الضفة الغربية، وفرض السيادة الإسرائيلية عليها. أما وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، فقال: إن القرار في لاهاي يثبت مرة أخرى أن هذه منظمة سياسية ومعادية للسامية بشكل صارخ. من جهته الأمين العام للأمم المتحدة أكد أن على الأطراف إعادة الانخراط في المسار السياسي الذي طال انتظاره نحو إنهاء الاحتلال، وحل الصراع، بما يتماشى مع القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. رحبت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالقرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن أوضاع الاحتلال والاستيطان باعتبارهما مخالفات صارخة للقانون الدولي، واعتداءً على السيادة الوطنية لشعبنا الفلسطيني. وقالت الجبهة: إن القرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية يشكل مكسباً سياسياً كبيراً لشعبنا الفلسطيني، دفع ثمنه غالياً في مقاومته للاحتلال والاستيطان وتضحياته الكبرى دفاعاً عن أرضه وكرامته الوطنية وحقوقه الوطنية المشروعة في تقرير المصير والاستقلال والعودة وإنهاء الاحتلال والاستيطان بكل تعابيره ومظاهره. ودعت الجبهة الديمقراطية القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية إلى أن تقدم النموذج لدول العالم في تطبيق قرار محكمة العدل الدولية بإعادة النظر بعلاقاتها مع دولة الاحتلال وتطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي، بما في ذلك سحب الاعتراف بدولة الاحتلال، ووقف كل أشكال التنسيق الأمني معها، وفك الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي. كما دعت الجبهة الديمقراطية الدول العربية ذات العلاقة مع دولة الاحتلال إلى وقف كل أشكال التطبيع معها وطرد سفرائها واستدعاء السفراء العرب من إسرائيل. وختمت الجبهة الديمقراطية إن صون قرارات محكمة العدل الدولية، وإعلاء شأنها، يستدعي على الصعيد الوطني الفلسطيني تبني استراتيجية كفاحية بديلة لاستراتيجية أوسلو وملحقاتها بما في ذلك اعتماد كل أشكال المقاومة سبيلاً إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، على حدود 4 حزيران(يونيو) 1967.
|