نشر بتاريخ: 24/07/2024 ( آخر تحديث: 24/07/2024 الساعة: 19:17 )
قلل كثيرون من الشعب الفلسطيني الذي هو أحد الجهات من بين جهات أخرى كثيرة استهدفها إعلان بكين من أهميته، وحجتهم المشروعة في ذلك، أنه إعلان غير قابل للتنفيذ الفوري، وسيكون مصيره كمصير الإعلانات السابقة من محاولات انهاء الإنقسام وتحقيق المصالحة التي تمت في أكثر من عاصمة منذ حدوث الإنقسام العام 2007.
وعلى الرغم من هذا التقليل المشروع لأهمية الإعلان، إلا أن القراءة الهادئة للنص وفهم السياق العام الذي جرى فيه التوافق على النص، ترفع من درجة أهميته الإستراتيجية وتجعل منه (اتفاق وطني هام) كما ورد نصاً في الفقرة الأخيرة من النص.
وأرى في هذا المقال أن أهمية الإعلان تكمن في ثلاثة عناصر هي المكان واللحظة الزمنية والمضمون، فمن حيث المكان فتعود أهميته للحقائق التالية:
1- الحديث يدور هنا عن الصين، التي تعتبر من جهة, المنافس (الخصم) للولايات المتحدة الأمريكية، وتتموضع في قطب (يضم كل من روسيا الإتحادية وايران الإسلامية وكوريا الشمالية وآخرين)، يرفض هيمنة أمريكا على النظام العالمي، وقد قطع هذا القطب شوطا في بناء وتكوين نظام عالمي متعدد الأقطاب كبديل لنظام القطب الواحد.
2- ومن جهة يعزى لهذا المكان نجاحه في تحقيق مصالحة سعودية إيرانية بعد توتر ساد علاقاتهما لفترة طويلة في منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الجيوسياسية، والتي تعتبر منطقة نفوذ أمريكية خالصة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وأما من حيث اللحظة الزمنية فقد جرى التوافق والتوقيع على الإعلان في لحظة زمنية تنطوي على الحقائق التالية:
1- يشهد فيها النظام العالمي حالة من التحول منذ اكثر من عقد، تواجه فيه القوة المهيمنة على النظام العالمي أزمة داخلية، يبدو أنها قد بلغت ذروتها بعد محاولة اغتيال المرشح للرئاسة عن الحزب الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب واعلان بايدن الرئيس الحالي والمرشح عن الحزب الديمقراطي انسحابه من السباق الانتخابي وترشيح نائبته كاميلا هاريس، ولا يبدو أن أمريكا ستكون قادرة على الخروج من أزمتها الداخلية قبل انتخابات العام 2028، كما كتب الخبير الجيوسياسي المعروف جورج فريدمان الأسبوع الماضي.
2- منطقة الشرق الأوسط من جهتها تقف على أعتاب حرب إقليمية شاملة محركها الأساس هو حرب الإبادة التي تشنها دولة الإحتلال على الشعب الفلسطيني، وقد ارتفعت احتمالات اندلاع هذه الحرب بعد نجاح المقاومة اليمنية في ضرب تل أبيب ورد الأخيرة الهوليودي على ميناء الحديدة اليمني.
3- إقتراب حرب الإبادة التي يشنها جيش الإحتلال على غزة من نهاية شهرها العاشر دون أن يحقق فيها اي من أهدافه المعلنة.
4- غياب دولة إسرائيل عن منطقة الشمال نتيجة مساندة المقاومة اللبنانية المتصاعدة، وإعلانها و المقاومة اليمنية أن المقاومة في غزة هي من تملك قرار تهدئة هذه الجبهات.
5- تراجع وانهيار الرواية الإسرائيلية الغربية الإستعمارية على صعيد الرأي العام العالمي، الأمر الذي تعزز قانونيا عبر أحكام وقرارات محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية.
أما من حيث مضمون النص فالقرائة الهادئة للنص تبرز الحقائق التالية:
1- تأكيد كل من حضر لقاء بكين ووقع على الإعلان بما في ذلك حركتي حماس والجهاد الإسلامي على منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
2- تأكيد الحضور على أن هذا الإعلان هو اتفاق وطني هام.
3- تأكيد الحضور على المقاومة دون حصرها بالمقاومة السلمية كحق مشروع للشعب الفلسطيني لنيل حقوقه في الحرية والإستقلال واقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران بما في ذلك القدس الشرقية كعاصمة للدولة.
4- تأكيد الحضور على عدم مغادرة الحل السياسي للصراع على أساس الشرعية الدولية والقرارات الدولية ذات الصلة.
5- إشادة الموقعون بصمود الشعب الفلسطيني في غزة ومقاومته الباسلة واعتبارها ملحمة بطولية عززت من مكانة القضية الفلسطينية وأفشلت من محاولة تصفيتها.
6- تأكيد الحضور على دعم واسناد صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة وكذلك اعمار ما دمره الإحتلال علاوة على تأكيد الحضور دعم عائلات الشهداء والجرحى وكل من فقد بيته ومصدر رزقه.
7- تأكيد الحضور على الإسناد الكامل للأسرى والأسيرات واستعداده لبذل كل جهد ممكن من أجل تحريرهم من الأسر.
8- رفض الفصائل الحازم لكل اشكال الوصاية ومحاولات سلب حق الشعب الفلسطيني في تمثيل نفسه أو مصادرة قراره الوطني المستقل.
9- إعراب الحضور الصريح والضمني للقطب (الأمريكي الغربي وحلفائهم في المنطقة) المقابل للقطب الصيني وشركائه، أن الرعاية الأمريكية المنحازة للتسوية لم تعد مقبولة، الأمر الذي لا يخلو من دلالة.
10- تأكيد الفصائل على التصدي لمحاولات الإحتلال بالمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس.
11- اعتبار الإتفاقات والإعلانات السابقة ذات الصلة كإعلان القاهرة 2011 واعلان الأمناء العامين رام الله-بيروت 2020 واعلان الجزائر 2022 جزء لا يتجزء من اعلان بكين
ما تقدم يجعل من إعلان بكين خارطة طريق فلسطينية لمرحلة ما بعد صدور الإعلان تتضمن المحددات التالية:
1- الشراكة والتكامل ما بين إستراتيجيتي التسوية السياسية والمقاومة بكل اشكالها هي عنوان المرحلة، الأمر الذي يعني أن المقاومة الباسلة أصبح لها رئة سياسية.
2- قطع الإعلان الطريق على الإحتلال وشركائه وحلفائه في التفرد بالمشهد الفلسطيني وتحديد هوية ورؤى واستراتيجيات مكوناته مجتمعة ومنفردة.
3- اجماع كل المكونات السياسية الفلسطينية على منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وعلى الشرعية الدولية، والمقاومة كركائز لإستراتيجية وطنية فلسطينية.
وفي الختام ربما لهذه الأهمية الإستراتيجية للقاء بكين ومخرجاته وما انطوى عليه من مخاطر على دولة إسرائيل كانت هذه الأخيرة اول من أعلن الرفض.