|
حتى لا تضيع مكاسب قرارات المحاكم الدولية
نشر بتاريخ: 25/07/2024 ( آخر تحديث: 25/07/2024 الساعة: 08:41 )
توالت هذا الأسبوع تطوّرات مهمة على ساحة القضاء الدولي، وشهدت احتدام المواجهة بشأن جرائم الدولة الصهيونية وقياداتها. فبعد أن توقّع الكثيرون أن تصدر محكمة الجنايات الدولية قرارا بإطلاق مذكرة اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه الجنرال احتياط يوآف غالانت، سطّر قضاة المحكمة قرارا مختلفا، وقبلوا بتأخير إصدار المذكرة وسمحوا لحوالي 60 دولة ومنظمة بعرض تحفظاتهم في هذه القضية، ما يعني عمليا تأجيل النطق بالقرار لحوالي ثلاثة أشهر. ضغوط هائلة تدرك إسرائيل أن رياح المحاكم الدولية تسير باتجاه لا تشتهيه سفن العدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني، فحتى لو كانت هناك عراقيل وعثرات وتأخير ومماطلة وقرارات مبتورة وجزئية، فإن المسار العام يدفع بالمجمل بالاتجاه الصحيح، وهو توفير السند القانوني لمحاصرة وعزل ومعاقبة الدولة الصهيونية. ولأن قرارات المحاكم الدولية مهمة، تقوم إسرائيل بمساع محمومة للضغط على القضاة وعلى المدعين في هذه الهيئات القضائية الدولية المرموقة. ووفق ما نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية في شهر مايو المنصرم، أرسل نتنياهو رئيس الموساد السابق، يوسي كوهين، في مهمة سرية هدفها تهديد المدعية العامة السابقة في المحكمة الجنائية الدولية، باتو بنسودة، وقد باغتها وهددها بالقول: «أنا لا أريد أن أمس بأمنك أو أن أؤذي أحدا من عائلتك. ساعدينا حتى نهتم بأمرك». وطلب منها وقف إجراءات إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغيره من قادة إسرائيل. وأُطلقت من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا تهديدات بوقف تمويل المحاكم الدولية، وباتخاذ إجراءات عقابية ضدها إن هي واصلت الإجراءات ضد الدولة الصهيونية، الحليفة المدللة للغرب، الذي يصرخ ليل نهار مناديا بالعدالة حتى حدود فلسطين، فعندها تتحول دعوات العدالة في كل زمان ومكان، إلى عدم وجود صلاحية للمحكمة بمقاضاة إسرائيل، التي تحظى برعاية لا مثيل لها من الأب البيولوجي ـ بريطانيا والأب الاجتماعي ـ الولايات المتحدة والأب المجرم التائب ـ ألمانيا الاتحادية. هؤلاء الآباء الثلاثة، لديهم قوة هائلة على المستوى الكوني وهي مسخرة لصالح الدولة الصهيونية في الامتحانات الحرجة، وفي الأزمنة الصعبة، وشعب فلسطين هو الذي يدفع ثمن هذه النخوة الغربية. ليس من المتوقّع ان تأتي المحاكم الدولية بقرارات «ضربة قاضية»، لكن وبالتأكيد هي تحمل في طيّاتها مكاسب بالنقاط. تزيد وتنقص تبعا لقوّة الفعل السياسي الذي ينطلق من أحكام القضاء الدولي بشأن فلسطين وينبثق عنها المزاعم الإسرائيلية لا ترتقي الحجج، التي ساقها الساسة الإسرائيليون إلى مستوى «الادعاءات الجدية»، فقد رفض نتنياهو مرجعية المحكمة وعاد إلى منطق «المرجعية الذاتية»، المجافي للمنطق، وقال: «الشعب اليهودي لا يحتل أرضه.. وليس لأي قرار كاذب في لاهاي أن يشوّه هذه الحقيقة التاريخية، ولا يمكن التشكيك في شرعية المستوطنات». وتبعه الوزير الفاشي الصغير إيتمار بن غفير: «قرار لاهاي يثبت للمرة الألف أن هذه منظمة سياسية ومعادية للسامية، ولن نقبل منها وعظا أخلاقيا». ولحق بهما وزير المالية الإسرائيلي المستوطن المتطرّف بتسلئيل سموتريتش: «الرد على لاهاي يكون بضم الضفة الغربية». هذه التصريحات بحد ذاتها هي جرائم تبعا للقانون الدولي، وهي وغيرها من التصريحات تعكس قلقا إسرائيليا متزايدا من مآلات الأمور على ساحة القضاء الدولي. كان هناك أيضا تصريح آخر لبيني غانتس، زعيم حزب «معسكر الدولة»، إذا قال في ما يشبه النكتة: «إسرائيل في المناطق (المحتلة) ملتزمة بالعمل وفق القانون الدولي»، وجاء تصريحه بعد أن صوّت حزبه في الكنيست مع مشروع قرار برفض إقامة دولة فلسطينية، وهو بالطبع خرق فاضح للقانون الدولي. من جهتهم طرح خبراء القانون الإسرائيليون، مجموعة من الحجج ضد قرار المحكمة: فضيحة المحكمة العليا الإسرائيلية لقد وجهت محكمة العدل الدولية في قرارها الأخير ضربة قوية لمصداقية المحكمة العليا الإسرائيلية، التي ادعت طيلة الوقت أنها عين ساهرة على الالتزام بالقانون الدولي، وأن القضاء الإسرائيلي مستقل وقوي وعادل ونزيه ولا حاجة لتدخل قضائي من «الخارج». وللمقارنة، منحت المحكمة العليا الإسرائيلية، على مدى عشرات السنين، الشرعية الكاملة للاحتلال الإسرائيلي، بالادعاء أنّه إجراء مؤقت وأن الانسحاب أو عدم الانسحاب هما مسألة سياسية. ويأتي قرار محكمة العدل الدولية وينسف هذا الادعاء ويؤكد أن الاحتلال غير شرعي ويجب إنهاؤه بأسرع وقت في الضفة والقدس وغزة. وتعاملت المحكمة الإسرائيلية مع الاستيطان على أنّه ليس منافيا للقانون الدولي وهو شرعي ما دام يتم وفق القانون الإسرائيلي. ولكن رأي محكمة العدل الدولية كان مناقضا تماما وينص على أن الاستيطان غير شرعي ويجب تفكيك جميع المستوطنات فورا. لقد صادقت المحكمة العليا على قانون القومية، الذي يؤكد أن الاستيطان اليهودي هو قيمة عليا، وأقرت كذلك شرعية مصادرة الأراضي بالأراضي الفلسطينية لمصلحة الاحتلال والاستيطان، واتخذت قرارات مناقضة لقرار محكمة العدل الدولية بشأن الجدار عام 2004. مكاسب بالنقاط ليس من المتوقّع ان تأتي المحاكم الدولية بقرارات «ضربة قاضية»، لكن وبالتأكيد هي تحمل في طيّاتها مكاسب بالنقاط. وهذه النقاط ليست ثابتة، فهي تزيد وتنقص تبعا لقوّة الفعل السياسي الذي ينطلق من أحكام القضاء الدولي بشأن فلسطين وينبثق عنها. فقد أصدرت العدل الدولية قرارا حازما بشأن عدم شرعية جدار الفصل العنصري وبلزوم هدمه فورا، وكسبت قضية فلسطين الكثير من النقاط، لكن وللأسف ضاعت بمعظمها بسبب التقاعس السياسي والدبلوماسي الفلسطيني والعربي. |