وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

محور المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي: السيناريوهات المحتملة

نشر بتاريخ: 25/09/2024 ( آخر تحديث: 25/09/2024 الساعة: 19:33 )
محور المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي: السيناريوهات المحتملة

منذ ظهور الكيان الإسرائيلي الاحتلالي في قلب العالم العربي، فقد واجهت سياساتها التوسعية والقمعية رفضًا واسعًا من الدول والشعوب العربية. وبعد ان دخلت الدول العربية في مشروع التسوية السلمية مع اسرائيل، وما الت اليه هذه التسوية من تسويف وعدم جدية، بل تكريسا للاحتلال وتحديدا على المسار الفلسطيني وعلى مر الزمن بدأ يتشكل ما يُعرف بـ"محور المقاومة"، وهو تحالف إقليمي يسعى لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وذلك في الدفاع عن حقوق الشعوب العربية، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني. في هذا المقال، نستعرض السيناريوهات المحتملة للصراع بين محور المقاومة وإسرائيل، ونحلل كيف أن السياسات الإسرائيلية تدفع بهذا المحور إلى الواجهة وتجعل المقاومة خيارًا استراتيجيًا مستدامًا.

مفهوم محور المقاومة وأهميته في الصراع

محور المقاومة هو تحالف يضم مجموعة من الدول والحركات التي تعارض السياسات الإسرائيلية والأمريكية في الشرق الأوسط. من أبرز مكوناته إيران، حزب الله في لبنان، والحوثي في اليمن، وانصار الله في العراق، وحركات المقاومة الفلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي. ويمثل هذا المحور جبهة موحدة هدفها الأساسي التصدي لمحاولات الهيمنة الإسرائيلية ودعم حقوق الشعوب في تقرير مصيرها. ومع تصاعد الصراع، توسعت هذه الفكرة لتشمل دعمًا سياسيًا وعسكريًا للمقاومة في جميع أنحاء المنطقة، مما شكّل تحديًا لمشاريع إسرائيل التوسعية، ولا سيما في القدس والضفة الغربية.

السلوك الإسرائيلي في مواجهة محور المقاومة

قامت دولة إسرائيل على مشروع استيطاني توسعي منذ إنشائها عام 1948، واحتلالها لأراضٍ فلسطينية جديدة في عام 1967، وصولًا إلى السياسات الحالية التي تعتمد على التوسع الاستيطاني، وقمع المدنيين، ومصادرة الأراضي الفلسطينية.
ولتبرير كل هذه الانتهاكات تسعى إسرائيل إلى التحكم في السرد الإعلامي لتبني تصرفاتها دوليًا، مستغلة الدعم الغربي غير المشروط. وتستخدم تل أبيب مصطلحات مثل "الإرهاب" لتشويه صورة حركات المقاومة الفلسطينية. علاوة على ذلك، تعمل على إسكات أي معارضة دولية لسياساتها عبر اتهامها بمعاداة السامية، مما يعيق محاولات محاسبتها في المحافل الدولية.

السيناريوهات المحتملة للصراع بين محور المقاومة وإسرائيل

هناك عدة سيناريوهات متوقعة للصراع بين إسرائيل ومحور المقاومة:

المواجهة المفتوحة:

خلال العقود الماضية، شهدت المنطقة تصاعدًا ملحوظًا في المواجهات العسكرية بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وكذلك حزب الله في لبنان. هذه المواجهات لم تكن مجرد اشتباكات محدودة، بل تحولت في بعض الأحيان إلى حروب طاحنة تخللتها اعتداءات مكثفة وقصف جوي وصاروخي من الجانبين. من أبرز هذه الجولات حرب عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله، التي خلّفت دمارًا واسعًا في جنوب لبنان، وكذلك الحروب المتكررة على قطاع غزة منذ عام 2008 ولغاية هذه الحرب الطاحنة، والتي أدت إلى مقتل عشرات آلاف الفلسطينيين وتدمير البنية التحتية بشكل شبه كامل.

إسرائيل تعتمد على قوتها العسكرية المتفوقة لمحاولة ردع المقاومة وفرض معادلة أمنية قائمة على التفوق الجوي والاستخباراتي. في المقابل، تعتمد حركات المقاومة الفلسطينية وحزب الله على تكتيكات حرب العصابات، مثل إطلاق الصواريخ، حفر الأنفاق، وتنفيذ عمليات استنزاف تطال الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

في حال تصاعد الأمور أكثر من ذلك، قد نشهد سيناريو مختلفًا يتجاوز الصراعات الثنائية إلى حرب إقليمية شاملة. هذا السيناريو يمكن أن يتضمن تدخلًا مباشرًا من الدول الداعمة لمحور المقاومة، مثل إيران وسوريا. إيران، التي تدعم حركات المقاومة بالمال والسلاح والتدريب، قد تجد نفسها مضطرة للدخول في الصراع بشكل أوسع إذا ما تعرض حلفاؤها لضغط عسكري هائل. سوريا، التي تعد جزءًا من محور المقاومة، يمكن أن تكون ساحة لتصاعد المواجهات أو حتى مسرحًا لاندلاع حرب إقليمية، خاصة إذا قامت إسرائيل بتوسيع هجماتها لتشمل أهدافًا داخل الأراضي السورية.

في هذه الحالة، لن يكون الصراع مقتصرًا على الحدود الفلسطينية أو اللبنانية، بل قد يمتد ليشمل دولًا إقليمية أخرى، مما يهدد بإشعال حرب قد تغير موازين القوى في المنطقة. كما أن هذا التصعيد قد يدفع بعض الأطراف الدولية للتدخل بشكل أكثر فاعلية، سواء لدعم أحد الأطراف أو للبحث عن تسوية تنقذ المنطقة من الانهيار الكامل.

حرب استنزاف طويلة الأمد:

محور المقاومة يعتمد بشكل أساسي على استراتيجية حرب الاستنزاف كوسيلة فعالة لإضعاف إسرائيل تدريجيًا دون الدخول في مواجهات عسكرية واسعة النطاق. هذه الاستراتيجية تقوم على إنهاك قدرات إسرائيل العسكرية والاقتصادية بمرور الوقت، وإجبارها على تحمل تكلفة طويلة الأمد نتيجة لعدم قدرتها على حسم الصراع بشكل نهائي.

من أبرز تكتيكات الاستنزاف التي تعتمد عليها حركات المقاومة هو إطلاق الصواريخ المتكرر من قطاع غزة وجنوب لبنان باتجاه المناطق الإسرائيلية. هذه الهجمات الصاروخية، التي تكون غالبًا غير متوقعة، تشكل ضغطًا نفسيًا وعسكريًا على إسرائيل، حيث تجبرها على نشر أنظمة دفاعية مكلفة مثل "القبة الحديدية" في جميع أنحاء البلاد، وإبقاء القوات في حالة استنفار دائم. ورغم أن الصواريخ قد لا تكون دائمًا دقيقة أو ذات تأثير مدمر كبير، إلا أن استمرار إطلاقها يخلق حالة من عدم الاستقرار ويؤدي إلى إغلاق المدارس والمصانع وإجلاء السكان في المناطق المستهدفة، مما يؤثر على الحياة اليومية والاقتصاد الإسرائيلي.

الأنفاق الهجومية هي تكتيك آخر ضمن استراتيجية الاستنزاف، حيث تقوم فصائل المقاومة الفلسطينية، وخاصة حركة حماس، بحفر أنفاق تصل إلى عمق الأراضي الإسرائيلية. الهدف من هذه الأنفاق هو تنفيذ عمليات نوعية ضد الجنود أو المستوطنات، إلى جانب استخدامها لنقل الأسلحة والإمدادات بعيدًا عن أعين الجيش الإسرائيلي. هذه الأنفاق تمثل تحديًا كبيرًا لإسرائيل لأنها تتطلب جهودًا مستمرة لاكتشافها وتدميرها، وهي عملية مكلفة ومعقدة تتطلب تقنيات حديثة وموارد كبيرة.

بالإضافة إلى ذلك، العمل الاستخباراتي يعتبر عنصرًا أساسيًا في حرب الاستنزاف. تعتمد المقاومة على جمع المعلومات عن تحركات الجيش الإسرائيلي، ومن ثم تنفيذ هجمات دقيقة تستهدف مواقع حساسة. في المقابل، تسعى إسرائيل إلى إحباط هذه الجهود عبر تكثيف عملياتها الاستخبارية، إلا أن النجاح الكامل في هذا المجال يبقى صعبًا بسبب الطبيعة الخفية لهذه العمليات، والتي تعزز من قدرة المقاومة على توجيه ضربات غير متوقعة.

كل هذه التكتيكات تجعل من حرب الاستنزاف تحديًا كبيرًا لإسرائيل، حيث تستنزف قدراتها ببطء وتجبرها على البقاء في حالة تأهب دائم. ورغم التفوق العسكري الإسرائيلي، فإن هذه الاستراتيجية تستهدف إطالة أمد الصراع وزيادة التكاليف على إسرائيل على المستويات العسكرية، الاقتصادية، والنفسية، مما يضعف إرادة القيادة الإسرائيلية في المدى البعيد ويؤدي إلى تغيير في السياسات أو التفاوض على حلول تتماشى مع مطالب محور المقاومة.

الدور الإيراني:

إيران تعتبر الداعم الأكبر لمحور المقاومة، حيث توفر الأسلحة المتطورةلفصائل المقاومة، مثل الصواريخ بعيدة المدى، والقذائف الموجهة، والطائرات المسيرة. هذه الأسلحة تساعد المقاومة في التصدي للتفوق العسكري الإسرائيلي وتمكنها من استهداف مناطق حيوية داخل إسرائيل. إلى جانب ذلك، تقدم إيران التدريب العسكري والتكتيكي لأفراد المقاومة في معسكرات خاصة داخل إيران أو عبر مستشارين عسكريين في الميدان، مما يعزز من كفاءة المقاتلين ويزيد من قدرتهم على تنفيذ عمليات نوعية.

بالإضافة إلى الدعم العسكري، تلعب إيران دورًا كبيرًا في دعم المقاومة سياسيًا على الصعيد الدولي، حيث تسعى إلى حشد التأييد لمواقف المقاومة في المنظمات الدولية والإقليمية. إيران تستخدم نفوذها الدبلوماسي لتصوير المقاومة كحركة مشروعة تدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وتسعى لمواجهة محاولات عزل المقاومة سياسيًا أو تجريمها.

كيف تدعم سياسات إسرائيل استمرارية محور المقاومة؟

سياسات إسرائيل العدوانية تؤجج محور المقاومة وتعزز من شرعية المقاومة في المنطقة. فالهجمات المتكررة على قطاع غزة، والاعتداءات المستمرة في الضفة الغربية، تخلق حالة من الغضب الشعبي تجعل المقاومة الخيار الوحيد المتاح.
إسرائيل تستخدم العنف والاستيطان لتحقيق أهدافها، لكن هذه الأساليب تؤدي إلى نتائج عكسية، حيث يتمسك الفلسطينيون والعرب بالمقاومة باعتبارها الرد المشروع على السياسات الإسرائيلية القمعية. فعقلية الاحتلال الإسرائيلي التي تعتمد على السيطرة الأمنية والعسكرية. والتي تتبنى نهجًا يقوم على الضربات الاستباقية واحتواء التهديدات قبل أن تتفاقم. خيث تُبرر إسرائيل استخدام القوة المفرطة بتبنيها عقيدة "الحصن المحاصر"، التي ترى فيها نفسها كدولة مهددة من جميع الجهات. وبهذا تحاول إسرائيل تشتيت محور المقاومة عبر عمليات عسكرية مركزة، وحرب نفسية، وتعاون أمني مع قوى إقليمية ودولية، لكنها فشلت في القضاء عليه تمامًا. في المقابل، ساهم هذا الاستخدام المفرط للقوة في تعزيز شرعية المقاومة وإصرارها على مواجهة الاحتلال.

الولايات المتحدة ودعمها الاستعماري لإسرائيل

تلعب الولايات المتحدة دورًا محوريًا في دعم إسرائيل على أساس سياسات استعمارية حديثة تهدف لضمان الهيمنة الإسرائيلية واستمرارية احتلالها. وبناء عليه تُقدم واشنطن دعمًا عسكريًا ودبلوماسيًا منقطع النظير لإسرائيل، وتغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها. بل تشكل حاضنة دائمة لها باستخدام الفيتو في مجلس الأمن، حيث تضمن الولايات المتحدة بذلك الحماية الدبلوماسية لإسرائيل ضد أي عقوبات دولية، وتمنحها حصانة سياسية تمكنها من تنفيذ سياساتها دون مساءلة. فالتحالف الأمريكي-الإسرائيلي هو جزء من الإرث الاستعماري الهادف للحفاظ على التفوق الإسرائيلي في المنطقة.

مستقبل محور المقاومة والصراع في المنطقة

مع تصاعد التوترات الإقليمية، قد يشهد المستقبل تغييرات جذرية في ميزان القوى. يمكن أن نرى دولًا جديدة تنضم إلى محور المقاومة، مثل اليمن والعراق، مما قد يعزز جبهة المقاومة. بالإضافة إلى ذلك، يلعب الدعم الشعبي والدولي دورًا متزايدًا في تعزيز شرعية المقاومة، سواء من خلال الحركات الشبابية أو المبادرات العالمية التي تركز على حقوق الفلسطينيين.
ومع ذلك، فإن التحولات في المواقف الدولية قد تساهم في الضغط على إسرائيل لتغيير سياساتها، خاصة مع تصاعد حملات التضامن مع الشعب الفلسطيني في أوروبا والولايات المتحدة.

وفي النهاية مع استمرار سياسات الاحتلال الإسرائيلي، يبقى الصراع بين محور المقاومة وإسرائيل في قلب المشهد السياسي الإقليمي. ويُعتبر هذا الصراع مركزًا للتوترات والتحولات في العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، حيث تُظهر الأحداث اليومية كيف تؤثر السياسات الإسرائيلية على استقرار المنطقة. ومحور المقاومة ليس مجرد مجموعات عسكرية، بل هو تعبير عن إرادة الشعوب التي تسعى للدفاع عن حقوقها واسترداد أراضيها. وتتبنى هذه القوى استراتيجيات متنوعة تشمل المقاومة المسلحة، الحرب النفسية، والأنشطة السياسية التي تهدف إلى حشد الدعم العربي والدولي لقضيتها. وإدراك أهمية هذا المحور ودوره في الدفاع عن الحقوق العربية والفلسطينية هو مفتاح لفهم ديناميكيات المنطقة ومستقبل الصراع. إن التحديات التي تواجهها هذه القوى تتداخل مع عوامل خارجية، مما يعقد الوضع أكثر. لذا، فإن تحليل دور محور المقاومة ليس فقط أمرًا يتعلق بفهم سياق الصراع، بل هو ضروري لفهم كيفية تشكل السياسات المستقبلية في المنطقة. إن قدرة محور المقاومة على البقاء والصمود رغم الضغوط الخارجية تبرز أهمية هذا التحالف في النضال من أجل حقوق الشعب الفلسطيني والعربي. وفي ظل التغيرات الجيوسياسية، قد يتطور هذا الصراع ليشمل أبعادًا جديدة تتجاوز الحدود التقليدية، مما يستدعي فهمًا أعمق لتعقيداته وأبعاده.