|
عدوان إسرائيل على لبنان: مشاركة أمريكية وتردد إيراني
نشر بتاريخ: 26/09/2024 ( آخر تحديث: 26/09/2024 الساعة: 10:14 )
دخلت المواجهة بين إسرائيل وحزب الله مرحلة تصعيد جديدة وخطيرة، بعد تفجير أجهزة الاتصال وعمليات الاغتيال والإعلان عن انطلاق عملية «سهام الشمال» يوم الاثنين الماضي، التي قصف الجيش الإسرائيلي خلالها مئات المواقع في لبنان، ما أسفر عن نتائج فظيعة: مئات الشهداء وآلاف الجرحى وهدم وتدمير وإجلاء جماعي. وأوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي أن الهدف العيني للهجوم الإسرائيلي الواسع على لبنان، هو تغيير معادلة التوازن السابقة وبناء معادلة جديدة بالمواصفات الإسرائيلية. وقال مسؤولون إسرائيليون أن جيشهم سيواصل الضغط على حزب الله وصولا إلى خلق ظروف جديدة تتيح عودة النازحين الإسرائيليين إلى بيوتهم في المستوطنات الحدودية، مع ضمان أمنهم وشعورهم بالأمان.
إسرائيل ما تسعى إليه إسرائيل هو فك الارتباط بين غزة ولبنان، وهي تتصوّر أنها تستطيع تحقيق هذه الغاية إن هي لجأت إلى البطش الفظيع، وفقا للقاعدة الإسرائيلية التقليدية «ما لا يتحقق بالقوة سوف يتحقق بالمزيد من القوة». هذا بحد ذاته كاف للتقدير بأن المعارك العسكرية ستستمر طويلا، فحزب الله أعلنها بوضوح وبحزم أن لا هدنة على الحدود ولا عودة للمستوطنين، إذا تواصلت الحرب في غزة، ولا يبدو أنه سيتراجع عن هذا الموقف، حتى لو كان الثمن باهظا. ويؤكّد الحزب المرة تلو الأخرى أن مدعاة احتفاظه بجناحه العسكري هي قضية فلسطين، فهذا «سبب الوجود»، ومن دون الالتزام بها تتبخر شرعية كيانه العسكري أمام المطالبة المتكررة له بالاكتفاء مثل غيره بالوجود السياسي. لقد أضافت إسرائيل مؤخرا إلى أهداف الحرب هدف إعادة المستوطنين إلى بيوتهم، التي نزحوا عنها. ويبلغ عدد هؤلاء عمليا أكثر من 100 ألف بين نازح رسمي ونازح طوعي. هذه غاية غير قابلة للتحقيق مهما كانت التطورات لأن نصفهم أعلنوا أنهم لن يعودوا، ويتجهون نحو إيجاد بدائل للسكن والعيش. ومع ذلك فإن المسعى هو لخلق ظروف جديدة تتيح العودة لمن يشاء منهم «بأمان وباطمئنان»، كما يقولون. وتشتق إسرائيل من هذا الهدف مشروع إخلاء حزب الله من جنوب لبنان، ونشر قوات لبنانية وغربية في مناطقه كافة، مع ضمان عدم دخول قوات حزب الله إليها مجددا، وحتى لو حققت إسرائيل كل مآربها، فهي ستبقى مفزوعة من إمكانيات الوجود الخفي لمحاربي حزب الله في الجنوب، وهي تسعى لفرض معادلة جديدة، أعلنها نتنياهو، من دون أن يفصح عن فحواها. لبنان تستطيع الحكومة اللبنانية أن تفعل الكثير في مواجهة التهديدات الإسرائيلية، بإعادة لبنان إلى العصر الحجري، وبجعل مصير بيروت كمصير غزة، وفي التصدّي لعميات التهجير الواسعة واستهداف المدنيين وهدم المباني وتدمير البنى التحتية. وانطلاقا من أن العالم يعارض تدمير لبنان وانهيار الدولة اللبنانية، بإمكان الدولة اللبنانية أن تحوّل ضعفها المعروف إلى قوّة مؤثرة على الأحداث. الجميع يخشى انهيار لبنان، ويشمل هذا الجميع فرنسا والولايات المتحدة الاتحاد الأوروبي من جهة، وإيران وروسيا من جهة أخرى، إضافة إلى الدول العربية ودول أخرى كثيرة في العالم. وعليه من الراجح أن تلقى الدعوة لإنقاذ لبنان من الدمار آذانا صاغية في عواصم كثيرة. الأوضاع في لبنان، وعلى الأصعدة كافة، كانت صعبة جدا قبل الحرب، وبدأت تتحول إلى كارثية تبعا للتصعيد الإسرائيلي الإجرامي، وهنا لا بد من مبادرة دولية وعربية لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، وعلى لبنان. لقد كان من اللازم والضروري وقف الحرب بسبب ما حدث ويحدث في غزة، والآن يُضاف سبب إضافي من الوزن الثقيل وهو مصير لبنان. على العرب أن يضعوا العالم أمام مسؤولياته في وجه آلة الدمار الإسرائيلية، لإيقافها ومنعها من إنتاج المزيد من الكوارث. إلى جانب الحكمة السياسية المطلوبة لبنانيا، فإن الصمود الأهلي والتماسك المجتمعي والتضامن الوطني، هي عوامل مهمة ومطلوبة لتقليص الأضرار وتفويت الفرصة على إسرائيل، التي تستهدف المدنيين والبنى التحتية، للضغط على حزب الله. وحتى الذين لا يوافقون الحزب الرأي والطريق، عليهم أن يروا أن الدولة الصهيونية تسعى إلى تحقيق غاياتها عبر دق الأسافين وشق الصفوف، وعليهم أن يصعّبوا عليها المهمّة. الولايات المتحدة يستدل مما يقوله ومما لا يقوله المسؤولون الأمريكيون، أن الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لتصعيد حملتها العسكرية على لبنان، ويتضح أنها «يئست» من إمكانية التوصل إلى وقف الحرب في غزة وإلى حل دبلوماسي في لبنان. الإدارة الأمريكية خضعت لنتنياهو، الذي يرفض الهدنة والصفقة في غزة، وبدأت تتعامل مع استمرار الحرب في غزة كمسلّمة مثل مسلمات أقليديس، لا يمكن تغييرها ومنها الانطلاق. إيران طالبت إسرائيل الولايات المتحدة بتفعيل ضغوط على إيران حتى لا تتدخل في معاركها العسكرية مع حزب الله. ويبدو أن إدارة بايدن ليست بحاجة إلى هذا الطلب حتى تتحرك، فهي اهتمت بوضع المنطقة الوسطى للجيش الأمريكي على أهبة الاستعداد ليس للدفاع عن إسرائيل فحسب، بل ولحماية عدوانها الوحشي على لبنان ومن قبله حربها الإجرامية في غزة. وهي تحذّر إيران بالفعل وليس بالقول فحسب. إيران من جهتها، ليست بحاجة للإقناع بمنع الحرب الإقليمية الشاملة، فهي مقتنعة تماما وتسعى لتجنّبها. لكن هذه القناعة لا تشمل السكوت إزاء كل ما تفعله إسرائيل، ويبدو أن هناك خطوطا حمرا إيرانية، وإن كانت غير معلنة، وقد يكون من بينها عدم السماح بالقضاء على حزب الله، كما يدعو بعض الاستراتيجيين الإسرائيليين. ويظهر من تصريحات القيادة الإيرانية أنها ما زالت مترددة ولم تصل بعد إلى حد التهديد بالتدخل، وهذا التهديد هو الأمر الوحيد الذي يمكن أن يحرك الولايات المتحدة للجم الانفلات الإسرائيلي الإجرامي. |