وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

اغتيال القيادات وتوازن القوى في الشرق الأوسط: بين التصعيد الاسرائيلي والعجز العربي

نشر بتاريخ: 03/10/2024 ( آخر تحديث: 03/10/2024 الساعة: 15:22 )
اغتيال القيادات وتوازن القوى في الشرق الأوسط: بين التصعيد الاسرائيلي والعجز العربي

تعدّ المنطقة العربية ساحة لصراعات عميقة ومتعددة الأبعاد، ومن أبرز أدوات هذا الصراع هو اغتيال القيادات التي تقود المقاومة ضدّ الهيمنة الإسرائيلية؛ لطالما استخدمت إسرائيل هذه الاستراتيجية لتعزيز موقفها العسكري والسياسي، حيث تعتبر استهداف القيادات وسيلة لإضعاف البيئة المقاومة وعرقلة تطوّرها.

شخصيات بارزة مثل حسن نصر الله وإسماعيل هنية أصبحت أهدافا دائمة مشروعة لإسرائيل، وتأتي هذه الاستهدافات ضمن سياق أوسع، يشمل تصفية الشخصيات السياسية والقيادية، مما يعكس استراتيجية إسرائيلية طويلة الأمد للحفاظ على هيمتنها وترسيخها.

*استراتيجية الاغتيالات الإسرائيلية: تكتيك لضرب المقاومة*

على مدى العقود الماضية، برزت إسرائيل كلاعب محوريّ في لعبة الاغتيالات السياسية التي تهدف إلى إضعاف المقاومة وقيادتها، فاغتيال قيادات مثل عماد مغنية وأحمد الجعبري يُعدّ جزءا من هذه الاستراتيجية، وتستفيد إسرائيل من التفوق التكنولوجي والاستخباراتي لتحديد واستهداف الشخصيات التي تعتبرها محورية في إدارة وقيادة العمليات العسكرية والسياسية لحركات المقاومة.

يُعتبر اغتيال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله مؤخّرا، وكذلك إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، إضافة إلى العديد من قيادي حزب الله وحركة حماس، ضمن هذه السياسات، التي تعكس التصميم الإسرائيلي على تقويض نشاطات المقاومة وتعزيز صورتها بعد فقدان هيبتها العسكرية خلال حرب غزّة، وذلك من خلال تنفيذ عمليات اغتيال تستهدف قيادات المقاومة الفلسطينية واللبنانية، فضلا عن محاولة إرباك محور المقاومة وكسر إرادة الشعب الفلسطيني واللبناني والمقاومة، ولكنّ الماضي أثبت أنّ هذه الإغتيالات تُعزّز من عمل المقاومة بدلا من إحباطها.

*تأثير اغتيال القيادات على المقاومة*

بينما تقوم إسرائيل بعمليات الاغتيال، من المهم ملاحظة أن هذه الأفعال لم تؤدِ إلى تراجع المقاومة، بل نرى أنّ الحركات المقاومة تتكيّف بسرعة وتطوّر أساليب جديدة أكثر فعالية وصلابة من تلك التي سبقتها. فبعد اغتيال عماد مغنية عام 2008، عمل حزب الله على تعزيز قدراته الاستخباراتية والعسكرية، ما جعله أكثر استعدادا للتعامل مع أي تصعيد. كما أن هذه العمليات تخلق جيلا جديدا من القادة الأكثر جلدا وعزما على المقاومة، مما يجعل محاولات إسرائيل لتقويض هذه الحركات غير فعّالة.

*الموقف الإسرائيلي وتأثيره الإقليمي*

من وجهة النظر الإسرائيلية، تسعى حكومة نتنياهو إلى دفع المنطقة نحو حرب إقليمية. وقد أشار مُحلّلون مثل «آلون بن مئير» المختص بسياسات الشرق الأوسط، وخاصّة مفاوضات السّلام بين إسرائيل والعالم العربي، إلى أنّ تصرفات نتنياهو تعكس استراتيجيات تهدف إلى تصعيد التوترات في المنطقة لتحقيق أهداف سياسية، كما أنّ الكثير من المُحلّلين الأمريكيين، مثل «ديفيد إغناتيوس» صاحب الرواية الشهيرة «كتلة أكاذيب»، وهو كاتب عامود في صحيفة «واشنطن بوست» ومحاضرا سابقا في جامعة «هارفارد»، يرون أيضا أنّ نتنياهو يستخدم هذه الصراعات لتعزيز موقفه السياسي الداخلي.

هذه السياسة تُعتبر خطرا على الاستقرار الإقليمي، حيث إن تأجيج الصراعات سيؤدي إلى نتائج مدمّرة على الأمن والسلم في المنطقة برُمّتها.

*العجز العربي في مواجهة التهديدات*

بينما تستخدم إسرائيل الاغتيالات كأداة فعّالة في تصفية قيادات المقاومة، تظلّ الدول العربية عاجزة عن مواجهة هذا التهديد بشكل مؤثّر، فالانقسامات السياسية والتوترات الداخلية بينها تمنعها من اتخاذ موقف موحّد لتطوير استراتيجية دفاعية مشتركة.

إن التطبيع مع إسرائيل من قبل جُلّ دول المنطقة يعكس عجزا واضحا في التعامل مع السياسة الإسرائيلية العدوانية بشكل لا يتناسق مع مصلحة المنطقة والأمن القومي، في الوقت الذي تواصل فيه حركات المقاومة تعزيز أساليبها لمواجهة التحديات دون دعم رسمي أو غطاء سياسي، كالدعم العسكري والسياسي الذي تتلقّاه دولة الاحتلال من أمريكا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، واللائحة تطول، فضلا عن دعم بعض الدول العربي في المنطقة، إضافة إلى اسلوب القمع والترهيب التي تنهجه هذه الدول ضد كُلّ من ينتقد حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزّة، والآن مع الاجتياح البري صباح هذا اليوم، والمرفق بالقنابل الفسفورية المُحرّمة دوليا؛ بداية لنسخ المأساة وتطبيقها في لبنان.

*أثر الحرب الإقليمية على الجيوسياسة في المنطقة*

تؤدّي أي حرب إقليمية إلى تغييرات جيوسياسية عميقة في الشرق الأوسط، حيث يمكن أن تؤدّي إلى إعادة توزيع القوى السياسية والعسكرية، فالهزّات الناتجة عن هذه الحروب قد تدفع الدول العربية إلى إعادة تقييم تحالفاتها وأولوياتها، كما أنّ تصعيد الصراعات يمكن أن يزيد من نفوذ إيران وحلفائها في المنطقة، ممّا يُعقد الموقف بالنسبة للدول العربية التي تسعى لتحقيق الاستقرار، الذي باتت إسرائيل تُهدّده بغطرسة وفظاظة، وتصريحات نتنياهو الأخيرة حول تغيير الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط تعكس رغبته وحكومته الغلاة في تأجيج المنطقة، بل وتحمل دلالات كبيرة على الساحة الدولية وتؤثّر على العلاقات مع الدول العربية وبعض الدول الغربية.

إن التصعيد العسكري الإسرائيلي يطرح تساؤلات حول مستقبل الأمن والاستقرار في المنطقة، وكيفية تعامل القوى الكبرى مع هذه التحولات.

*العلاقات مع الدول الغربية*

يعتبر الدعم الأمريكي لإسرائيل ركيزة أساسية في السياسة الخارجية الأمريكية، ومع ذلك تتزايد الضغوط على إدارة بايدن للضغط على نتنياهو لوقف التصعيد العسكري، خاصة مع تزايد الأصوات في الكونغرس الأمريكي التي تدعو إلى استخدام شروط في المساعدات العسكرية لإسرائيل؛ الأمر الذي يتجاهله نتنياهو ويُحرج بذلك إدارة بايدن، ولكن على ما يبدو فإن الأخير هو اللاعب الرئيسي وهو الذي يُملي من خلال تصرفاته على الإدارة الأمريكية، ومُقترح بايدن لصفقة التبادل وضرورة إنهاء الحرب فى قطاع غزة وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل آمن، وفعّال وما تلاها من مقترحات كشفت عدم رغبة نتنياهو بإنهاء الحرب وإبرام الصفقة.

قد يؤدّي تصرّف نتنياهو أحادي الجانب إلى تعقيد هذه العلاقة، مما قد يدفع الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم دعمها غير المشروط لإسرائيل بشكل أو بآخر، إذا استمر رئيس الحكومة الإسرائيلية بتجاهل الإدارة الأمريكية ومعها المخاوف الإنسانية واستمرار الإبادة الجماعية وهدم كُلّ مقوّمات الحياة في غزّة والآن يتبعها لبنان.

*العلاقات مع الدول العربية*

تثير فعليا تصريحات نتنياهو قلق العديد من الدول العربية حول إمكانية تصعيد الحرب، بينما تسعى بعض الدول، مثل الإمارات والبحرين، لتعزيز العلاقات مع إسرائيل في إطار اتفاقيات التطبيع، وعلى ما يبدو أنّ السعودية ورغم حرب غزّة أبدت رغبتها الضمنية في التطبيع، والظاهر أن التصعيد الإسرائيلي الحالي لم يُعرقل هذه الجهود أو يُعيدها إلى الوراء، غير أنّ الأردن بدأ يشعر بقلق، وهو الأمر الذي تطرّق إليه وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وبدا في خطاب الملك عبدالله في مجلس الأمن، حيث تناول القضية الفلسطينية وما يتعرّض له الشعب الفلسطيني من ظلم وجرائم حرب وإبادة وتطهير عرقي في الأراضي الفلسطينية المُحتلّة، بما في ذلك قطاع غزة والضفة الغربية والقدس وعجز المجتمع الدولي، رغم صدور عشرات القرارات عن الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية إلزام سلطات الاحتلال الإسرائيلي بوقف هذه الجرائم وإنهاء الاحتلال.

*الاجتياح الإسرائيلي على لبنان*

شهدت الساحة اللبنانية تصعيدا جديدا عنيفا؛ آخره الاجتياح الإسرائيلي البري صبيحة هذا اليوم، مرفوقا بالقنابل المُحرّمة دوليا، والذي جاء بالتزامن مع تصريحات نتنياهو حول تغيير الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط.

هذا التصعيد يعكس رغبة الحكومة الإسرائيلية في إعادة تشكيل المعادلات الأمنية في المنطقة كُلّها، وهو ما يزيد من المخاوف من تصاعد المواجهات في لبنان وتدمير بيروت مُجدّدا؛ الأمر الذي بات مُرجّحا بالتزامن مع الغارات الإسرائيلية اليومية العنيفة.

رغم الضغوط الداخلية التي يواجهها نتنياهو بسبب قضايا الفساد والإخفاقات الأمنية التي تراكمت منذ السابع من أكتوبر، إلّا أن الحكومة الإسرائيلية لا تزال متمسّكة بتصعيد حملتها العسكرية، كذلك الشارع الإسرائيلي الذي تُغذّيه بالمقابل تصريحات نتنياهو ورغبته في استمرار ومُفاقمة الحرب، وخاصّة بعد عمليات اغتيال هنيّة ونصر الله وتفجيرات «البيجر» الإرهابية، ونشوة النصر، التي يسوّقها للجمهور الإسرائيلي الراغب في إبادة العرب وتهجيرهم من بلادهم، ما يعمل على تعزيز شعبية الأخير عبر إظهار القوة العسكرية على العُزّل والمدنيين، مما يخلق توازنا مع الوضع الداخلي الإسرائيلي المتأزّم.

*دعوة للتفكير والكرامة*

يتطلّب التصدّي الفعّال للتهديدات الإسرائيلية استراتيجية عربية شاملة وعقدية، تتجاوز التركيز على التحديث العسكري، فيجب أن تتبنّى الدول العربية مقاربة تشمل تعزيز التنسيق السياسي والدبلوماسي، إلى جانب دعم المقاومة عسكريا ومنحها غطاء سياسيا، تماما كما تفعل أمريكا ودول الغرب مع إسرائيل، بحيث تكون قوة داعمة لتحركات فصائل المقاومة، إن لم تكن مشاركة.

على الدول العربية أن تسعى لتحقيق تعاون يضمن رد فعل جمعي، لكبح جموح دولة الاحتلال والبلطجة التي تُمارسها في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن ودول المنطقة، والرد على الإستهداف الإسرائيلي لقيادات المقاومة الفلسطينية واللبنانية.

*خلاصة*

إن تصاعد التوترات في المنطقة يعود إلى السياسات العدوانية التي تنتهجها حكومة نتنياهو، والتي تهدف إلى تحقيق أهداف شخصية عبر تأجيج الأوضاع، فضلا عن الأهدف التوراتية الذي بات يُصرّح به علانية، وهو تحقيق المشروع الصهيوني والتوسّع الاستيطاني، وهو ما يتطلّب حوارا شاملا وتعاونا مستداما بين الدول العربية للتصدي لهذا التوجه، الذي بدأ في تدمير غزّة وقتل جُلّ أهلها على مرأى من العالم، وأردفه الآن في تدمير بيروت.

اللهم احرس فلسطين ولبنان بعينك التي لا تنام.

*[email protected]*