وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

ثمن الاحتلال بعد عام من الحرب على غزة: الانتقام الوحشي وإلابادة الجماعية وانتهاك القانون الدولي

نشر بتاريخ: 05/10/2024 ( آخر تحديث: 05/10/2024 الساعة: 18:41 )
ثمن الاحتلال بعد عام من الحرب على غزة: الانتقام الوحشي وإلابادة الجماعية وانتهاك القانون الدولي

المقدمة:

في السابع من أكتوبر 2023، انطلقت شرارة هذه الحرب حينما شنت حماس هجومًا نوعيا على إسرائيل، وردت الاخيرة بحملة عسكرية مدمرة على غزة، استهدفت البنية التحتية والمنازل والمدنيين بشكل غير مسبوق. وبينما تدعي إسرائيل أنها تدافع عن نفسها باعتبارها "الديمقراطية الوحيدة" في المنطقة، الا ان حجم الدمار ووحشية الهجمات في غزة تثير تساؤلات حول مدى احترام اسرائيل للقانون الدولي وحقوق الإنسان. فالقتل المنهجي والتدمير الموجه لشعب كامل وغيرها من الأفعال التي ترتكبها إسرائيل في غزة، والتي تتجاوز مجرد العقاب الجماعي، بل تتخطاه إلى مستوى الإبادة الجماعية. وتهدف هذه المقالة إلى تقديم أدلة على أن أفعال إسرائيل في غزة تمثل انتقامًا وحشيًا، وجماعيًا، ومنهجيًا، يفوق حدود الدفاع الشرعي، ويصل إلى مستوى الإبادة الجماعية في انتهاك صارخ للقانون الدولي. فالشعب الفلسطيني يواجه هذا الاحتلال منذ قيام دولة إسرائيل في عام 1948، وبالاستناد الى حقائق ليست محل جدل تاريخي فان هذه الدولة قامت على التطهير العرقي، والطرد، والمجازر المتعددة بحق الشعب الفلسطيني، ومن هنا لا يمكن فهم هجوم حماس الأخير دون هذا السياق التاريخي، حيث يستمر الاحتلال والقمع ضد الفلسطينيين دون أمل في اي حل سلمي حتى بعد اتفاقية أوسلو، والتي ادت على ارض الواقع بزيادة في القمع، والمجازر الدورية، واحتلال للأراضي. ولفهم عقلية الاحتلال فنموذج الضفة الغربية، والتي شهدت فترة من التعايش النسبي مع الوضع الراهن، الا ان المقابل الاسرائيلي جاء بمزيد من الاستيطان، والقمع، وطرد السكان من منازلهم، وكل ذلك جاء على مراى ومسمع العالم. ولكن بعد هذا الهجوم في السابع من اكتوبر، بدأ الغرب واسرائيل وبنظرة الاستعلاء الكولونيالي بالحديث عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، متجاهلين حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم ضد الاحتلال، مختزلين كل السياق التاريخي باحداث السابع من اكتوبر. وإذا أعدنا النظر في مفهوم الدفاع عن النفس، يبرز السؤال: ضد من تدافع إسرائيل عن نفسها؟ ضد شعب تقتله منذ عقود، تصادر أراضيه، تهدم منازله، وتسجن أطفاله وتعذبهم؟

ودليل اخر على عقلية الاحتلال هو الدمار والانتقام في لبنان: في أقل من أسبوع على الحملة البرية الإسرائيلية على لبنان، ظهر للعالم الوجه الحقيقي للاحتلال الإسرائيلي من خلال اللجوء إلى أقصى أشكال الانتقام الوحشي بحق المدنيين. قُتل آلاف المدنيين وتم تدمير أحياء كاملة في الضاحية الجنوبية لبيروت وكذلك جنوب لبنان، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمرافق الحيوية. هذه الهجمات لا تهدف فقط إلى استهداف قدرات حزب اللله المقاومة بل تسعى لإرهاب المدنيين وتهجيرهم بشكل جماعي جيث بلغ عدد النازحين في لبنان في عذع الفترة القصيرة الى اكثر من مليون نازح، فهل الدول الغربية، عندما تمنح إسرائيل حقًا مفتوحًا للدفاع عن نفسها، تأخذ في الحسبان حق الفلسطينيين او اللبنانيين؟ وهي تدرك أن منح إسرائيل هذا الحق يعني السماح بارتكاب المزيد من الانتقام والإبادة الجماعية ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني.

الأزمة الإنسانية والإبادة الجماعية في غزة:

منذ بداية القصف الإسرائيلي، شهدت غزة مستويات غير مسبوقة من الدمار والقتل الجماعي. تم تدمير أحياء بأكملها، وقتل آلاف المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال. إن طبيعة الهجمات، التي لا تميز بين المدنيين والمقاتلين، تشير إلى نية مبيتة لإبادة جزء كبير من سكان غزة، وهي جريمة دولية تُعرف في القانون الدولي باسم الإبادة الجماعية. هذه الجريمة ليست فقط تدميرًا ماديًا، بل هي أيضًا محاولة منهجية للقضاء على الهوية الفلسطينية في غزة.

الحقائق الأساسية:

1. الخسائر البشرية: وفقًا للتقارير، أكثر من 42,000 شهيد مدني منذ بدء القصف، مع إصابة اكثر من 100000 آخرين. يشمل ذلك أعدادًا كبيرة من النساء والأطفال، ما يعكس نية قتل ممنهجة للفلسطينيين دون تمييز، وهي علامة واضحة على سياسة الإبادة الجماعية.

2. تدمير البنية التحتية والحياة اليومية: استهدفت الهجمات المستشفيات، والمدارس، ومحطات المياه، والكهرباء، والمخابز، ومخازن الاغاثة الدولية، وكل ما يتعلق بالحياة المدنية اليومية. إن تدمير البنية التحتية يهدف إلى شل قدرة المجتمع على البقاء، ما يمثل جزءًا من مخطط أكبر للقضاء على السكان المدنيين.

3. استمرار الحصار الخانق: في ظل الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة منذ سنوات، يعيش الناس في ظروف قاسية. وقد أدى هذا الحصار إلى استنزاف الموارد الأساسية وجعل السكان أكثر عرضة للإبادة من خلال منع المساعدات الإنسانية والطبية.

الإبادة الجماعية في سياق القانون الدولي:

وفقًا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، تعتبر الإبادة الجماعية أي فعل يرتكب بقصد تدمير جماعة قومية أو إثنية أو دينية بالكامل أو جزئيًا. ينص القانون الدولي على أن قتل أعضاء من الجماعة، وإلحاق أضرار جسدية أو نفسية جسيمة بهم، وخلق ظروف معيشية يقصد بها تدمير الجماعة، كلها أمثلة على الأفعال التي تشكل إبادة جماعية. بالنظر إلى الحملة الإسرائيلية الأخيرة، نجد العديد من هذه المعايير متحققة على أرض الواقع.

الانتهاكات القانونية:

1. القتل المنهجي للمدنيين: استهداف المدنيين بشكل مباشر، بما في ذلك الأطفال والنساء وكبار السن، من خلال القصف العشوائي يشير إلى نية مبيتة للتخلص من قطاع واسع من سكان غزة.

2. إلحاق الضرر الجسدي والنفسي الجسيم: إلى جانب القتل، يتعرض الناجون في غزة لصدمات نفسية هائلة جراء فقدان أفراد أسرهم وبيوتهم، إضافة إلى تدمير مصادر الرزق والخدمات الأساسية. هذه الأفعال تمثل محاولة لتدمير روح المجتمع الفلسطيني.

3. خلق ظروف معيشية غير قابلة للتحمل: مع تدمير البنية التحتية الحيوية في غزة، أصبح السكان يفتقرون إلى الماء والكهرباء والرعاية الصحية. هذا الحصار والهجمات المتواصلة تخلق ظروفًا لا يمكن لأي مجتمع تحملها، مما يعزز الهدف النهائي المتمثل في إبادتهم.

الدعوى القضائية: جنوب إفريقيا ومحكمة الجنايات الدولية

في خطوة غير مسبوقة، رفعت جنوب إفريقيا دعوى قضائية ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، بما في ذلك الإبادة الجماعية. استندت الدعوى إلى الأدلة الدامغة التي تشير إلى أن إسرائيل تستخدم قوتها العسكرية لقمع الشعب الفلسطيني بشكل منهجي يقضي الى منعهم من تحقيق حقوقهم الأساسية. هذه الخطوة القانونية التاريخية تمثل تحديًا مباشرًا للسياسات الإسرائيلية وتفتح الباب أمام الدول الأخرى لاتخاذ إجراءات مشابهة.

فمع ان شارفت هذه الحرب على دخول عامها الأول، أصبح من الضروري أن تحفز دول العالم الحر على الانضمام إلى هذه الدعوى ودعم الجهود الرامية إلى تقديم إسرائيل للمساءلة القانونية. إن الموقف الحازم الذي اتخذته جنوب إفريقيا يمثل نداءً للعدالة العالمية ويشكل فرصة للمجتمع الدولي لاتخاذ موقف جماعي ضد الجرائم التي تُرتكب في غزة. يجب على الدول التي تؤمن بحقوق الإنسان والعدالة الدولية وتحديدا الدول العربية والاسلامية أن تتبنى هذا المسار القانوني، وتضغط على محكمة الجنايات الدولية لتسريع الإجراءات وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني.

ازدواجية المعايير: الاحتلال والنفاق:

ادعاء إسرائيل بأنها "الديمقراطية الوحيدة" في المنطقة يتناقض بشكل صارخ مع احتلالها المستمر للأراضي الفلسطينية. رغم مظاهر الديمقراطية، تتبع إسرائيل سياسة منهجية للسيطرة والإذلال ضد الفلسطينيين، وصولًا إلى حد ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية. إن المجتمع الدولي، الذي ظل ساكنًا إلى حد كبير تجاه هذه الجرائم، يساهم في إدامة معاناة الشعب الفلسطيني ويشجع إسرائيل على العمل دون خوف من المساءلة.

أدلة على تأثير الاحتلال والإبادة الجماعية:

1. الحصار كأداة للإبادة: منذ عام 2007، تخضع غزة لحصار خانق يمنع وصول السلع والخدمات، مما يدفع سكانها إلى حافة البقاء. هذا الحصار هو جزء من سياسة أكبر تهدف إلى تدمير غزة ككيان حي.

2. الاستيطان والاستيلاء على الأراضي: منذ الاحتلال الاسرائيلي في عام 1967 والتوسع المستمر في المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية يكمل سياسة إسرائيل للسيطرة على الأرض، بينما تدمر غزة بشكل منهجي، مما يعزز مخطط الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.

3. التنكيل الجماعي: الاعتقالات التعسفية، التعذيب، وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية تساهم جميعها في خلق مناخ من الخوف، والذي يعد جزءًا من استراتيجية إسرائيل لإبادة الهوية الفلسطينية.

الخاتمة: دعوة للمساءلة الدولية

الخاتمة: دعوة للمساءلة الدولية

إن الأفعال التي ارتكبتها إسرائيل في غزة بعد هجوم حماس في أكتوبر 2023 تتجاوز بكثير حدود أي مفهوم مقبول للدفاع الشرعي. فالقصف العشوائي والقتل الجماعي، واستهداف المدنيين والبنية التحتية الحيوية، تكشف عن نية ممنهجة لإبادة شعب بأكمله، مما يشكل انتهاكًا صارخًا لكل معايير القانون الدولي والإنساني. الإبادة الجماعية ليست مجرد لفظة توصف بها الأحداث، بل هي واقع ملموس في غزة يعبر عن سياسة متعمدة للقضاء على الهوية الفلسطينية من خلال القتل والتدمير وإلحاق الأذى النفسي والجسدي المستمر بالسكان. فالمجتمع الدولي، الذي طالما تبنى خطاب حقوق الإنسان والعدالة الدولية، يتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية لمحاسبة إسرائيل على هذه الجرائم. إن صمت المجتمع الدولي وعدم التحرك بجدية للمساءلة، يغذي إفلات إسرائيل من العقاب، ويمنحها ضوءًا أخضر لمواصلة اعتداءاتها على الفلسطينيين دون خوف من العواقب. هذا الصمت لا يشكل فقط خذلانًا للشعب الفلسطيني، بل يمثل تراجعًا خطيرًا في التزام المجتمع الدولي بالقيم الأساسية للعدالة وحقوق الإنسان التي يجب أن تكون عالمية وغير قابلة للتفاوض. وهنا فان الدعوى التي تقدمت بها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية تمثل فرصة تاريخية للدول الحرة والمؤمنة بالعدالة الدولية للوقوف إلى جانب الحق والانضمام إلى هذه الدعوى. التحرك الجماعي ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية سيكون خطوة حاسمة نحو إنهاء الحصانة الممنوحة لها ومساءلة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية. لكن هذه الدعوة ليست مجرد إجراء قانوني، بل هي أيضًا رسالة سياسية قوية بأن المجتمع الدولي لن يتسامح مع الانتهاكات المتواصلة لحقوق الإنسان والقانون الدولي. وعليه فإن تحقيق السلام العادل والمستدام في المنطقة لن يكون ممكنًا إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي والاعتراف بالحقوق الفلسطينية. وهذا يتطلب أكثر من مجرد إدانات لفظية، بل يستدعي جهودًا فعلية لمحاسبة إسرائيل على جرائمها. بدون هذه المحاسبة، سيظل الاحتلال قائمًا، وستظل معاناة الفلسطينيين مستمرة، مما يعرقل أي فرصة حقيقية لتحقيق الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط.