وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

ألسنة الأصعب : ما الذي تغير فينا و فيهم ؟

نشر بتاريخ: 07/10/2024 ( آخر تحديث: 07/10/2024 الساعة: 12:13 )
ألسنة الأصعب : ما الذي تغير فينا و فيهم ؟

خسارات اسرائيل منذ سنة مضت حتى يوم الناس هذا تتمثل في انكشافها من الداخل، فهي لا تتميز بالديموقراطية التي "سطلونا" بها ولا بقدرتها ولا قوتها فقد اتضح انها مستعدة لفضح كل اصدقائها اذا تأخروا في ارسال الذخائر المتطورة، و سقطت كل الادعاءات بالمظلومية و التفرد و الاستثنائية و قوة الابتكار و الفردانية المبدعة، كل ذلك سقط عندما وقف نتنياهو امام الكونغرس "اياه" ليقول لهم انه يحارب من أجلهم، فقد كان هذا الرجل يعرف ان الولايات المتحدة اسقطت كل الشكليات المعروفة من الحفاظ على الحقوق و القانون الدولي و ما الى ذلك، فقد ظهرت الولايات المتحدة خلال هذه السنة امام كل العالم كما هي حقاً، مجرد كيان استعماري يستخدم كل شيء من اجل تحقيق مصالحه، ولا يهمه شيء سوى الربح و السيطرة.

خسارات اسرائيل من خسارات الولايات المتحدة ايضاً، فقد ظهرا في الامم المتحدة انهما كيانان مستعدان لسحق القانون الدولي و تهديد ممثليه و محاصرة هيئاته و الوقوف عراة امام حقوق الشعوب و الشرائع كلها.

كانت سنة من الفضائح طفحت بالاكاذيب و النفاق و تغذية الموت و التجويع و الترويع و التهجير في بث حي و مباشر، كانت سنة رأى فيها العالم كيف استطاعت امريكا و اسرائيل ان يلجما كل الاصوات العاقلة و المظاهرات الرافضة و القرارات الدولية و كل الجهود التي حاولت ان تتقدم بالحد الادنى من شروط وقف المذبحة على الاقل.

خسارات اسرائيل لم تكن محصورة بتدمير القيم و تهشيم الصورة التي ارادت اسرائيل دائما ان تقدمها للعالم، بل تمثلت هذه الخسارات في كسر ارادة المنطقة ايضاً، فقد نجحت اسرائيل ـ برأيي ـ بتخريب كل الجهود و الاغراءات الكثيرة لتثبيت حالة قبولها و اندماجها في المنطقة، فلا اعتقد ان كياناً مثل هذا الكيان القادر على تدمير كل شيء سيكون مقبولاً على احد.

ان الصورة الجديدة التي تريد اسرائيل تصديرها للمنطقة باعتبارها كياناً غاضباً و مجنوناً يفرض الخوف على الجميع و ليس الحب، انما هي صورة جوفاء و هشة جداً، اذ ان هذه السنة بالذات شهدت كثيراً من الهجمات التي شنت على اسرائيل من جبهات متعددة، و لم تكن هناك منطقة في الكيان لم تنل نصيبها من صفارات الانذار على الاقل.

هذه السنة شهدت اغلاقات لمطار اللد و سكك الحديد و الموانىء و المدارس و المعاهد، و شهدت ما لم تشهده اسرائيل منذ عقود طويلة من التآكل الاجتماعي و المؤسساتي و الهجرة المعاكسة و تراجع الاقتصاد و نزع الشرعية عن احتلالها.

و بدلاً من انحصار الاشتباك الدامي مع الشعب الفلسطيني فقد توسعت الحرب لتشمل اطرافاً و جبهات متعددة، و هو امر يشكل فضيحة اخرى لسياسة الولايات المتحدة التي لم تستطع ان تقدم شيئاً على هذا الصعيد، اما عجزاً او خضوعاً للحكومة الاكثر تطرفاً في تاريخ اسرائيل او لانها شريكة في كل ما يجري بشكل او بأخر، او لكل ذلك مجتمعاً .
اذن، خسارات اسرائيل شملت ايضاً فقدان التأثير السياسي و النفوذ و سخونة العلاقات، و قد يعود ذلك الى ما لا نعرف او نتوقع. فالمذبحة عادة ما تقود الى ما لا نعرف ولا نتوقع، و اعتقد جازماً ان ما تفعله اسرائيل بنا من هذه الاستباحة لدمنا و ثرواتنا و فضائنا لن تقود على الاطلاق الى استقرار او تسوية بحدها الادنى.

اعتقد جازماً ان اسرائيل قطعت اخر الخيوط و احرقت اخر السفن لعودة العقل او استرجاعه.

و بالقدر الذي خسرت فيه اسرائيل خلال هذه السنة، فقد خسرنا نحن ايضاً خسرنا خيرة الناس و خسرنا كثيراً مما انجزنا على الارض و ما نزال نخسر وحدتنا و نخسر القدرة على تحويل كل هذا الدم الى اساس حقيقي للنهوض و التقدم، ما نزال نراوح في ذات المكان و ذات اللغةو ذات المصالح و ذات الاجندة.

كانت سنة مؤلمة بكل المقاييس، فقد تم الاستفراد بنا، و وقف اقليمناعاجزا و متفرجاً و مستسلماً لم يستطع رغم كل امكانياته من فرض الوقائع او تغييرها، في موقف اقل ما يقال فيه انه تكرر في الماضي ايضاً.

و برأيي ان اقليمنا يخطىء جداً اذا اعتقد ان حياده او نأيه بنفسه عما يجري سيؤدي الى نجاته من ألسنة النار، على العكس من ذلك، فالحروب تمنع بالحروب و ليس بتجنبها، سكوت الأقليم او خضوعه ترك الساحة فارغة جداً ليملأها و يختطفها من هو قادر على الرد و المناورة.

و للمرة الالف نقول ان الاعتدال موقف اخلاقي صحيح و لكنه في السياسة يحتاج الى القوة ليصبح موقفاً حقيقياً اذ لا يسمى الخضوع اعتدالاً الا لرفع الحرج فقط.