|
المقاومة الإلكترونية في مواجهة الخنق الرقمي!
نشر بتاريخ: 23/10/2024 ( آخر تحديث: 23/10/2024 الساعة: 13:19 )
بقلم: د. صبري صيدم
بلغ حجم القرصنة المفروضة على المحتوى الفلسطيني أوجه هذه الأيام، وذلك بعد حصار رقمي تفرضه معظم منصات الإعلام الاجتماعي على هذا المحتوى، وبصورة تصل إلى مربع الحد من انتشاره بهدف ضمان محدودية إطلاع الناس عليه.
وفي ظل تصاعد التكنولوجيا وتغلغل وسائل الإعلام الاجتماعي في حياتنا اليومية، فإن استخدامات منصات ، لا تقتصر على التعبير عن الآراء والتواصل الاجتماعي فحسب، بل أصبحت ساحة حيوية للصراعات الفكرية والسياسية، وتنامي المحتوى الفلسطيني في ظل المحرقة المفروضة على الشعب الفلسطيني والمستعرة منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
في هذا السياق، نجد أن المحتوى الفلسطيني يعاني من تضييقات شديدة، تهدف إلى تحجيم الصوت الفلسطيني في الفضاء الإلكتروني، في إطار حملة مسعورة ومتواصلة من الرقابة والتحكم بمضمون هذا المحتوى.
وتعيش وسائل الإعلام الاجتماعي التي تتناول القضية الفلسطينية ومنذ سنوات، تحت وطأة مقص الرقيب، الذي لا يرحم حيث تتم إزالة المحتوى الفلسطيني، سواء كان توثيقاً للانتهاكات الإسرائيلية، أو تعبيراً عن التضامن مع حقوق الشعب الفلسطيني، بذريعة مخالفة شروط المنصات، أو انتهاك معايير النشر. هذا التضييق يطال جميع أشكال المحتوى، بما يشمل هذا المقال حال نشره، بدءا من المنشورات ذات العلاقة أو التقارير الإخبارية، مرورا بالصور والفيديوهات التي تسجل الجرائم اليومية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي.
ورغم ادعاءات منصات التواصل الاجتماعي بأنها تحافظ على «الحياد»، فإن واقع الحال يشير إلى عكس ذلك، حيث تطبق هذه المنصات القرصنة الرقمية الواضحة، عبر التلاعب باللوغاريتمات والرقابة الأوتوماتيكية، من خلال تصنيف المحتوى الفلسطيني كـ»محرض» أو «مخالف»، في حين يتم تجاهل، بل أحياناً تعزيز، المحتوى الذي يروج للرواية الصهيونية، أو يبرر سياسات الاحتلال.
وتأتي هذه القرصنة في إطار يمكن تسميته بـ»الخنق» الرقمي، وهو ما يقوم على تعظيم مباشر لما يسمى بالفلترة الآلية للمحتوى، إما عبر كتم مصادر هذا المحتوى، من خلال ما يعرف ببروتوكولات الإنترنت، أو عبر تكثيف قاعدة بيانات الكلمات المفتاحية، وتعزيز سبل ضبط «التحايل» الذي يعتمده البعض لتجنب تلك الكلمات، سواء باستخدام الأحرف اللاتينية عوضا عن الحروف العربية الكاملة، أو باستخدام الأرقام والرسومات، أو غيرها من سبل تفادي مقص الرقيب الإلكتروني.
أما ذروة القرصنة فتعتمد على وضع العديد من الحسابات تحت الرقابة المباشرة، التي تخضع للوغاريتمات أكثر ذكاءً في الرصد والتتبع، وتفادي أي مسعاً لتمرير المنشورات الإلكترونية.
وقد تلجأ بعض الجهات إلى تدخل آدمي مباشر، لتعطي الضوء الأخضر للنشر، أو الضوء البرتقالي للعصر، أو الضوء الأحمر للحجب، وليصاحب هذا الأمر تهديد واضح لصاحب الحساب عبر اتهامه المزعوم باختراق معايير المنصات، أو تجاوز ضوابط الخصوصية، أو إثارة النعرات على اختلافها، وهو ما يقود للإنذار، ثم الإغلاق الجزئي لحساب المستخدم، ليتبعه إقفال تام للحساب. هذه السياسات لم تأتِ من فراغ، بل هي جزء من حملة أوسع تهدف إلى محاصرة المحتوى الفلسطيني، ومنعه من الوصول إلى جمهور واسع.
وتشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن المحتوى الفلسطيني إنما يتعرض لحجب ممنهج واستهداف مباشر، حيث يتم تقييد الوصول إلى صفحات فلسطينية رئيسية، وتخفيض مستوى ظهورها في نتائج البحث، أو إخفائها بشكل شبه تام. هذا الحجب يؤثر بشكل مباشر على قدرة الفلسطينيين على نشر روايتهم للأحداث، ويعيق حقهم في توصيل مظلوميتهم إلى العالم.
ولا يقتصر الأمر على وسائل الإعلام التقليدية، بل امتد إلى المنصات البديلة التي كانت ملاذًا للفلسطينيين مثل «تويتر» و»تيك توك»، إذ نجد أن الحسابات الفلسطينية تعاني باستمرار، دون سبب واضح، بينما يترك المجال مفتوحاً للمحتوى الداعم للاحتلال الإسرائيلي ليزدهر دون معوقات تُذكر.
ومن بين العوامل المؤثرة على تضييق المحتوى الفلسطيني هو، الحضور الصهيوني البارز في بعض المنصات الإعلامية الكبرى، حيث أصبح معروفا أن بعض الموظفين المؤثرين في إدارات هذه المنصات يحملون أجندات سياسية متحيزة، أو أنهم أصلاً ضباط منتدبون من وحداتهم الرقمية للعمل في جهاز الرقابة التابع لبعض المنصات، ما يدفع هؤلاء المرتزقة إلى تطبيق سياسات الحجب والتضييق على المحتوى الذي يفضح ممارسات الاحتلال. إضافة إلى ذلك، تقوم جهات ضغط صهيونية مؤثرة بتنظيم حملات ضغط على شركات التكنولوجيا الكبرى، لإجبارها على اتخاذ إجراءات ضد المحتوى الفلسطيني.
هذه الحملات ليست عشوائية، بل هي جزء من استراتيجيات مدروسة تهدف إلى إسكات الرواية الفلسطينية وتشويهها. وللأسف، يستجيب الكثير من المنصات لهذه الضغوط بسبب المصالح الاقتصادية والسياسية التي تربطها بالداعمين لهذه الحملات. كما أن بعض الشخصيات العامة البارزة، التي تتمتع بنفوذ واسع في مجالات السياسة والاقتصاد، تلعب دورا كبيرا في هذه المحاصرة الإلكترونية. بعض هذه الشخصيات تعمل بشكل مباشر مع المؤسسات الإسرائيلية أو المنظمات الداعمة للصهيونية، وتستغل نفوذها لعقد صفقات مع شركات التكنولوجيا، تهدف إلى تقييد الحريات الفلسطينية في العالم الرقمي.
هؤلاء الأشخاص يسعون إلى تكريس رواية واحدة للأحداث في الشرق الأوسط، وهي الرواية التي تتجاهل حقوق الفلسطينيين، وتدافع عن سياسات الاحتلال. وتظهر هذه الشخصيات في المؤتمرات والندوات الدولية، حيث تقدم نفسها على أنها داعمة لحقوق الإنسان والديمقراطية، بينما تعمل خلف الكواليس على قمع أي صوت معارض للرواية الصهيونية.
ورغم كل هذه التحديات، لم يستسلم الفلسطينيون لهذه المحاولات الهادفة إلى إسكاتهم، بل على العكس، نجد أن هناك جهداً متواصلاً من ناشطين وصحافيين فلسطينيين، يستخدمون كل وسيلة متاحة للتغلب على هذه السياسات، عبر لجوء البعض منهم إلى منصات جديدة أقل تشددا في الرقابة، في حين يستخدم آخرون وسائل التشفير والنشر المجهول لضمان وصول رسالتهم.
وعليه فإن المقاومة الإلكترونية الفلسطينية تعتبر جزءا من نضال طويل الأمد يسعى للحفاظ على الحق في التعبير وتوثيق الجرائم التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني دونما انقطاع، إلا أن هذا الجهد بحاجة ماسة إلى تطوير الأدوات والوسائل الحديثة التي يعتمد عليها، والتي تمكن الفلسطينيين من حماية محتواهم وضمان انتشاره بشكل أوسع.
إن التضييق على المحتوى الفلسطيني في العالم الرقمي وبعد إنكار منصات الإعلام الاجتماعي له ولفترة طويلة، بلغ ذروته في السنوات الأخيرة، حيث تواجه وسائل الإعلام الاجتماعية الفلسطينية حملة ممنهجة تهدف إلى إضعاف حضورها وعرقلة قدرتها على التواصل مع العالم.
وبينما يلعب الحضور الصهيوني في بعض المنصات دورا بارزا في هذه السياسات، فإن الشخصيات الوازنة الداعمة لهذا التوجه تزيد من تعقيد المشهد.
ومع ذلك، يبقى الأمل قائماً في جهود المقاومة الرقمية الفلسطينية، التي تسعى بكل الوسائل المتاحة لمواجهة هذه التحديات، والنضال من أجل الحق في التعبير الحر والحفاظ على الرواية الفلسطينية حية في الفضاء الإلكتروني، فهل ينجح هذا النوع من المقاومة أم يعاني من الويلات ذاتها التي تتجرعها فلسطين يومياً؟ نسعى ونرى!
ملاحظة: المقال مدّعم بتطبيقات الذكاء الاصطناعي |