|
تعزيز الفوضى واستدامة الاحتلال- مشروع الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية في الشرق الأوسط
نشر بتاريخ: 01/12/2024 ( آخر تحديث: 01/12/2024 الساعة: 11:00 )
يستمر اتجاه الأنظار إلى الشرق الأوسط ، حيث تتشابك الأحداث وتتسارع بشكل يعكس مشروعا طويل الأمد يهدف إلى إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة خاصة بما يجري اليوم في ادلب وحلب ، مع تصاعد المحارق في غزة وبعد ما جرى بحق لبنان ، بما يخدم مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل . هذا المشروع، الذي يرتكز على استدامة الفوضى وزعزعة استقرار الدول وتصفية قضيتنا الوطنية ، يكتسب زخما جديدا في ظل التطورات المتسارعة في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق، مع ما تحمله من تهديدات مباشرة لدول اخرى مثل الأردن. إن ما يحدث اليوم ليس مجرد تصعيد عابر أو مجموعة من الأحداث المنفصلة، بل هو امتداد لرؤية استراتيجية أمريكية إسرائيلية متشابكة ومتدحرجة تسعى إلى خلق شرق أوسط جديد وفق تصور نتنياهو الذي اعلنه ، يعتمد على تفتيت الدول وتحويلها إلى كيانات هشة وغير قادرة على مقاومة الهيمنة . هذه الرؤية ليست وليدة اللحظة ، بل ترسخت مع إعلان الولايات المتحدة وإسرائيل عن مشاريع سابقة مثل ما سُمي بالربيع العربي ، وما اعلنته قبل ذلك بعقدين كونداليزا رايس بخصوص الشرق الاوسط الجديد والفوضى المنظمة ومن ثم "صفقة القرن" ولاحقا الناتو الشرق أوسطي واخيرا وليس آخرا على ما يبدو العدوان بحق لبنان وما يدور من جرائم التطهير العرقي بفلسطين وما يخطط له من مشاريع الضم الكولنيالي . كل تلك المشاريع التي هدفت وما زالت إلى تصفية قضيتنا الوطنية الفلسطينية بشكل يخدم الهيمنة الإسرائيلية والمشروع الصهيوني ، والتطبيع مع الدول العربية على حساب جوهر قضيتنا ، الذي يُعد خطوة أساسية لإعادة تشكيل ميزان القوى الإقليمي . -- الإبادة الجماعية في غزة، أداة لتحقيق الهيمنة. تسعى إسرائيل من خلال عدوانها إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية . فمن جهة، تهدف إلى استدامة حالة الصراع الداخلي الفلسطيني ، ومن جهة أخرى، تسعى إلى إعادة الاحتلال المباشر والأستيطان أو فرض سيطرة مشددة تُقصي أي وجود مقاوم في غزة وتعمل على تقسيمه وعزله . هذا العدوان لا يمكن فصله عن رغبة إسرائيل في استخدام القطاع كورقة ضغط لفرض رؤيتها في المنطقة، سواء من خلال محاولات تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي و تحويل سكان غزة إلى لاجئين يدفعون باتجاه سيناء او ما يسمى إسرائيليا "الوطن البديل" في الأردن ولاحقا الى محاولات تنفيذ ذلك بالضفة الغربية . -- الفوضى الموجهة في سوريا ولبنان ، خدمة لأهداف إسرائيلية أمريكية. أما في لبنان ، فإن العدوان الإسرائيلي الأخير عكس محاولة لتقويض المقاومة اللبنانية المتمثلة في حزب الله ، الذي يُعد أحد أبرز التحديات الاستراتيجية لإسرائيل في المنطقة . إسرائيل تدرك أن أي استقرار في لبنان قد يعزز من موقف المقاومة ووحدة الموقف اللبناني الوطني ، لذلك تسعى لإبقاء البلاد في حالة من التوتر السياسي والاقتصادي واثارة البلبلة الداخلية بين الاطراف السياسية واللعب على الوتر الطائفي بعد فشلها في تحقيق أهدافها المعلنة وتعرضها لخسائر بشرية وعسكرية واقتصادية فادحة . -- الأردن تحت التهديد ، الهدف القادم للفوضى . الضغوط الاقتصادية والسياسية التي يتعرض لها الأردن اضافة الى محاولات إثارة جماعات تكفيرية لتهديد الامن الداخلي ليست بمعزل عن هذا المشروع . فالولايات المتحدة وإسرائيل تدركان أن زعزعة استقرار الأردن قد تخدم أهدافا متعددة ، من بينها تعزيز الضغط علىينا نحن الفلسطينيين، ومحاولات دفعنا نحو خيارات سياسية تخدم رؤية إسرائيلة صهيونية ودينية لما يُعرف بـ"الوطن البديل" ، خاصة بعدما جرى الحديث عنه مؤخرا حول الدولة الفلسطينية في شمال شرق الاردن وجزء من الاراضي العراقية من جانب غلاة الصهيونية الدينية . -- ترامب والرؤية الأمريكية الإسرائيلية. والان فمن المرجح أن يواصل ترامب هذه السياسات من خلال صفقة القرن ٢ والدفع غير المسبوق لتنفيذ التطبيع السعودي الإسرائيلي ، ولكن بشكل أكثر عدوانية كما اعتقد . ترامب يعتقد أن تعزيز الفوضى ودعم إسرائيل بشكل مطلق هما السبيل لضمان الهيمنة الأمريكية بمنطقتنا في مواجهة النفوذ الصيني والروسي المتصاعد واحتواء الدور الايراني في غياب مشروع عربي موحد . لكن هذه الاستراتيجية تحمل في طياتها مخاطر كبيرة، ليس فقط على استقرار المنطقة ، بل على السلم والأمن الدوليين . فالفوضى الممنهجة قد تؤدي إلى تصاعد الصراعات وتحولها إلى حروب شاملة يصعب احتواؤها خاصة مع ما يجري من حرب بالوكالة ضد روسيا من خلال أوكرانيا والتهديدات الأمريكية في بحر الصين . لذلك ، تتطلب المرحلة رؤية إقليمية موحدة وإرادة سياسية فلسطينية وعربية واضحة ومتماسكة لمواجهة هذا المشروع لفرض وقف العدوان على غزة باعتبارها جزء من الوطن الفلسطيني الواحد الامر الذي يتطلب تجسيد الوحدة بين الكل الفلسطيني في اطار منظمة التحرير والعمل على استنهاضها وإصلاح نظامنا السياسي بشكل ديمقراطي . وعلى دول المنطقة أن تتبنى استراتيجية مضادة تستند إلى مقاومة هذه المشاريع وتعزيز التحالفات الإقليمية العربية والإسلامية بل ومع الدول الصديقة وبالمقدمة منها الصين وروسيا في كافة المسارات السياسية والمحافل الدولية حتى نتمكن من مواجهة التحديات الصعبة التي تواجه حقوقنا الوطنية غير القابلة للتصرف ، كما ودعم الدول العربية بآليات عملية واضحة التي تستهدفها هذه الحروب والفوضى وما سيعمل عليه الأحتلال من مشروع الضم لأغلب مساحة الضفة الغربية وخلق المعازل الجغرافية . فقط من خلال هذا النهج يمكن كسر الحلقة المفرغة للفوضى المنظمة وإفشال المخططات الرامية إلى تغيير الخرائط السياسية والجغرافية في الشرق الأوسط . |