|
أزمة الطحين في قطاع غزة… الجيش الإسرائيليّ “يُدير” الصراع على الرغيف!
نشر بتاريخ: 08/12/2024 ( آخر تحديث: 08/12/2024 الساعة: 12:45 )
ما يحدث أمام المخابز مهين بسبب استغلال بعض المجموعات العائلية شبه العصابية للأزمة، وفرض سطوتها على “تجارة الخبز” ولقمة عيش الناس المجبولة بدمائهم. صباح السبت الماضي، التقيت شاباً يحمل فرشة وبطانية ويتحدث مع نفسه قائلاً: “ذهبت مساء للمبيت أمام المخبز لحجز دور في الطوابير في دير البلح، للحصول على ربطة خبز… وهيني راجع عشان المخبز مغلق”، إذ أُغلقت المخابز في دير البلح بعد وفاة طفلتين وسيدة اختناقاً بسبب الزحام، أثناء محاولتهن الحصول على الخبز. وفي الأسبوع الماضي، قٌتلت ثلاث نساء بعد إصابتهن برصاص أطلقه أحد الحراس، لتفريق الحشود أمام مخبز آخر في دير البلح. ثمن ربطة الخبز الرسمي في القطاع اليوم، ثلاث شواكل (أقل من دولار أميركي واحد)، لكنها تباع في السوق السوداء بخمسة وثلاثين شيكل (نحو عشرة دولارات)، وهذه الأيام، الناس لا يفكرون إلا بالطحين، وكيف تحصل العائلة على ربطة خبز، بعد نفاد الطحين من الأسواق، ونفاد الكميات التي خزنوها في بيوتهم طوال الأشهر الستة الماضية، حين وزعت “الأونروا” الطحين بكميات كبيرة. هذا الحال الذي وصلنا إليه نتيجة سياسة الجيش الإسرائيليّ، التي ساهمت بطريقة غير مباشرة في تشجيع لصوص المساعدات عبر دفع الإتاوات لهم، فضلاً عن عدم قدرة المجتمع الفلسطيني على تنظيم نفسه من خلال آليات معينة، وتوفير الحماية المدنية للناس ومعالجة أزماتهم، ليتمكنوا من مواجهة الأهوال، ناهيك بتحمّل “حماس” مسؤولية عدم التعاون مع مكونات المجتمع الفلسطيني في ظل ما يحصل، ويتضح عدم قدرتها على تنظيم حياة الناس. ما يحدث أمام المخابز مهين بسبب استغلال بعض المجموعات العائلية شبه العصابية للأزمة، وفرض سطوتها على “تجارة الخبز” ولقمة عيش الناس المجبولة بدمائهم. وأخيراً، استلمتُ كيس طحين من برنامج الغذاء العالمي، ضمن الآلية الجديدة التي وضعتها المؤسسات الدولية لمواجهة الجوع، وقد بلغ ثمن كيس الطحين ذي الـ25 كيلوغراماً في السوق السوداء، 600 شيكل وربما أكثر، عدا ما يرافق ذلك من انتظار، إذ يبدو أن هناك تعمداً لإهانة الناس. ويتزامن ذلك مع إعلان “الأونروا” تعليق إدخال المساعدات من معبر كرم أبو سالم بين إسرائيل وقطاع غزة، بسبب انتشار عصابات السرقة، ما اعتبر تنصلاً من مسؤولياتها وواجبها الإنساني، وترك الناس للجوع والموت. المعاناة الأكبر في غزة أنه يتم تجريدنا من إنسانيتنا، ونعيش ظروفاً قاهرة خارجة عن إرادتنا، وغالبيتنا تعيش في بيوت بلاستيكية وأخرى مصنوعة من القماش، أو في بيوت من دون شبابيك في البرد القارس الذي حل مبكراً، ومن دون ترف الكهرباء والمياه الساخنة، بيوت باردة من دون تدفئة. في ظل معاناة الناس وتدمير كل مقدراتهم الشخصية من بيوت وعمل وممتلكات، وفي ظل الاعتماد الكامل على المساعدات الإنسانية، أصبح لزاماً على صانعي القرار وضع استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية للمواطنين والأسر والجرحى والأيتام، تلبي احتياجاتهم من الأمان الاجتماعي والحماية، بما يضمن صون كرامتهم وما يليق بتضحياتهم، على أن تشكَّل أجسام وطنية تضم ذوي العلاقة والمتضررين كافة، وضرورة إقرار سياسات مكتوبة تضمن حقوق المواطنين في الصحة والتعليم والخدمات العامة. |