معوِّقات مرحلة الانتقال السياسي السلس في سوريا بقيادة أحمد الشرع
نشر بتاريخ: 19/01/2025 ( آخر تحديث: 19/01/2025 الساعة: 18:25 )
كريستين حنا نصر
بعد اسقاط نظام الاسد في سوريا ، تسلمت هيئة تحرير الشام زمام المرحلة الانتقالية ، بقيادة أحمد الشرع ( قائد إدارة العمليات) وأصبحت تتولى مسؤولية ادارة المرحلة لحين تشكيل حكومة جديدة، وسط آمال سياسية تترقب بأن تكون في إطار مشاركة جميع المكونات وبمختلف الاطياف والاعراق في المجتمع السوري ، وهذا مطلب غربي أساسي ، ولا شك أن حدوث ذلك الامر سيكون كفيل بالانتقال الى مرحلة قادمة تتميز بالنقاش والحوار بهدف الوصول الناجح لرفع العقوبات عن سوريا الجديدة، بما فيها العقوبات التي تعرف ( بقانون قيصر لحماية المدنيين السوريين) الاقتصادية، والتي فرضت على سوريا وتحديداً أثناء حكم نظام الاسد والحزب البعثي الواحد في سوريا.
اليوم لا شك أن المرحلة الانتقالية الحالية التي تمر فيها سوريا وفي هذا الوقت العصيب، والذي يغلب عليه التطورات المتسارعة العديدة المعيقة ، وابرزها السعي لدمج كافة الفصائل والتشكيلات العسكرية ضمن جيش وطني واحد ، وهذا الأمر يواجه عائق أساسي يتمثل في الهجوم التركي على مدينة منبج والاشتباكات مع قوات سوريا الديمقراطية وبالتزامن مع إسقاط نظام الأسد ، وهذا سبب مهم في تأخر واعاقة اندماج قوات قسد مع باقي الفصائل بما فيها جيش تحرير الشام بموجب مطالب الشرع ، وفي هذا الاطار صرح ( ماركو روبيو) المرشح لتولي حقيبة وزارة الخارجية في ادارة الرئيس الامريكي المنتخب دولاند ترمب قائلاً : إن رئيس النظام التركي رجب أردوغان يشكل عائقاً أمام تحسن الأوضاع في سوريا، محذراً من عواقب التخلي عن قوات سوريا الديمقراطية، ومشدداً في الوقت نفسه على استمرار دعمها من امريكا . وبالتالي فإن مجريات المعارك الدائرة مع قسد حول سد تشرين أدت الى تأخير الاندماج ، ناهيك عن المشاكل والاوضاع الداخلية بما فيها عدم قبول بعض الفصائل لفكرة الاندماج أيضاً ، فعلى سبيل المثال في مدينة القرداحة السورية فصائل وفلول رافضة لادارة قوات تحرير الشام ، حيث ترفض الاخيرة اي تسوية الا بشرط تسليم السلاح ، وكل هذه التطورات المعيقة من شأنها في الجانب السياسي تأجيل انعقاد المؤتمر الوطني المزمع عقده قبل تشكيل اي حكومة جديدة قادمة ، والذي سيصدر عنه حال انعقاده قرار حل جيش هيئة تحرير الشام.
إن حل معضلة أو معيق انضمام جيش سوريا الديمقراطية باعتباره من أكبر وأهم الفصائل في سوريا أمر في غاية الأهمية ، ولنزع فتيل هذه الأزمة لابد من انهاء المواجهات بين قوات قسد والقوات التركية والجيش الوطني وقوات كرمن شاه التي تحارب في الشمال السوري ، علماً بأن هذه الاشتباكات لم تحقق أي تقدم أو نتائج ميدانية ملموسة على الأرض حتى الان خاصة لصالح تركيا، وهنا تبرز للواجهة ضغوطات أمريكية وفرنسية على الرئيس السابق لكردستان العراق مسعود برزاني الذي يقود الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في اربيل تطالبه بأن يقود ويدير ملف الوساطة بين قسد وتركيا ، حيث تم في هذا الشأن اجراء اجتماع بين برزاني وقائد قسد مظلوم عبدي ، وذلك بهدف بحث مجريات الأمور والمستجدات في شمال شرق سوريا والاهم العلاقة مع الادارة الجديدة في سوريا والمتمثلة بأحمد الشرع ، والهدف الاساسي لهذا الاجتماع هو السعي لتوحيد مختلف التيارات الكردية والتي تضاربت مواقفها في ظل التطورات السياسية منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011م ، وما تبعها من تداعيات ضد النظام السوري السابق ممثلاً ببشار الاسد ، وفي هذا الاتجاه صرح هوشيار زيباري عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في كردستان عليه في تعليق صادر عنه وعبر تغريدة له جاء فيها :" هذه الخطوة ستمكن الحكام السوريين الجدد في دمشق من انتقال سياسي سلس في سوريا "، لذا نجد هناك مساعي جادة نحو عقد اتفاق تُستثمر فيه العلاقات العميقة عبر عدة سنوات ، خاصة ان مسعود برزاني يدير ويقود حزب مقرب من تركيا ، بينما قسد بقيادة مظلوم عبدي مدعومة من التحالف الدولي وعلى رأسه امريكا والذي هدفه القضاء ومحاربة فلول داعش، والتي تم القضاء عليها بتحرير مدينة الرقة التي تعتبر سابقاً عاصمة ما يدعى بالخلافة الاسلامية.
وفي السياق نفسه يوجد هناك تطور بالغ الأهمية يتمثل في موافقة حزب العمال الكردستاني مؤخراً وفي تصريح له على مغادرة قواته منطقة شمال شرق سوريا ، شريطة أن يكون هناك ومن وجهة نظره احتفاظ لقوات سوريا الديمقراطية بدور قيادي في سوريا الجديدة علما بان سوريا الديمقراطية تسيطر على اكثر من 35% من الاراضي السورية التي تعتبر مصدر للسلة الغذائية وحقول النفط والغاز في الشمال السوري، كذلك تمتلك الى جانب ذلك جيش قوي ودستور عصري مميز يختلف عن دستور النظام السابق وتمكنت من ادارة شرق الفرات بطريقة يمكن وصفها بالديمقراطية خاصة فيما يتعلق بمشاركة المرأة بمجالات الحكم والادارة وايضاً نظام حكم تعددي بمشاركة كامل اطياف المجتمع الموجود في الجزيرة السورية اي شمال شرق نهر الفرات ، علما بان حزب العمال الكردستاني التركي المصنف من تركيا وامريكا ودول اخرى عالمية بأنه منظمة ارهابية ، والهدف هنا من هذه النقاشات اخراج كل القوات الغير سورية منها ، وبالتالي لا يتبقى امام حزب العمال الكردستاني الا احتمالية الذهاب والتوجه الى جبال قنديل في العراق، وهنا من المتوقع أن يلعب مسعود برزاني دور بالغ الاهمية في الوساطة بين قسد وتركيا ، واذا ما نجحت هذه الوساطة فإننا أمام نقطة تمكن من عودة الوحدة الى مكونات الصف الكردي ، وبنجاح المصالحة أيضاً ستكون هناك بوادر السعي نحو تحقيق انتقال سلس للسلطة في دمشق ، اي أن هذه المصالحة الكردية سوف تمكن من جمع كل فرقاء الاطراف الكردية المتواجدين في سوريا وتحت مرجعية واحدة ، تضم المجلس الوطني الكردي واحزاب الوحدة الوطنية ، وفي الوقت نفسه حل مشكلة القوات الكردية السورية التي تمّ انشقاقها عن جيش النظام السوري ، والتي تم تدريبها في كردستان العراق ، لتعود بالتالي للانضمام الى قوات قسد وبعد توحيد الصف ، وبالتالي يمكن بعد ذلك للاكراد مجتمعين المطالبة بحقوقهم واستحقاقاتهم في اجتماعاتهم مع القيادة السورية الجديدة في دمشق ، أي الحالية أو القيادة للحكومة الانتقالية ، والأهم اخراج القوات الغير سورية، التركية والمتمثلة بقوات حزب العمال الكردستاني المتواجدة في شرق سوريا .
وللاسف فإن مثل هكذا اتفاقات وتفاهمات لا يمكن لها أن تتم في ظل وجود النظام السابق لبشار الأسد وحكم حزب البعث السوري، الى جانب وجود الميليشيات الايرانية والحرس الثوري وحزب الله في سوريا سابقاً ، بينما يمكن لها اليوم أن تجري في هذه المرحلة الجديدة والتي يمكن تسميتها بمرحلة ما بعد سقوط نظام الاسد وحلفائه ، وما يتصل بها من تطورات ايجابية يمكن أن تنعكس على منطقة الشرق العربي ، التي ينتظر لها أن تشهد ملامح مهمة في العراق ولبنان تشمل اعادة سيادة الدولة والجيش فيها ، وهذه التطورات اذا تم حدوثها فانه من شأنها التأثير على دول الجوار كلها، لذلك كله فإن المصالحة المنتظرة في سوريا بما في ذلك ما يتعلق بالأكراد سيكون له حتماً تأثير على الداخل التركي ، خاصة ملف العلاقة بين حزب العمال الكردستاني التركي وحزب العدالة والتنمية الحاكم ، وما يقترن بها من حل مشكلة الاكراد في تركيا ، وهذا الأمر سيقود نحو حلول سياسية شاملة اذا نجحت الوساطة وسيترتب عليه اطلاق سراح القائد التركي المعتقل منذ عقود في سجون تركيا عبد الله اوجلان .
ختاماً فان الاهم في مطالب قسد من أجل الانضمام الى الجيش السوري الجديد المأمول ايجاده في سوريا ، هو شرط أساسي يتمثل في أن يكون الحكم فدرالي لا مركزي ، والذي يختلف عن حزب البعث السوري الذي تم اسقاط حكمه المركزي في دمشق ، أي ان المنتظر هو سوريا ديمقراطية اتحادية تعددية ، وهذا النموذج في الحكم يرسخ مبدأ مشاركة جميع أطياف المجتمع السوري في الحكم والمشاركة الفاعلة في القرار السياسي وتحديد مستقبل سوريا الجديدة ، ولاشك أن المرحلة الانتقالية مفعمة بالاستحقاقات والتحديات التي تواجه القائد احمد الشرع، وتتمثل بعدة ملفات أهمها المتصل بالاوضاع الأمنية ، وتحديات تتعلق بوجود ميليشيات وفصائل مستقلة عن هيئة تحرير الشام ، اضافة الى تحدي آخر خطير يتمثل بفلول النظام السابق ، ومنها كذلك تحديات السياسة الخارجية والاوضاع الاقتصادية والاجتماعية .
وبحكم متابعتي الدقيقة لتطورات الملف السوري المعقدة اعتقد انه وبالرغم من وجود جملة التحديات التي تواجه القيادة الحالية ، الا أنها نجحت في ضبط الأمن والسيطرة التدريجية على كامل مفاصل الدولة السورية وبحنكة وادارة متميزة ، خاصة فيما يتعلق بالساحل السوري فعندما أُختطف أفراد من هيئة تحرير الشام من قبل فلول النظام السابق ، جرى فوراً ارسال رتل عسكري يتبع للامن الداخلي والذي تمكن من تحرير المختطفين وهو مؤشر مهم على السيادة الأمنية ، واعتقد أيضاّ بأن ايدلوجية الشرع وهيئة تحرير الشام التي لها جذور سلفية جهادية ، استطاعت في السنوات الاخيرة ان تتكيف مع السياقات والمتغيرات الدولية والمحلية ، لتصبح هجينة بين السلفية الجهادية والبراغماتية السياسية لتختلف كلياً عن أحزاب الاخوان المسلمين المتواجدة في عدة دول عربية، من هنا فان من الواضح ان الشرع يسعى عملياً للحكم الراشد المستند في فكره على مبدأ اعطاء كافة الأطياف والمكونات في المجتمع السوري لحقوقها الكاملة .