وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

حقائق لا نختلف عليها في هذه الحرب

نشر بتاريخ: 20/01/2025 ( آخر تحديث: 20/01/2025 الساعة: 10:14 )
حقائق لا نختلف عليها في هذه الحرب

أولى هذه الحقائق أن السابع من أكتوبر إياه يمكن أن يتكرر بصورة أخرى مختلفة كليا ما لم يتم التوصل إلى تسوية مشرفة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذ أن بقاء الاحتلال واستباحة كل شيء فلسطيني سيقود حتما إلى محاولات متكررة لإنهائه إن كان سلما أو حربا. ثاني هذه الحقائق أن إسرائيل لا تحترمنا ولا تحترم دماءنا أو مشاعرنا أو حقنا في الحياة، وهي لذلك تعاملنا كبشر غير متساويي الحقوق او الأحلام، المفزع في هذا الأمر حقا أن هناك من الإسرائيليين من يعتقد أننا لا نتمتع بذات القدر من محبة الحياة أو الرغبة فيها أو الإحساس بالألم والمتعة، هناك من قالت على إحدى الشاشات الإسرائيلية أننا مجرد ذباب لا يهمنا الموت، هذا كلام أكثر من مفزع، ويكشف مستوى صادم عن عدم احترام أو تقدير أو الاعتراف بالفلسطيني ككائن يتمتع بذات القدر من الإنسانية. ثالث هذه الحقائق أن إسرائيل لا تستطيع الاستمرار في الحرب أو الانتصار فيها دون حلف دولي أو أوسع منه أيضا، كشفت هذه الحرب أن إسرائيل بحاجة ماسة دائمة إلى الأسلحة ذات القدرات المتعددة، وكذلك تحتاج طيلة الوقت لتجنيد فئات أخرى من الجمهور، إن حاجة إسرائيل لهذا الحلف الدولي يكشف أن إسرائيل هشة وضعيفة ليست بسبب الجغرافية فقط، بل بسبب الاعتماد الكلي على الحلف الغربي الاستعماري الذي يصر على إنقاذها رغم ما يجرّ ذلك من جهد وحرج، وهذا يكشف زيف أن إسرائيل تحمي مصالح الغرب الاستعماري بل أن هذا الغرب هو الذي يستخدم – بما تحمل الكلمة من معنى – إسرائيل في منطقتنا، ولهذا فإنها تتلقى الحماية والدعم مقابل هذا الاستخدام، الأمر الذي يلقى ثقله الكبير على مستقبل إسرائيل نفسها، وهي مخاوف حقيقية يعبر عنها الكثير من الإسرائيليين.

رابع هذه الحقائق أن هناك حدود للقوة الإسرائيلية، إذ أن قوة إسرائيل العسكرية المذهلة لم تستطع أن تفرض الحل أو النهاية، ولم تستطع أن تحقق ما أرادت، ولم تنفذ كل ما وعدت به، ولم تستطع أن تحول القوة المذهلة إلى نتائج مرضية، وهذا يعني أن إسرائيل وبدلا من البحث عن بدائل سياسية "تتنازل" فيها عن بعض ما اغتصبت، فإنها تقبل أن تستخدم القوة والمزيد من القوة؛ بهدف تحقيق أهداف مستحيلة. هذا يدل على الغرور والغطرسة والاستهتار بالحياة والاعتماد الكلي على الغرب الاستعماري، وعلى مدى 76 سنة فإن إسرائيل لم تستطع أن تحقق بالقوة ما تحققه بالبدائل السياسية. وهذا يقودنا إلى الحقيقة الخامسة أنه لا يمكن القفز عن الشعب الفلسطيني أو تجاوز حقوقه أو التغلب عليه، وقد أثبتت المئة سنة الماضية أن الشعب الفلسطيني الذي جرب المقاومة والتفاوض مرات ومرات لم يحقق أهدافه حتى الان، ولكنه أثبت القدرة الهائلة على البقاء والصمود والاستمرار، وهذا يعني أن الأيام دول كما أشار القران الكريم، فالاستعمار مثل الذي نعيش ليس بالضرورة أن ينهزم أو يتراجع بجولة أو جولتين أو ثلاثة، المهم في ذلك كله أن الشعب الفلسطيني لم ينهزم من الداخل ولم ينكسر رغم كل ما حل به من مذابح ومطاردات وتنكر ومحاولات شطب. سادس هذه الحقائق أن إسرائيل علمتنا أن نختار الطريق الأصعب والأكثر كلفة، إسرائيل لا تريد حقا أن ترى اعتدالنا أو رغبتنا في التسوية، هي تريد أن تجرنا دائما إلى مربع الاشتباك، إن ثلاثين سنة من الرغبة في التسوية والاستقرار حولتها إسرائيل إلى مزيد من الاستيطان والقتل وإضعاف وإفقار وإحراج السلطة الوطنية الفلسطينية، وكأن إسرائيل تقول لنا: "اختاروا غير طريق الاعتدال". وكأن الاعتدال يكشف عري إسرائيل وعدوانيتها.

سابع هذه الحقائق أن اقليمنا العرب فارغ وهش وضعيف، وأنه قابل لكل الاحتمالات وأنه فقد القدرة إلى حد بعيد في التأثير على السياسة الإقليمية وكذلك الدولية، وأن هذا الإقليم سيتلقى الدعم المادي والأمني والسياسي من الخارج، بحيث تعمقت أزمته الوجودية وتباعدت الثقة بينه وبين جمهوره، وتحولت أنظمته إلى أنظمة فقيرة ومنعزلة ترجو الحماية والشرعية والبقاء، لهذا فإن الشعب الفلسطيني دفع في كل مرة اشتبك فيها مع المحتل ثمن هذا الغياب والضعف والهشاشة. ما جرى ويجري في قطاع غزة حتى الان يقودنا إلى الحقيقة الأخيرة وهي أن هناك صفحة جديدة من تاريخ الصراع بدأ بيننا وبين الاحتلال، وهي مرحلة قد تقود إلى تغيرات عميقة لدى كل طرف. فالحروب فيها استخلاصات ودروس عميقة، هذه الحرب ليست ككل حرب قد تقود إلى تسوية إذا تعقّل المحتل، وقد تقود إلى حرب أخرى سريعا إذا اعتقد المحتل أنه يملك المصائر كلها.