نشر بتاريخ: 25/01/2025 ( آخر تحديث: 25/01/2025 الساعة: 12:11 )
في وسط المعركة، ورماح الموت نواهل منه، وبيض الهند تقطر من دمه أنشد مقاتل النور بيت الشاعر المصري أحمد شوقي"وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق"، لكن أحمد شوقي ابن القصور لم يتذكر الشعب الفلسطيني بقصيدة خالدة كما هي قصيدة دمشق التي منها البيت الشهير السابق.
أحمد شوقي كان بخيلًا على فلسطين، فلم يقل فيها قصيدة خالدة، وعندما ردد مقاتل النور بيت "الحرية الحمراء" ردده من قصيدة دمشق، وليس من قصيدة القدس أو فلسطين.
أحمد شوقي تباخل على فلسطين بقصيدة عصماء خوفًا من أن يغضب بريطانيا العظمى، والأخوة العرب يتباخلون على فلسطين خوفًا من أمريكا، فالتاريخ يكرر نفسه بداية كمأساة وتكرارًا قهريا ثانيا ومتواليا كمأساة أشد.
مقاتل النور رجل ملحمي، كأنه قادم من الأساطير، فدفعة واحدة سقط علينا من ملحمة جلجامش، سقط كأنكيدو بطلا أراد أن ينهي حياته دون أن يشاهد النهايات، ويشاهد كيف يخلد الرجال للأبد بعشبة النصر النهائي إن لم تختلسها أفعى الخيانة التي تختبئ في الرمال.
مقاتل النور ردد البيت الذي يحفظه معظمنا، لكن ترديده نفخ في البيت الحياة بعد أن وضع في متاحف التاريخ العربية كأنشودة ميتة نبتت الأعشاب على دمنتها، فقد وصلت إسرائيل إلى أبواب دمشق، فوجدتها مفتوحة على مصرعيها، ولم تدق أبواب حريتها لا بالدماء الحمراء، ولا بأي نوع من أنواع الدهان والطلاء.
لم يعد البيت يخص أحمد شوقي، ولم يعد يخص دمشق بل صار البيت يخص شخصًا آخر، ومكانًا آخر، مكانًا يملؤه الدم والهدم والبرد والحصار والتشرد والجوع.
كم ردد التاريخ على مسامع الجماهير أن الأساطير تولد من بين الرماد والدمار والجوع، وتكتب بدمائها الملاحم لا من الملاهي والمطاعم والبارات، وكم كتبت سنة الحياة أن الجوع ولود والشبع عاقر كسول لا يلد إلا دومات الكلام، وحوامات الفساد، وأباطيل الضلال إلا أن الإنسان مصمم على تكرار الثنائيات، والنقائض والنواقص، والعيش في زمن الأخطاء.