وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

التجاذب بين اليهودية والصهيونية الدينية واهتزاز حكومة نتنياهو

نشر بتاريخ: 31/01/2025 ( آخر تحديث: 31/01/2025 الساعة: 19:23 )
التجاذب بين اليهودية والصهيونية الدينية واهتزاز حكومة نتنياهو

ألحّ ارييه درعي رئيس حزب شاس (اتحاد حفظة التوراة السفاراديم- الشرقي) على رئيس الحكومة نتنياهو بالمضي قدما نحو المرحلة الثانية من صفقة التبادل، وانجازها بالكامل. فيما أكد وزير العمل من حزب شاس بان اعادة المحتجزين تشكل "غاية مقدسة" مرجعيتها هي عقيدة "فداء الاسرى وإنقاذ الأرواح". بالتزامن مع ذلك، ناشد الوزير غولدكنوفت أحد ابرز قادة يهود التوراة وهو الحزب الحريدي الاشكنازي- الغربي، نتنياهو بشكل مباشر مؤكدا له المضي بالصفقة بكل مراحلها مؤكدا "نحن معك حتى اعادة اخر المخطوفين".

في المقابل أمهل ارييه درعي رئيس الحكومة نتنياهو مدة شهرين من تاريخ 28/1 للتراجع عن قانون تجنيد الحرديم الالزامي، واعتبر درعي انذاره بأنه الفرصة الاخيرة للحيلولة دون اسقاط الائتلاف الحاكم والدفع نحو انتخابات مبكرة. بل اتهم اقصى اليمين من حزبي الصهيونية الدينية بأنهم يسعون الى استعداء المتدينين الحرديم حفظة التوراة، محذرا من ان الحملة التي يقوم بها سموتريتش وبن غفير ضد الحرديم انما تقود بشكل متسارع الى اسقاط حكومة اقصى اليمين.

في رده على الحرديم وحصريا على درعي، ادان الامين العام لحزب الصهيونية الدينية يهودا فالد كلا من قادة حزبي المتدينين، واتهمهم بأنهم بموقفهم لصالح الصفقة ولإنهاء الحرب انما يمنعون الانتصار الاسرائيلي والحسم، ويتيحون لحماس البقاء وبناء قوتها من جديد وفقا له. واتهمهم ايضا بالوقاحة بكونهم يفتشون عن "رضى اليسار المستسلم لحماس" بينما شباب الصهيونية الدينية "يقاتلون ويُقتَلون قبل وبعد مجزرة 7 اكتوبر التالية".

تعتبر عقيدة فداء الاسرى وانقاذ ارواحهم من الاسس المتجذرة في اليهودية، ومن هذا المنطلق الديني فالتيار الحريدي يعارض فكرة الحرب المفتوحة طويلة الامد، وذلك على النقيض من موقف تيار الصهيونية الدينية بقيادة سموتريتش وستروك وبن غفير، والقائل بضرورة الحرب المفتوحة والحسم والابادة والانتصار الساحق. بخلاف الاساس العقائدي للحرديم يرى تيار الصهيونية الدينية بأن دولة اسرائيل وقيامها عام 1948 يشكلان مرحلة ضرورية في "الخلاص" في "ارض الميعاد"، وقد تطورت عقيدة هذا التيار بشكل جوهري بعد احتلال الضفة الغربية والقدس في العام 67، باعتبار الضفة هي درّة التاج في الرابط المكاني اليهودي. وعليه يؤمن بعقيدة الحرب والاستعداد للمخاطرة بالأرواح من اجل المكان والارض وبخلاف مبدأ "انقاذ الارواح" الحريدي، الذي يسبق في اولويته الارض.

على مدى عقود عديدة تم التعايش بين التيارين في الحياة السياسية الاسرائيلية بحيث انشغل التيار الصهيوني الديني بالاستيطان وفي الخدمة العسكرية العقائدية سعيا لتغيير طويل الامد في عقيدة الجيش، كما انشغل في الاندماج في الحياة العامة والسيطرة على مرافق اساسية فيها، فيما انشغل التيار الحريدي في ادارة شؤونه ذاتيا وحصريا في ادارة مؤسساته الدينية ومدارسه التوراتية والرقابة على إنفاذ مبدأ الكوشر (الحلال بالمفهوم اليهودي) من خلال منظومة بلدية وقُطرية تشكل مصدر مداخيل هائل وحصريا من صناعاتالاغذية والملابس.

خلال الحرب على غزة والجبهات المتعددة أثار الراي العام الاسرائيلي بمن فيه الصهيونية الدينية مسألة الخدمة العسكرية للشباب الحريديم، وذلك في اعقاب اصرار الجيش على التعويض عن النقص في الجنود وحصريا بسبب اعداد الاصابات بين الجنود والذي اخرجت نحو 15 الف جندي من الخدمة وفقا لآخر المعطيات. ومع قرار المحكمة العليا بإلزامية تطبيق القانون، عادت هذه المسألة لتتصدر الصراعات في المؤسسة الحاكمة. ولا تزال تهدد ثبات الائتلاف اليميني الحاكم، اذ يتمسك الحريديم بضرورة تغيير القانون انطلاقا من عقيدتهم بأن تعلم التوراة وحفظها هو ما يثبّت الوجود اليهودي وليس الجيش.

اشار درعي ضمن تصريحاته التي هاجم بها سموتريتش الى أن اليمين سوف يُسقِط اليمين، في اشارة الى ان حزب الصهونية الدينية بتهديداته بإسقاط الحكومة في حال تواصلت مراحل الصفقة، وبأنه يريد العودة للحرب في قطاع غزة والضفة والتهجير و"الانتصار الساحق"، وعلى حساب فداء الاسرى والتبادل الذي لا بديل عسكريا له.

يبدو الصراع داخل كتلة اليمين وحصريا بين الحرديم من جهة والصهيوينة الدينية من جهة أخرى، بات الى حد كبير غير قابل للاحتواء، ومن شأنه ان يتصاعد في الانتخابات القادمة. كما تدرك الصهيونية الدينية ان الحرديم وبسبب وضعيتهم الاقتصادية المتدنية وغير الانتاجية بشكل عام، يشكلون الجمهور الاسرائيلي الاكثر احتمالية لاستمالتهم للاستيطان في الضفة الغربية وتوفير سكن ومرافق حياتية ملائمة لهم. لقد كشف عضو الكنيست افيحاي بارون ممثل المستوطنين في الليكود، عن فرصة تاريخية متأتية لضم الضفة الغربية بعد القضاء على "جيوب الارهاب" وتفكيك السلطة الفلسطينية "عسكريا وكيانيا" كما جري تفكيك سلطة حماس في غزة. بناء على بارون والصهيونية الدينية فإن عدم القدرة على اجتذاب مئات الاف المستوطنين الى الضفة الغربية سيعرّض مشروع الضم للخطر، ولا يكفي الاستيلاء على الارض من خلال "المزارع الاستيطانية" المنتشرة حاليا. ترى الصهيونية الدينية انه في حال حافظ الحريديم على هويتهم الدينية ولم ينزاحوا نحو عقيدة الصهيونية الدينية فسوف يبقون يؤيدون الصفقة ويعارضون الحرب المفتوحة طويلة الامد التي يروج لها تيار سموتريتش وستروك.

تشكل دعوة ترامب الى نتنياهو للبيت الابيض، مصدر قلق في اوساط الصهيونية الدينية ومصدر ترحاب لدى الحرديم. اذ ان طرح تصورات ترامب الفعلية لسياساته الاقليمية وحصريا الاتفاق الذي يسعى له للتطبيع السعودي مع اسرائيل فيما لو حصل، سيعني لهذا التيار التخلي عن حلم الضم واضطرار نتنياهو إما الى اعلان انتخابات مبكرة او تغيير ائتلافه الحاكم باستبدال سموتريتش بغانتس، او حكومة وحدة قومية تبدو حاليا مستبعدة.

للخلاصة، فمن دلالات الصراع المباشر بين تياري الصهيونية الدينية والحرديم ان احتمالية نهاية حكومة نتنياهو الحالية واردة، والبدائل هي اما انتخابات مبكرة او تغيير الائتلاف الحاكم. كما ان الصراع بين التيارين المذكورين حقيقي وجوهري وبعد أن انفتح سيكون من الصعوبة بمكان ان يحتويه نتنياهو في اطار حكومته حتى وان حاول درعي التراجع. كل ذلك في اطار الموقف من اسقاطات الحرب على غزة.