وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

من أين جاؤوا بنظرية " الضعيف اذا لم يهزم فهو منتصر"؟

نشر بتاريخ: 01/02/2025 ( آخر تحديث: 01/02/2025 الساعة: 11:23 )
من أين جاؤوا بنظرية " الضعيف اذا لم يهزم فهو منتصر"؟



صرح وزير الخارجية الايراني مؤخراً بأن حماس قد انتصرت في العدوان الحرب الاخيرة ! كما تخرج لنا أبواق حماس ومنظريها بنظرية جديدة في العلوم السياسية لم اسمعها قط، تشير الى نفس النتيجة وهي "أن القوي اذا لم ينتصر فهو مهزوم، وأن الضعيف اذا لم يهزم فهو منتصر:!.
ان هذه النظرية غريبة جداً عن نظريات العلوم السياسية، وهي أقرب الى مقولة العرب الشهيرة "وفسّر الماء بعد الجهد بالماء"، والسبب في تشوه هذه النظرية وعدم صلاحيتها هي أنها لا تفسر معنى الانتصار ولا معنى الهزيمة، وبالتالي يقع على القارئ جهد كبير في فهم هذه النظرية المتناقضة في منطقها، وبالضرورة يستسلم للنتيجة المراد من قائليها الترويج لها، وهي أن حماس قد انتصرت في الحرب الأخيرة. وفي النتيجة، فإن انتصارها المزعوم يقدم لها الشرعية في إعادة حكمها لقطاع غزة حتى لو تم تدمير القطاع كلياً واستشهد وجرح أكثر من ربع السكان.!
بدايةً، أود أن أقول بأن إسرائيل حتى لو لم تحقق جميع أهدافها في الحرب الاخيرة، وهذا صحيح نسبياً، فإن هذه المقدمة لا تقود بالضرورة الى فرضية أن حماس قد انتصرت، حيث يمكن أن تفشل إسرائيل في تحقيق جميع أهدافها في الوقت الذي تكون فيه حماس قد خسرت هذه المعركة، حيث لا يوجد تناقض بين المقولتين، فالضرر الذي وقع على حماس أكبر بكثير من الضرر والتكلفة التي وقعت على إسرائيل.
في الواقع، إن الأدب السياسي يقيس معنى النصر والهزيمة بمقياسين أساسيين: المقياس الأول هو النتائج. بمعنى، الى أي طرف تميل النتائج لصالحه؟ ، أما المقياس الثاني فهو التكاليف بمعنى هل تتناسب التكاليف مع المنفعة الحاصلة لكل طرف في نتائج الحرب؟ واذا ما طبقنا هاتين القاعدتين على نتائج عدوان السابع من أكتوبر نجد الآتي:
أولاً: قاعدة نتائج العدوان
في هذا الإطار، تعكس اتفاقية الهدنة الهشة نتائج العدوان والتي نراها لصالح دولة الاحتلال بشكل كبير، وحتى في ظل عدم معرفتنا بكافة بنود الملاحق السرية في الإتفاق والتي أعلن عن بعضها الإعلام العبري، نجد الملاحظات التالية التي تشير بشكل واضح الى أن نتائج الاتفاق كانت بالمجمل لصالح إسرائيل. ومن هذه الملاحظات على الاتفاق:
1- إن الاتفاق اقتطع من قطاع غزة 16% من مساحة قطاع غزة كمنطقة عازلة.
2- إن الاتفاق نص على خروج آمن لأكثر من 18 ألف من قيادات حماس العسكرية تحت بند المقاتلين الجرحى.
3- لم يتحدث الاتفاق عن أي بنود سياسية عن اليوم التالي للعدوان، كما أنه تحاشى الاشارة الى أي صيغة سياسية تتحدث عن الدولة الفلسطينية أو حق العودة أو وقف التصعيد في الضفة وغيرها من القضايا الحقوقية للشعب الفلسطيني.
4- الاتفاق ينص على إدارة اسرائيلية عربية ودوليه مشتركة لقطاع غزة، فمثلاً تتحكم اسرائيل والولايات المتحدة بمن يدخل ويخرج من القطاع من خلال مكاتب أمنية لهما في القطاع، كما تتحكم شركات أمنية أمريكية بتفتيش النازحين العائدين من الجنوب الى الشمال وتتحكم هذه الشركات أيضاً بإعادة الإعمار وتوزيع المساعدات، وربما تتكشف في الأيام المقبلة أن لهذه الشركات برامج استيطانية في شمال غزة.
5- الاتفاق لا يضمن وقف دائم لإطلاق النار، ولا توجد آليات للرقابة على وقف إطلاق النار.

6- ثانياً: قاعدة التكاليف
برغم أن الإتفاق متوقع أن ينجح في الإفراج عن نحو 1750 أسير فلسطيني منهم المئات من محكومي المؤبدات، كما نجح الاتفاق في وقف مؤقت لإطلاق النار، إلا أننا نجد أن هذه المنافع لا تساوي حجم التضحيات الكبيرة التي دفعها الشعب الفلسطيني في حرب الابادة الجماعية، حيث دمّر أكثر من 70% من مباني القطاع، ودمرت البنية التحتية ونزح أكثر من مليون فلسطيني خارج بيوتهم، إضافةً طبعاً الى استشهاد وجرح وفقد أكثر من 200 ألف فلسطيني، وهذه التكاليف الباهظة تعيدنا الى ذاكرة النكبة الفلسطينية عام 1948، وهذه التضحيات الكبيرة لم يكن ما يقابلها منافع بحجمها، فلم ينص الاتفاق على دولة فلسطينية ولا وقف المستوطنات أو وقف هجمات المستوطنين أو تبيض السجون ولا حق العودة، وكلها قضايا سياسية تعبر عن حقوق الشعب الفلسطيني وثوابته الوطنية. من جانب آخر، فإن الإتفاق لا يضمن وقف دائم لإطلاق النار، بل على العكس تشير التصريحات الإسرائيلية الى أن الاحتلال متحفز اليوم قبل غد باسئناف عدوانه على غزة، وفي موضوعة تبادل الأسرى، فإن اسرائيل قد اعتقلت أكثر من 6 آلاف أسير فلسطيني بعد السابع من أكتوبر بدون اسرى غزة، والعدد المتوقع المفرج عنهم في الإتفاق لا يساوي 15% منهم، واستبعد الإتفاق مناقشة الحديث عن الأسرى القادة الكبار مثل أحمد سعدات ومروان البرغوثي وحسن سلامة وغيرهم، كما أن الاتفاق نص على إبعاد مؤبدات الأسرى الى خارج فلسطين وهذا الإبعاد يشكل سابقة خطيرة بموجبها تعترف حماس بحق إسرائيل في إبعاد الفلسطينيين، ويحرم الحركة الأسيرة من العودة الى بيوتهم وأبنائهم ووطنهم.

في الإطار السباق، نجد أن حماس خسرت بالمطلق حربها مع إسرائيل، وأن استعراضها العسكري في مراسم تسليم الأسرى الاسرائيليين لا يشير الى كونها قد انتصرت كما أراد مهندسو التسليم أن يظهروها للعامة بانهم ما زالوا باقين وقادرين على حكم غزة. ولو كانت العبرة ببقاء السلطة السياسية في الحكم بعد الحروب كمعيار للإنتصار لاعتبرنا أن كل حروبنا مع اسرائيل قد إنتصرنا بها لأن انظمتنا العربية والفلسطينية استمرت في الحكم بعد عام 1948 وعام 1967 والانتفاضة الثانية وغيرها من الحروب التي استمرت الانظمة فيها بالحكم بعد الخسائر الفادحة التي وقعت بشعوبها.
ان ما دفعني للكتابة بهذا الموضوع ليس إصراري على نقد حماس أو تفنيد روايتها المزعومة بالنصر تماماً كما فعلت في حروبها الخمسة السابقة مع إسرائيل، ولكن الذي دفعني لذلك هو أولاً الأمانة العلمية والنضالية التي تقع على الباحثين وتجبرهم على قول الحقيقة أمام الشعوب، وثانياً، ضرورة الإفادة بأنه لا يمكن أن ننتصر على اسرائيل بدون أن نعترف بواقع الهزيمة والخسارة، حيث يجب أن نعترف لأنفسنا أولاً ولشعوبنا ثانيةً بواقع النكبة الثانية التي وقعت علينا، حتى لا تتكرر أخطائنا ونتحمل مسؤولياتنا أمام شعوبنا نتيجةً لخوض معارك ومغامرات عسكرية غير محسوبة، وهذا مهم، والأهم منه هو أن هذا الاعتراف يساعدنا في تقييم قدرتنا على تحديد البدائل المتاحة التي تضمن لنا الوصول الى المصالح الوطنية بأقل تكلفة ممكنة.