وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

هل حقا تصريحات ترامب بالتهجير بمنزلة "وعد بلفور"؟

نشر بتاريخ: 02/02/2025 ( آخر تحديث: 02/02/2025 الساعة: 08:40 )
هل حقا تصريحات ترامب بالتهجير بمنزلة "وعد بلفور"؟




منذ اول تصريح للرئيس الامريكي ترامب بصدد تهجير قطاع غزة، اعتبر اليمين العقائدي الاسرائيلي بأنها فرصة تاريخية تضاهي "وعد بلفور" من الامبراطورية البريطانية العام 1917 بإقامة "بيت قومي لليهود في فلسطين".
- في اعقاب تصريحات ترامب حدث تحوّل مباشر في الاعلام الاسرائيلي الذي لاءم خطابه ومفرداته لصالح هذه التصريحات. حدث هذا التغير الملحوظ في الخطاب السياسي حتى وان كانت تصريحات نتنياهو حذرة. بعد ان اعتبر الراي العام الاسرائيلي ان الحرب قد انتهت بعودة النازحين الفلسطينيين الى شمال القطاع، عادت وارتفعت نسبة الذين يرون ان الحرب لم تنته ووفقا لاستطلاع الراي العام الذي نشرته صحيفة معاريف، فان 52% يرون ان الحرب لم تنته بعد، على الرغم من ان 4% فقط يرون ان الحرب قد حققت كل اهدافها. تصريحات ترامب وتحركاته بصدد التهجير شكلت المتغير الاساس في تحولات الراي العام الاسرائيلي.
- وفقا لصحيفة تايمز اوف اسرائيل 30/1، اصر المبعوث الامريكي للمنطقة ويتكوف على انه يتعين على نتنياهو حل العقبات السياسية التي يمكن ان تقف في طريق استكمال المراحل الثلاث من الاتفاق، وفي المقابل ناقش مع نتنياهو الخطوط العريضة المحتملة لنقل "ملايين سكان غزة الى مصر والاردن من اجل تمكين اعادة اعمار القطاع"، مما خلق الانطباع لدى المسؤولين الاسرائيليين بأن الامريكيين "جادون بشأن هذه الفكرة وانها ليست مجرد كلام".
- يبدو ان حكومة نتنياهو تسير في مسار الصفقة، وفعليا، معظم الاشكالات التي ظهرت تم حلها بالمفاوضات ومن خلال الوسطاء وأبرزها كان قضية اربيل يهود، بل واضيفت دفعة لم تكن مخططة يوم الخميس 30/1/2025. هذا السلوك يحتمل أكثر من وجهة، فقد يكون تسليما بأنه لا مكان لإيقاف الصفقة بكل مراحلها؛ والاخر البارز هو كما يبدو هناك توقعات من ترامب وتحركات ادارته الاقليمية؛ التوقع الاخر هو لدى اقصى اليمين الذي يسعى الى تحويل تصريحات ترامب الى مشروع سياسي أمني لتهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية، ويرى بالتهديدات المبطنة من ترامب الى الاردن بمثابة تسويغ لفكرة الوطن البديل في عين هذا اليمين الحاكم.
- وفقا للقناة 14 اليمينية العقائدية والمناوئة للصفقة، فإنه من السذاجة اعتبار تصريحات ترامب بأنها زلة لسان وليست خطة منظمة وتكوينية قابلة للتحقيق. يجري الموقع (30/1) مقاربة بين تلقف بن غوريون الفرصة التي وفرها تصريح بلفور (للتنويه؛ فقط بالعربية يتم استخدام مفردة "وعد") من العام 1917 لبناء مشروع متكامل الاركان لتطبيقها وجعلها حقيقة بفضل القوة والتنظيم والعمل الهادف الذي ميز المشروع الصهيوني في فلسطين مسنودا بالاستعمار العالمي. وفقا لهذه التقديرات فإنه لو لم يكن من يرى بوعد بلفور مشروعا يتحقق، لكان النص المذكور اندثر مع الزمن. في هذه المقاربة يتم حض نتنياهو على ان يكون على نمط بن غوريون ويتمسك بالفرصة الكامنة في تصريحات ترامب من اجل تحويلها الى مشروع قابل للتطبيق فعليا وتطهير فلسطين عرقيا من الفلسطينيين.
- يقرأ اليمين العقائدي ان الغاية من دعوة ترامب لنتنياهو لزيارة واشنطن انما هي "تحريك المسار السياسي". فيما يطرح هذا اليمين تصوره لهكذا مسار بتأكيده انه "ما دام الحديث عن تهجير العرب من غزة ...فماذا سيمنع تهجير عرب يهودا والسامرة" باعتباره أكبر تجمع فلسطيني كياني، بأنهم وفقا لمعايير ترامب "يعيشون في منطقة شائكة تخضع للعنف ومن حقهم العيش بأمان في مكان مؤات بعيدا عن المعوقات والثورة والعنف"، كما كتب المحلل السياسي ميخائيل شبيربر من "منتدى يهودا والسامرة".
- يعتبر هذا اليمين الحاكم ووسائل اعلامه الاكثر اثرا في بلورة الراي العام، ان تصريحات ترامب هي بمثابة نقطة انطلاق وبداية ضمن مسار طويل وشائك، فيه تحديات مصيرية عسكريا وسياسيا، مما يتطلب العمل في مستويات عديدة ميدانيا ودبلوماسيا واقتصاديا ونفسيا واعلاميا كي تصبح التصريحات مشروعا قيد التطبيق. وفقا لصحيفة هآرتس 30/1 فلا مناص امام الاردن ومصر غير الانصياع لإلحاح ترامب في نقل فلسطينيين الى البلدين ولفترة "قد تطول وقد تقصر"، ولكون ترامب يستخدم سياسة "العصا والجزرة"، رغم استبعاد ان ينجح في التهجير، إذ ان مصر والاردن قد تبنيا استراتيجية الدبلوماسية الناعمة مع ترامب والامتناع عن المواجهة الصدامية معه، رغما عن موقفيهما الحازمين سياسيا ومن وجهة نظر الأمن القومي.
- في المقابل وبناء على اتفاق الصفقة ووقف اطلاق النار والتقدم في مراحلها وهو ما سيبحثه ترامب مع نتنياهو، فقد بدأ فعليا فتح معبر رفح، امام الجرحى والمرضى لتلقي العلاج في مصر بمعدل 50 مصابا يوميا بالإضافة الى مرافقيهم وبمعدل 250 مغادرا يوميا ومن المتوقع ان يزداد العدد، وباتجاه واحد دون تصريح بالعودة وفقا للإعلام الاسرائيلي، ومما يعني نحو ستة الاف فلسطيني سيغادرون القطاع شهريا، الامر الذي سيضاعف وخلال فترة وجيزة عدد المغادرين والذين غادروا القطاع منذ بداية الحرب ويصل عددهم حاليا نحو مائتي ألف. في حين ان حجم الدمار الهائل في الشمال لم يُبقِ مقومات للحياة، بينما نوايا منع الاعمار وادخال المساعدات بمثابة قرار سياسي غايته الدفع بهؤلاء النازحين العائدين الى الاستعداد للتهجير.
- السؤال، فيما اذا كان ترامب وادارته يملكون القدرة الفعلية والسطوة الحقيقية لفرض مشروع التهجير، والى اي مدى يرون فيه حلا قابلا للتطبيق. وهل فعلا قد تشكل تصريحات ترامب وعدا جديدا بمنزلة وعد بلفور. ؟
الخلاصة:
** قد تتحول تصريحات ترامب الى مشروع حقيقي قابل للتطبيق، فقط اذا اتاح لها الواقع العربي وبضمنه الفلسطيني ذلك.
** تصريحات ترامب كما الامر بالنسبة الى وعد بلفور ليست قضاء وقدرا، بل ان التصريحات حاليا لا تزال في حدود اعلان نوايا وقد يكون "بالون اختبار". ثم ان اعتراف الصهيونية عموما بأن تصريحات بلفور اياها لم تكن لتقيم دولة يهودية في فلسطيني لولا المشروع الصهيوني المنظم ودعم الاستعمار العالمي والظرف الدولي في حينه.
** تراجع أثر اسرائيل الاقليمي والدولي ومكانتها الاستراتيجية بشكل جوهري، كما ان النظام الدولي يتغير بشكل متسارع ولم يعد نظام القطب الواحد قائما فعليا، بل لا تستطيع ادارة ترامب اخضاع العالم لرغباتها او لرؤيتها.
** لا ينبغي الاستهانة بكيفية القراءة الاسرائيلية لتصريحات ترامب والتي تجد فيها فرصة تاريخية لتطبيقها، لكن، لا يمكن الاستهانة أيضا بإرادة الشعب الفلسطيني والقرار العربي في وضع حد لمشروع التهجير.
** في مراكز صنع القرار في عواصم غربية فاعلة ، يرون ان مشروع تهجير الفلسطينيين للدول المجاورة قد يكون، وصفة مثالية لتشجيع الفوضى في المنطقة بما يفيض من قلاقل وهجرة على أوروبا.