|
الفضائيات العربية بين الإعلام والخطاب الإعلامي
نشر بتاريخ: 04/02/2025 ( آخر تحديث: 04/02/2025 الساعة: 12:22 )
برزت الكثير من الأزمات المعاصرة في العالم العربي كنتيجة للخطاب الإعلامي في بعض الفضائيات والصحف ومنصات التواصل الاجتماعي بفعل إنتاج خطاب الكراهية عبر تجلياته التعبيرية والإيمائية والتي أَسست لحالة من الاستقطاب والانقسام والعنف والتحريض ضد الآخرين. الخطاب الإعلامي يعني خلط المجالين السياسي أو الديني أو كلاهكما معا بالمجال الإعلامي، ويكون خاضعا لتقنيات الخطاب مثل الابراز والحجب والتسطيح والتضخيم سواء على مستوى اللفظ أو الدلالة المباشرة أو الدلالات المُختَزنة في النص والخطاب والصورة والمصطلح والشعار والديكور واللون والتحليل و" شيطنة" مؤسسات سياسية بحجة حقوق الإنسان وحرية التعبير ضمن خطاب لا يدركه المشاهد، ليتحول حينها الإعلام إلى إداه للتجهيل والسيطرة والتحكم برقاب المواطنين. أما الإعلام والذي ينبغي أن يطلع بمهمة راقية وسامية فوظيفته أن يعلم الناس بالأحداث والوقائع ويحللها في اتجاهات شتى، بهدف رفع الوعي. الإعلام يعني البحث والحصول على المعلومة وبثها للرأي العام، بدون التلاعب فيها على صعيد المفردة والمصطلح والصور والعلامات والألوان ومكان التصوير والزوايا والاشارات والتحليل واختيار المحلل وزمان البث وعدد مرات البث وهكذا، بينما الخطاب الإعلامي يعني أدلجة المعلومة، بمعنى تضخيمها أو تسطيحها أو دعهما بصور منتقاة من هنا وهناك لخداع الجمهور واللعب بعقولهم وايصالهم معلومات غير موضوعية لهم وسط خداع وتزييف كبيرين. والأمر لا يتوقف فقط على وسائل الإعلام العربية، بل الغربية أيضا، ولنأخذ اسلمة المضامين الإعلامية مثالا على ذلك، يخضع الخطاب الإعلامي من قبل وسائل الإعلام العربية والغربية لنوعين من التشكيل، الاتجاه الأول توظيف هذا الخطاب في وسائل الإعلام العربية عن طريق أسلمة المضامين الإعلامية من أجل الهيمنة على الجمهور العربي واخضاعه والسيطرة عليه، إما الاتجاه الثاني فهو يتمثل في استغلال هذا الخطاب من قبل وسائل الإعلام الغربية من أجل محاولة تشويه صورة الإنسان العربي، وهذا يعني في كلا الحالتين أن كل وسيلة إعلامية تحاول استغلال هذا الخطاب على طريقتها الخاصة. شكلت بعض الفضائيات في العالم العربي سلطة هائلة على الرأي العام عن طريق اللعب بالمفردات والمصطلحات والصور عبر بث صور نصف حقيقية من أجل تشكيل واقع متخيل بغية إنتاج صور ذهنية جاهزة ذات معنى للسيطرة على المجتمعات التي تبث لها هذه الصور، أنها أذن حرب صور وليست واقع. بعض هذه الفضائيات تنظر بمجملها إلى الأحداث الجارية على الساحة العربية وخاصة مثلا في الأراضي الفلسطينية نظرة إيدولوجية وليست إعلامية، فهي تسعى إلى إنتاج معرفة مؤطرة بهدف خدمة سلطة سياسية، ولكنها لا تنظر إلى الإنسان العربي بوصفه الجوهر والمركز وصانع الوجود، لا تنظر له بهدف تثقيفه وتوعيته وتطوير عملية البناء. تحاول بعض الفضائيات العربية التأثير على مجريات الأحداث في بعض الساحات العربية " من خلال اسلمة المضامين والمفردات والاحداث السياسية" للتأثير فيما يطلق عليه " الصورة الذهنية أو العقلية" عند الرأي العام، لتغيير أو تشكيل وحدات المخزون المعرفي الموجودة في تلك الصورة، وهذا يعني أن التغيير المنشود لا بد أن يتوافق والاستراتيجية الإعلامية لتلك الوسيلة، ويتآلف وينسجم معها ومع سياسة مموليها، حتى لا تحدث حالة من القلق والتوتر بينها وبين المشاهد وتعيد له التوازن في الأفكار التي ينبغي عليه ان " يستمتع" وهو يشاهدها. كما تتبع بعض الفضائيات العربية آلية لإحداث تبديل وتغيير في المخزون المعرفي عن طريق الاستعانة برموز ومحللين ومرجعيات تتوافق وتوافق على خطابها حتى يستثار اهتمام الجمهور بها، وتتحول نشرتها الإخبارية إلى " فلم سينمائي" وتتعمد في هذا الفلم ضبط لغتها ومعاني هذه اللغة لأحكام السيطرة على الناس من خلال سلطة محكمة تكون أقوى من السلطة السياسية التي تحاول شيطنتها. يعتمد الخطاب الإعلامي في بعض الفضائيات العربية على الاستبداد الإعلامي المؤسس على فرضية امتلاك الحقيقة ونفي الآخر واعتماد الاقترابات الحدية في تصنيف الاتجاهات الفكرية والتعميم وانغلاق النسق المعرفي، وسكونية الزمان في هذا الخطاب والمراوحة بين الثنائيات واللعب على العاطفة وتسطيح " قوة" العدو، وقد ساعد على ذلك انتشار الامية وتدني الإنتاج المعرفي في بعض أقطار العالم العربي. لقد أضحت بعض الفضائيات العربية مؤسسات سياسية، ومحفز قوي في السياسة ومثير للأفعال السياسية، مهمتها إنتاج المعنى والتصورات عبر استخدام ذكي للعلامات من ايقونات ورموز وإشارات، ولا تترك هذه الفضائيات مجالاً للروح النقدية أو لأي صدى رأي مغاير أو لثقافة عميقة، وهو ما أطلق عليه هربرت شيلر " الوعي المعلب". خلاصة القول إنّ الخطاب الفضائي الإعلامي العربي المعاصر يتميز بعدة خصائص منها: غياب المعلومة والمسالة الثقافية والتنوير وإعادة قراءة التاريخ والسؤال القلق " كيف ننهض؟ " أحياناً، حتى تستطيع الوصول إلى حقيقة ما جرى، لا بد من مشاهدة أكثر من فضائية، وقراءة أكثر من صحيفة عربية وأجنبية، للاطلاع على ما يحدث داخل البلد، لقد بات الخطاب الإعلامي الذي يرتكز على أسلمة المفردات والمصطلحات هو الذي يؤسس، ويضع المقومات الارتكازية لرؤية المجتمعات، إذ لا وضوح للآفاق بدونه، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، فقد ساعد الدول الكبرى في تشكيل " المؤسسات السياسية" في بعض البلدان ونصب قياداتها. وفي ظل تصاعد الخطاب الإعلامي ونتائجه الكارثية تنادي النقابات الصحفية والمؤسسات الإعلامية الكبرى القائمين على هذه الفضائيات بضرورة عدم نشر الكراهية والبغضاء والتشهير، والعمل على نشر التسامح وحل الخلافات بطريقة وِديّة، كما نادت مؤسسات إعلامية على ضرورة نشر ما أسمته التنظيم الذاتي في المؤسسات الإعلامية؛ وهي عبارة عن مدوَّنات سلوك يسترشِد بها العاملون في المؤسسات الصحفية للحد من التراشق الإعلامي والتشهير والتهديد والوصم والتنميط، وربما رفع القضايا القانونية. |