وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الكراهية ، مرض الإسرائيليين الاخطر

نشر بتاريخ: 04/02/2025 ( آخر تحديث: 04/02/2025 الساعة: 12:35 )
الكراهية ، مرض الإسرائيليين الاخطر




الكراهية للفلسطينيين هي الفيروس الاخطر الذي ينتشر كالنار في الهشيم في الاواسط الاسرائيلية ، ينتشر بدون ان يحاول احد وضع اي اجراءات وقائية او التحذير من مخاطره ، الغريب في الامر انه تم تصنيع هذا الفيروس في مختبرات اليمين القومي والديني الاسرائيلي وعلى مرأى ومسمع كل القوى السياسية الاسرائيلية ، لقد تآمرت القوى الاسرائيلية اليسارية على نفسها بهذا الصمت ، واعتقدت بسذاجة ان الكراهية لها اتجاه واحد ، لا باس ان تتعزز الكراهية ضد الفلسطينيين ما دامت ضد الفلسطينيين فقط ، لكن الكراهية تتحور كما الفيروس ، تحور فيروس الكراهية هذا واصبح كراهية للفلسطينيين ولليسار الاسرائيلي ، تحور مرة اخرى ليصبح كراهية للقضاء ايضا ، وهكذا يتواصل تحور الفيروس ، هناك كراهية العلمانيين ، كراهية للمحكمة العليا ، كراهية لمؤسسات المجتمع المدني ، الكراهية تتحول إلى قيمة عليا ، تسقط كل القيم امامها ، لكن الكراهية تنتج ما هو اخطر منها .
الكراهية في اسرائيل كانت بحاجة إلى دفيئة مناسبة لتنمو وتتطور ، جاءت حرب السابع من اكتوبر عام ٢٠٢٣ لتشكل دفيئة نموذجية الكراهية ، الكراهية تنتج حرب ابادة لا حدود قانونية او اخلاقيه امامها ، سقطت المحاذير وانطلق المارد من القمقم ، تفجرت الكراهية الصامتة فأنتجت هذه الابادة . لماذا شكلت تلك الحرب دفيئة نموذجية فتلك قضية مهمة ، تعود الاسرائيلي ان يرى الفلسطيني منكسرا مهزوما يعزز اوهام النصر الاسرائيلي عند اليمين الإسرائيلي ومشاعر الشفقة عند اليسار الإسرائيلي ، لكن الفلسطيني المنصر والذي يحارب ويقاوم ويصمد ويوقع الخسائر في الاسرائيليين ويصيح بالأوهام الاسرائيلية فهذا مشهد لم يتعود الإسرائيلي عليه ، هذا المشهد استحضر السخط والغضب اللذين عززا الكراهية ، من ناحية اخرى فان ما حدث في السابع من اكتوبر أيقظ المخاوف الوجودية واثار السؤال الذي يهرب الاسرائيلي دوما منه : ماذا لو انتصر الفلسطيني ؟!!! اصبح الانتصار الفلسطيني هاجسا حقيقيا يمكن ان يحدث ، هذا اثار مخاوف عمقت الكراهية الموجودة أصلا . لهذه الاسباب كانت تلك الحرب منعطفا حادا عمق مشاعر كهذه .
ولكن ليست كراهية فحسب ، تم تسييس الكراهية لتتحول إلى عقيدة سياسية جوهرها ليس انكار الاخر كما كان سائدا بل إفناء وجود الاخر ، بالقتل الذي يؤدي إلى التهجير ، منطق " نحن هنا وانتم هناك " تم القفز عنه إلى منطق نحن هنا وهناك وانتم لا مكان لكم " الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت او الفلسطيني الذي يقبل بالهجرة . وفي اطار هذه الكراهية تجري عملية نزع إنسانية الفلسطينيين لتبرير إبادتهم ونزع الإنسانية هذا كان واضحا في تصريحات المسئولين الإسرائيليين والاهم كان ممارسة بابشع صورها في تعامل الاسرائيليين مع المعتقلين الفلسطينيين وفي التجويع والتشريد والابادة الجماعية في غزة . وبدى المشهد على نقيض ما استهدف الاسرلئيليين تحقيقه فبدل ان تنتزع إنسانية الفلسطينيين نزعت إنسانية الاسرائيليين ، اصبح الإسرائيلي مجرم حرب مجرد من القيم الاخلاقية والإنسانية وتعمقت صورة الفلسطيني الضحية . صحيح ان من اصبح مطلوبا للاعتقال بموجب المحكمة الجنائية الدولية هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير حربه الأسبق غالنت ولكن هذه تعبير رمزي على ان المطلوب للاعتقال هو الدولة في اسرائيل ، الجيش في اسرائيل ، العقيدة العسكرية الاسرائيلية ، القيم الاخلاقية التي تحكم المجتمع الإسرائيلي ، اسرائيل بكل ما تعني مطلوبة للجنائية الدولية .
هذا ببساطة بعض ما تنتجه الكراهية . اما البعض الاخر فان الكراهية عندما تصبح قيمة اجتماعية فانها ترتد للداخل ، الكراهية للفلسطينيين بدأت تتحول للداخل ، بدأت لكراهية اليهودي الذي يرفض الكراهية للفلسطينيين ، امتدت لتشمل الكراهية لمن يرفض سياسات اليمن ، وليس امتداد افقي فقط ، بل تتعمق عموديا ، بدأت باختلاف وتحولت إلى كراهية وأحقاد ، واصبحت تخوين ، هذه هي الكراهية التي ترتد للداخل وهذه هي مخاطرها .
ولكن هذه ليس نهاية للمشهد , فانتهاء اوهام تجاوز الفلسطيني بالنفي او القتل او بالتهميش ستضع الاسرائيلي امام واقع جديد مختلف ، ربما مسيرة عودة الفلسطينيين إلى شمال قطاع بغزة بعد اكثر من خمسة عشر شهرا من القتل والتجويع الهادفين للتهجير ، وعدة الظهور اللافت والمنظم والقوي لحماس والذي بدى في مراسم تبادل الاسرى ، هذين المشهدين وان اثار غضبا اسرائيليا كبيرا إلا انهما يشكلان مدخلا لاعادة برمجة التفكير الاسرائيلي الجمعي ، الفلسطيني لا يختفي بالحرب والتهجير ولا حتى بالإبادة الجماعية ، الفلسطيني يستطيع ان يخرج من تحت الرماد كما هو طائبر الفينيق ، كان الفلسطيني حاضرا في العقل الاسرائيلي كمشكلة ولكنه الان سيعود الفلسطيني للعقل الاسرائيلي حاضرا كحل . ربما هذا سيكون انقلاب جذري يحتاج إلى وقت فالتحولات الاجتماعية عادة بطيئة جدا وعملية تدريجية متعرجة ولكن الحروب تسرع التغيرات وتحرق المراحل وتجعل الغير ممكن في سنوات ان يحدث في شهور ، السابع من اكتوبر هي من هذا النوع ، ستختصر وتكثف الزمن . وعادة لا تلجأ القوى المتصارعة إلى الحلول السياسية إلا عندما تفشل في تحقيق اهدافها عبر الحرب ، وما حصل في السابع اكتوبر هو تاكيد لهذا الفشل ، حاربت إسرائيل بكل ما تملك واستخدمت اكثر مما تملك ولكنها لم تنتج اي نصر ولم تقترب من اهدافها ، فشلت اسرائيل لان الانتصار على شعوب يعد ضربا من الخيال خاصة عندما يكون الشعب متسلحا بالحق الذي لا امكانية للتنازل عنه . وربما هي الحرب التي ستبقى اثارها في العقل الجمعي اكثر من اي حرب اخرى . هي حرب اكدت ما حاول الكثيرين الهروب منه ، ان في هذه المنطقة شعبان لا يمكن للحرب ان والكراهية والابادة ان تنفي وجد احدهما ، والخيار الوحيد ايجاد صيغة لحياتهما المشتركة على قاعدة المساواة الفردية والجماعية وبدون شكوك .
قد يكون السؤال المشروع : وهل بعد كل تلك الكراهية يمكن ان صيغ اخرى غير الحرب ، صيغ تقوم على الاحترام المتبادل والاعتراف بالاخر ؟!!! مرة اخرى فان من تحكمه نزعة الكراهية لا يمكنه تخيل ذلك ، ولكن من يقرأ تجارب الشعوب يجد ان هذا هو الممكن الوحيد ، الواقعي الوحيد ، الضروري الوحيد ، فطالما ان فناء طرف بات غير ممكن فان صيغة اخرى لترتيب حياة الشعبين هي الممكن ، وطالما ان استمرار الحرب إلى الابد امرا غير وقعي فان مثل تلك الصيغة هي الواقعية ، وطالما ان الحياة هي القيمة العليا فان مثل تلك الصيغة هي الضرورة التي لا غنى عنها . واذا كل تلك الاسباب لا تقنع الاسرائيلي للتخلي عن الكراهية فان تلك الكراهية ستفتك بالاسرائيليين انفسهم قبل ان تفتك باي احد آخر .