وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

التهجير جريمة

نشر بتاريخ: 14/02/2025 ( آخر تحديث: 14/02/2025 الساعة: 19:05 )
التهجير جريمة

نادين عبد الله

وسط الدمار والدماء التى تخيم على غزة، خرج علينا ترامب بتصريحات غير مسؤولة تهدف إلى تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن قسريًا؛ وهى تصريحات يؤدى تنفيذها إلى انتهاك خطير للقانون الدولى. فاتفاقية جنيف الرابعة، التى تُعد حجر الأساس فى حماية المدنيين وقت الحرب، تحظر تمامًا نقل السكان قسرًا من أراضيهم المحتلة. كما تؤكد المادة ٤٩ أن الترحيل القسرى غير قانونى، وتعتبره المادة ١٤٧ من «الانتهاكات الجسيمة» التى تُعد جرائم حرب. أما نظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، فقد صنف التهجير القسرى ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فى المادتين ٧ و٨ مما يعنى أن المسؤولين عنه لن يتمكنوا من الإفلات من العقاب.

ليس ذلك فحسب، بل إن الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى المادة ١٣ يكرّس حق الإنسان فى البقاء فى موطنه، بينما تجرّم اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين أى محاولة لتغيير التركيبة السكانية بالقوة. ومع تصاعد حديث الرئيس الأمريكى عن مخططات تهدف إلى تهجير سكان غزة إلى سيناء أو مناطق أخرى، تتزايد المخاوف من تنفيذ جريمة تطهير عرقى مأساوية فى عالم من المفروض أن يتجه نحو السلام والاستقرار بدلا من الهمجية والقتال.

فالغريب هنا هو أننا أمام رئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية لا يعبأ بالحد الأدنى من احترام النظام العالمى الذى طالما حمته أمريكا لأنه يحقق ببساطة مصالحها. فهو سرعان ما انقلب على حلفائه الاقتصاديين (الاتحاد الأوروبى وكندا)، وعلى نظام التجارة الحرة التى تعتبر أمريكا خير حارس له عبر فرض رسوم جمركية على هذه البلاد. وعلى نفس المنوال، لم يعبأ ترامب بالقوانين الدولية بل تعامل مع غزة بمنطق «بيزنس العقارات»، كسمسار أو تاجر يسعى للتربح لا كرئيس أهم دولة فى العالم. وعلى الرغم من علاقة أمريكا الاستراتيجية بمصر، تلك القائمة فى جزء كبير منها على استمرار السلام بينها وبين إسرائيل، لم يخش الرئيس الأمريكى التضحية بهذه العلاقة المربحة على الأمد الطويل لأجل تحقيق مكاسب قصيرة المدى.

المؤكد هو أن الموقف المصرى الرافض للتهجير هو موقف مشرف، وهو موقف لابد وأن نثبت عليه رغم ضغوط رئيس أمريكى لا يرى أبعد من قدميه. والأكيد هو أن التهجير القسرى جريمة لا تسقط بالتقادم، ومن يشارك فيها اليوم، سيجد نفسه يومًا أمام المحكمة الجنائية الدولية؛ والأهم، لن ينسى التاريخ مرتكبى جرائم بحق الإنسان والإنسانية.