|
من يصلح فساد التعليم العالي في بلادنا؟/بقلم :د. عبد القادر ابراهيم حماد
نشر بتاريخ: 18/03/2006 ( آخر تحديث: 18/03/2006 الساعة: 14:51 )
يطيب لنا نحن الفلسطينيين أن نفخر دائماً بأننا من أكثر الشعوب العربية، بل شعوب المنطقة قاطبة اهتماماً بالتعليم، ولا نتردد في عرض الأعداد المتزايدة من حملة الشهادات الجامعية، وحملة المؤهلات العليا على وجه التحديد.
وقد يكون في ذلك الكثير من الصواب، فالشعب الفلسطيني تمكن من إقامة مؤسسات جامعية وتعليمية متجذرة في الأرض الفلسطينية، تكاد تضاهي مثيلاتها في أرقى الدول، فهي في مجملها تشكل منارات لشعبنا الذي مازال يتلمس طريقه الى الحرية أسوة ببقية شعوب الأرض. وبالرغم من ذلك، كله يجدر بنا ونحن نتلمس مواطن الخلل ومواضع الفساد التي كرسها السيد النائب العام في مؤتمره الصحفي التاريخي، والذي شفى فيه غليل عامة الشعب الذي يرى الفساد ولا يستطيع الإشارة إليه بالبنان، أن نشير بقوة الى الفساد المستشري في مجال الدراسات العليا في جامعاتنا الشماء، والتي تحول بعضها بعز عزيز أو بذل ذليل الى تجارة رابحة يستفيد منها نفر قليل ممن باعوا أنفسهم للشيطان على حساب دينهم ودنياهم. والطامة الكبرى ياولداه أن الجميع في هذه الجامعات التي أصبحت تشكل بؤراً للفساد التعليمي خاصة في مجال الدراسات العليا يعرفون الكثير عن هؤلاء النفر، وما يشيعونه من فساد في تلك المؤسسات، والمكاسب التي تجنى من وراء هذه التجارة الرابحة، دون أن يستطيع أحدهم أن ينبس ولو بكلمة واحدة، طالما سيف التهديد مشروعاً بقطع الأرزاق والأعناق، وشهود الزور من المتسلقين والمنتفعين كثر طالما كانت ذلك رغبة ولي نعمتهم، والمتستر على فسادهم. ولما كنت متابعاً لأوضاع التعليم في بلادنا، فإنني أعجب من هذه الأعداد التي تزج بها بعض الجامعات من حملة الدراسات العليا الى أسواقنا المتخمة، ممن لايستطيع أحدهم أن يعرف أبجديات البحث العلمي، وذلك بذريعة أن هذا الطالب هو مسؤول كبير في هذا الجهاز أو ذاك، أو أنه تقرب زلفى بذوات اللون الأخضر الى ممن يمسكون بناصية الدراسات العليا في هذه الجامعة أو تلك. أعجب كل العجب، كيف يسمح عمداء بعض الكليات لأنفسهم وغيرهم أن يحصل بعض الطلبة - وأصر هنا على كلمة طالب، بغض النظر عن السن أو المنصب أو النفوذ أو الجاه والسلطان -، على درجة الماجستير والدكتوراة في هذا التخصص أو ذاك، ويتم مناقشة الطالب ومنحه الشهادة دون علمهم. قديماً كان طالب العلم حتى ولو كان من أبناء السلطان يقطع البراري والقفار لينضم الى مجالس العلم، دون تمييز بين هذا الطالب او ذاك، وكانت النتيجة أن أخرجنا للعالم حضارة مازالت آثارها باقية حتى الآن، فكتبت المجلدات الضخمة التي كان الخليفة أو الأمير يزنها بالذهب، أما اليوم، فبعض جامعاتنا، خاصة أقسام الدراسات العليا، تتحفنا بمئات بل آلاف الرسائل التي أصبح وزنها بالتراب. خسارة أن الكثير مما تركه أجدادنا وأسلافنا بقي بمثابة منارات مضيئة ومراجع مفيدة للشرق والغرب، فمن الفارابي الى ابن خلدون وابن النفيس والجاحظ والمنفلوطي والسكاكيني، بينما البعض من جامعاتنا يخرج لنا غثاء لا أثر له ولا صدى. لا أعرف ولا أحب أن أعرف بل أترك ذلك لذوي الاختصاص، كيف تترك إحدى الجامعات في وطننا أمور الدراسات العليا في يد شخص واحد يرتع فيها ويلعب دون حسيب أو رقيب، فهو يسجل هذا الطالب أو ذاك حتى دون علم الكلية أو القسم صاحب العلاقة، وبأخذ الرسوم من طالب آخر دون أي مستند يثبت الحق المادي والأدبي للطالب، بل الأدهى من ذلك، عندما يقوم هذا الشخص بتجاوز القوانين والتعليمات التي وضعتها الجهات ذات العلاقة. لا أعرف ولا أطمح أن أعرف الآلية التي تضعها بعض الجامعات في بلادنا لتخريج "السادة الطلاب" الملتحقين ببرامج الدراسات العليا والتي كان نتيجتها تخريج أعداد من الطلاب من حملة الشهادات العليا " الماجستير" و"الدكتوراه" في مواضيع مستنسخة ومكررة ومسروقة يفوق حجم السوق المحلي، بل يفوق قدرة وطاقة هذه الجامعات. لا أدري ونحن على أبواب حكومة جديدة، أين الخلل، هل الخلل في السادة المسؤولين على إختلاف مناصبهم، أم فينا نحن المسحوقون تحت التراب الذين نؤثر الصمت حفاظاً على قوت أطفالنا، رغم أن الساكت عن الحق شيطان أخرس كما يقولون. تعجبت عندما عرفت أن أحد عمداء الكليات في إحدى جامعاتنا كان يحضر أوراق الإجابة النموذجية من الأساتذة لأحد السادة الطلاب الذي كان يتفضل مشكوراً بتقديم الامتحانات في مكتب السيد العميد بحجة أنه مسؤول مهم. قد تكون المسألة عادية إذا كانت متعلقة بأشياء ثانوية يراد بها تجاوز الروتين والبيروقراطية اللذين يطبقان بحذافيرهما على المواطن العادي في بلادنا، الا أن الطامة عندما يتعلق الأمر بمستقبل شعب وحضارته وبقائه، ذلك أن التعليم هو أساس بقاء الشعوب ورقيها وتقدمها. أذكر في سنوات خلت حين كنا صغاراً كنا نلجأ للاختفاء في شوارع جانبية، إذا رأينا المعلم قادماً من بعيد، أما الان فالطالب قد لايتورع عن ضرب معلمه، إذا أغلظ له القول، بل أن بعض "السادة الطلاب" في إحدى الجامعات لايتورعون عن تزويد بعض المحاضرين بـ " كابونات البنزين" لسياراتهم، أو قضاء سهرة بريئة معهم. عالم غريب هذا العالم، إعتقدت وأنا أستمع الى السيد النائب العام أن الفساد طال كل شئ الا التعليم، ذلك أنه لم يتطرق بحسب ما استمعت إليه، فحمدت الله أننا مازلنا بخير الى أن اكتشفت كم نحن مضللين. فساد غريب يكاد يفتك بالتعليم في بلادنا، فمن يتصدى له؟ سؤال كبير تبادر الى ذهني كثيرا خاصة وان من سيحققون في موضوع الفساد هذا قد يكونون هم اللصوص والقضاة. . . وللحديث بقية. كاتب وصحافي فلسطيني |