وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

عكا وحيفا ويافا… تبرير برسم الإدانة

نشر بتاريخ: 19/02/2025 ( آخر تحديث: 19/02/2025 الساعة: 09:53 )
عكا وحيفا ويافا… تبرير برسم الإدانة

بقلم: د. صبري صيدم

من فمك أدينك، هكذا قالها كل فلسطيني وهو يستمع مؤخراً لتصريح وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش، الذي أراد أن يبرر خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في احتلال غزة أمريكياً وتهجير الفلسطينيين، فوقع دون أن يدري في صلب الحقيقة التي يرفضها هو، ومن لف لفه. سموتريتش المستعجل على تطبيق خطة ترامب قال: خطة ترامب للتهجير قابلة للتطبيق، حيث سكان غـزة ليسوا من أهلها الأصليين، بل هم لاجئون من حيفا وعكا ويافا.

وعليه فإن سموتريتش لم يعترف فقط بكون معظم سكان القطاع لاجئين، بل بأنهم جاؤوا من المدن الثلاث، وهو ما يريد هو وغيره أن ينسوه ويشطبوه من الذاكرة الفلسطينية. وما حربهم على السردية الفلسطينية، ووكالة الغوث ومخيمات اللجوء والكتب التعليمية إلا لهذا الغرض. هكذا حرب وعلى ضراوتها لم تفض إلا إلى انزلاق سموتريتش نحو ما لا يريد حتى أن يقبل مجرد التفكير فيه.

ترامب من جهته وهو المندفع وراء فكرة كهذه، التي اعترف نتنياهو بالمناسبة مؤخراً بكذب استغرابه عندما طرحت أمامه في البيت الأبيض، لا ينطلق من مدرسة استعمارية يحاول إحياءها فحسب، وإنما أيضاً من الشعور العارم باستمرار نهج انتزاع الآدمية عن الفلسطينيين، فيعطي لنفسه الحق بأن يقرر عنهم، أين سيعيشون، وكيف سيعيشون وأي هواء يتنفسون، في استنساخ واضح لنهج الاستقواء والتجبر بالعضلات والمال.

المفارقة في الأمر لم تكن في أن هذا النهج، إنما تبع خمسة عشر شهراً من الحرق والمحق للفلسطينيين فحسب وإنما أيضاً في ما قاله ترامب، خلال رده على إحدى الصحافيات التي سألته: ولماذا لا تأتي بالفلسطينيين إلى أمريكا لتوطينهم؟ عندها رد ترامب: أمريكا بعيدة عليهم وأنا لا أريدهم إلا أن يبقوا قرب أهليهم وفي بيئتهم! عجيب والله! بالقرب من بيئتهم وأن تنزعهم من قلب بيئتهم وعالمهم ومحيطهم ووطنهم وتاريخهم وجغرافيتهم وكوكبهم الأوحد، فلسطين؟ بيئتهم، وأنت تصادر حقهم في الحياة والبقاء وإعادة إعمار ما دمرته أسلحتك وأسلحة الاحتلال؟ بيئتهم، وأنت تقرر عنهم؟ وتشطب وجودهم؟ وتستحوذ على رغباتهم لحساب مشروعك التجاري، وطموحك لأن يمر طريق الهند ـ إسرائيل عبر غزة؟ بعد نهب مخزونها من الغاز؟

يبدو أن ترامب اقتنع بمشروعه إلى حد تجاهل مواقف الآخرين. وقد وصل به الشعور بالعظمة إلى القناعة بأنه، إذا ما غير اسم بحر ما، وأطلق العنان لرغبته الجامحة في مصادرة كندا وغرينلاند، فإن غزة ستكون، وحسب اعتقاده لقمة أسهل. ترامب لم يقرأ التاريخ جيداً وهو ما سيدفعه نحو القفز على الحواجز وفق مفهوم الحل بالتصدير، حل الصراع بتصدير الفلسطينيين. ترامب لم يقرأ الجغرافيا جيداً وهو ما سيدفعه للتعامل بعقلية العقار وتحويل غزة إلى فندق يمنع على أصحابه ارتياده أو العودة إليه.

وعليه فإن انسحاب أمريكا من مجلس حقوق الإنسان يبدو وكأنه إصرار على عدم الرغبة في قراءة التاريخ والجغرافيا وحقوق البشر والمفاهيم الإنسانية قاطبة.

ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، كما قالها السيد المسيح عليه السلام، لكن ما من أحد يقبل العيش بلا كرامة، كرامة الوطن والحرية والاستقلال. وعليه فإن موقف الفلسطينيين أساسي لا محالة، لكن موقف العرب لا يقل أهمية من حيث كونه مفصلاً أساساً لعدم تكرار المواقف العربية المستترة، التي واكبت ورافقت وتبعت نكبة عام 1948، وبذلك فإن القمة العربية التي دأبت على الانتصار للقضية الفلسطينية ولو أسمياً، مطلوب منها اليوم أن تنتصر لفلسطين، الأرض والهوية والإنسان وحق الفلسطيني في البقاء والثبات ورفض التهجير وإعادة إعمار كامل مقومات حياته.

العرب الذين سيتقاعسون هذه المرة سيجدون إسرائيل الكبرى في عقر دارهم حسب الخرائط الصهيونية، التي يوزعها سموتريتش وغيره. سيجدونها في عواصمهم، ما لم ينفضوا عن كاهلهم غبار الزمن وتبعاته، وتهديدات ترامب على كثافتها.

إن التاريخ لا يكتبه الضعفاء وإنما يفصلّه الأقوياء على مقاسهم، فهل تبرهن قوة مواقفنا على قدرة خارقة لكتابة صفحة ناصعة من التاريخ؟ ننتظر ونرى .

[email protected]