![]() |
النباح الذي صار لغة
نشر بتاريخ: 20/02/2025 ( آخر تحديث: 20/02/2025 الساعة: 18:07 )
![]()
ما زلتُ أتعلم الأشياء بأقسى الطرق الممكنة.
كنتُ أرغب في الكتابة عن أشياء كبرى:
- والوطن، السيرك، المزرعة،
- وسحب الحقول المعرفية كما تُسحب أكياس الحبوب، وإطعامها لدابّة ألفية لا تعرف شيئًا سوى سوى المعرفة التي تأتي بها السماء: بيضاء، مقلمة الأظافر، ببشرة صافية إلى الصحراء، كأنها محاولة لتطبيع النموذج مع التجربة.
- والقهر الذي يرتدي قفازات حريرية، يمسك مشرطًا، ويتدرّب على الأجساد دون تخدير، دون تنبيه، دون عوازل كأنه في محاكمة علنية.
- والفوضى التي تسحبنا كما تُسحب الأجولة، كما تُسحب المراسي، دون أن تهتم بالخدوش، بالتعقيم، بإغلاق الأبواب، بإغلاق المجاري التنفسية، حيث كل شيء ينهار نحو العبث.
- وحدة المزاج، وعدم القدرة على تبريرها.
- والعنف، وتحوُّلهُ لازمة كالتأتأة، كندوب الحريق وأشباهه وملحقاته، والمطرقة الجاهزة ...
- والنزق الذي يخرج مثل البصاق مع الكلام، حيث يتم ترويض كل شيء، حتى الغضب.
- والصراخ، وتحوُّلهُ هوية، صورة، كما لو أن الجسد يُعيد تعريف نفسه بالعنف المُنعكس عليه، ويبتلع ذاته.
- وانحرافات الإيمان، التي لا يفهمها المطيعون، الذين ابتلعوا الماء المالح بصمت،
- وتحوّل الخضوع إلى روتين لا يحتاج إلى تبرير والمحو بقرار إداري.
- وجفاف الأنهار والوجوه والجلد ليس نتيجة للاحتباس الحراري بل ...
- ودور الثيران المغطاة الأعين في دفع السواقي، وعلاقة بنى الإنتاج بالعبودية، وأشكال الاستغلال المقنّعة،
- وما بعد الحداثة، والسياسات البيو-حيوية.
- والأشباح، التي تعمل ظلاً،
- والسلطة، وعملها الدائم على إنتاج الأعداء حتى لو لم يكونوا موجودين.
- والجسد، والسيطرة عليه، وفق سياسات لا يراها أحد إلا حين يفشل النظام في إخفائها، وحل الصراعات بالأزمة.
لكنني مشغولة، بتنظيف ماسورة بندقية، أطلقت النار على صورتك، بقايا الطلاء المقشر، وخدش بسيط في الحائط، وبشكوى القبيلة العالمية من الدخان، والصوت ومن القلق الذي يسببه كسر صغير في الإطار على الصحة النفسية لكلب العائلة المقدسة.
أحاول أن أرتب الأولويات إذن: كلب خائف. تنظيف المكان. فتح النوافذ للتهوية. إغلاق الأبواب كي لا يدخل الحب والغضب مرة أخرى. الطلاء وإصلاحه. ثم القضايا التي يمكنني حشرها في نص قصير، دون أن أجرؤ على تفكيكها، مثل استعارات جيل دولوز عن الترحال والمعرفة غير الثابتة، وأسئلة هايدغر: هل نحن من يسكن الأرض، أم أننا مجرد أثر مؤقت في مساحاتها المفتوحة؟ والتشريح العلني كأداة لإنتاج الخضوع كما قال فوكو، وتمزيق الهوية وإعادة تشكيلها بما يناسب الهيمنة كما يرى إدوارد سعيد، ومفاهيم نيتشه حول انهيار الأشياء نحو عبثيتها الخاصة، عجز سيوران عن تبرير يأسه، عجز كافكا عن تبرير تحوّل الإنسان إلى حشرة، أو لماذا صار القلق هويةً أكثر وضوحًا من أي جواز سفر. وإلتقاطة فرانز فانون: "في لحظة ما، يصبح العنف الوسيلة الوحيدة لإثبات الوجود". أو فهم بنيامين أن كل نظام، حتى وهو يدّعي السلم، يحتفظ في جوهره بمطرقة العنف جاهزة. و"العقلانية الأداتية" لأدورنو، حيث يتم ترويض كل شيء، حتى الغضب، حتى التمرد، حتى الجنون، لتصبح مجرد تصنيف آخر في كتالوج السلطة. والصورة وابتلاعها للواقع كما قال بودريار، و"المنفى" الذي "ليس فقدان المكان، بل فقدان القدرة على العودة إليه" كما قال سعيد. وابتلاع “الإنسان المطيع" عند حنة أرندت أوامر الجريمة الجماعية، وتحوّل الخضوع إلى روتين لا يحتاج إلى تبرير. و"الحياة المجردة" لجورجيو أغامبين حيث يصبح الإنسان مُعرّضًا للمحو بقرار إداري بارد. وطيف ماركس الذي كتب عنه دريدا، وكيف فهمت ناعومي كلاين استغلال الكوارث، أي تحول الطارئ إلى العادي، وكيف يُعاد تشكيلنا تحت ذريعة الأزمة، دون أن أتمكن طبعًا من تجنب الأسئلة حول جدوى الكتابة بينما أطلق الرصاص على صورتك وبينما أولوياتي تجنب كلب آخر، لا يفقه شيئًا، رغم التحاقه بمدرسة خاصة، رغم تكراره تنظيرات لطيفة من فوق منصة زجاجية حول الديمقراطية والعدالة.
كما علي أن أعترف،: كل هذا التفاف على ما أردت قوله مباشرة،. يكسرني الوقوف في المنتصف، كما يكسرني غيابك، وحيث لا أحد يهتم بتنظيف المكان، أو فتح النوافذ للتهوية، أو معالجة الخدوش في جسدي، أو ترميم الطلاء، أو - على الأقل، إيقاف النباح الذي صار لغة. |