وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

بدائل السلطة الفلسطينية/ بقلم :بروفيسور عبد الستار قاسم

نشر بتاريخ: 18/03/2006 ( آخر تحديث: 18/03/2006 الساعة: 15:21 )
عبر عدد من أعضاء حركة فتح عن قناعتهم بأن حل السلطة الفلسطينية يشكل مخرجا من بعض المآزق التي يمر بها الشعب الفلسطيني، وقالوا بأن السلطة لا تستطيع حماية الشعب الفلسطيني وهي أشبه ما تكون بروابط القرى التي بادر شارون بتشكيلها مع مناحيم ميلسون عام 1981 لإدارة شؤون الشعب الفلسطيني اليومية.

لا أشعر بارتياح لهذه الدعوة بخاصة أن شخصا مثلي واجه اعتداءات كثيرة من أفراد حركة فتح بسبب هذه الجدلية. كثيرون الذين قالوا بأن السلطة الفلسطينية ليست بعيدة عن روابط القرى، ولا هي غريبة عن منطق جيش جنوب لبنان، وإن الاتفاقيات تطوع الفلسطينيين لخدمة الأمن الإسرائيلي وليس الأمن الفلسطيني. بالنسبة لحركة فتح، هذه الأقوال كانت تعتبر مغرضة وتخدم الصهاينة ولا يقول بها إلا الذين يعملون ضد المصالح الوطنية. كنا على قناعة أن المصالح الشخصية هي المسيطرة على سلوك وأقوال الكثيرين من قيادات حركة فتح.

تأتي الآن دعوة حل السلطة بعد فوز حركة حماس، الأمر الذي يدعو إلى عدم الارتياح. على أية حال، أنا مع حل السلطة، إنما لماذا وكيف؟

أكبر خطيئة ارتكبناها هي أننا قبلنا بسلطة فلسطينية في ظل الاحتلال الإسرائيلي. كانت هذه هي فلسفة روابط القرى التي طالما وصفناها بالخيانة والقائمين عليها بالخونة. وكان هذا هو المطلب الإسرائيلي منذ عام 1967 لأن إسرائيل كانت مهتمة بألا توصف بأنها دولة تحتل الغير، ولأنها أرادت التخلص من إدارة الشؤون اليومية للفلسطينيين. لكن المشكلة الآن أننا تورطنا. بماذا؟

نحن تورطنا في إدارة شؤون المواطنين دون أن تكون لنا دولة ودون أن يكون لنا استقلال حتى في الأمور الإدارية. هناك عشرات آلاف الموظفين ومئات الآلاف من الناس يجدون لقمة خبزهم من خلال رواتب السلطة، وهناك مئات المؤسسات التي تشرف على وتدير شؤون الناس اليومية، فهل من الصواب أن نتخلى عن الإدارة فجأة؟ إذا قمنا بعمل من هذا القبيل فإن المزيد من الفوضى ستدب في الساحة الفلسطينية، وسنترك الناس يهيمون على وجوههم اقتصاديا واجتماعيا وماليا وثقافيا وسياسيا. تقتضي الحكمة أن نوفر بديلا إداريا ليحل محل السلطة القائمة.

إنما من الممكن، بل من الواجب، أن نعمل فورا على حل الأجهزة الأمنية فورا عدا جهاز الشرطة، وتحويل أفرادها إلى أعمال أخرى بصورة تدريجية حتى لا يفقدوا مصدر قوتهم. لم يتم إنشاء هذه الأجهزة أساسا من أجل الدفاع عن الأمن الفلسطيني وإنما من أجل ملاحقة المناضلين والمجاهدين، أو الدفاع عن الأمن الإسرائيلي.

لهذا أذنت إسرائيل لأجهزتنا حمل بعض الأسلحة الشخصية التي لا تؤذي الجيش الإسرائيلي. فضلا عن أن مواقع أجهزة الأمن تعرض شبابنا للخطر بسبب عدم قدرتها على الدفاع عن نفسها إذا أرادت إسرائيل اقتحامها أو اعتقال عناصر موجودين في داخلها.

نحن خسرنا كثيرا بوجود هذه الأجهزة التي استنزفت طاقاتنا المادية، وجعلنا من أنفسنا أضحوكة أمام العالم. هذا فضلا عن كميات المعلومات التي زودت هذه الأجهزة إسرائيل بها.

بخصوص السلطة، أرى أن هناك بدائل يجب أن تخضع للتداول، أطرح منها ما يلي:

أولا: ترك فراغ إداري قد يدفع الاحتلال المباشر للعودة والإمساك بإدارة الضفة وغزة. هذا بديل لا أظنه سينفذ لأن إسرائيل لن ترغب بالعودة للانشغال بأمورنا اليومية، ولا للظهور أمام العالم ثانية بأنها دولة محتلة. لقد أراحتها الاتفاقيات من هذين الأمرين وهي سعيدة بذلك.

من ناحية أخرى، من الأيسر على إسرائيل ملاحقة المقاومة الفلسطينية بوجود الادعاء بأن هناك كيانا فلسطينيا. مكنها هذا من استخدام آلياتها العسكرية المختلفة بما فيها الطائرات والدبابات وبرر لها عمليات الاجتياح المتواصلة، ووقفت معها دول كثيرة على اعتبار أن عملياتها العسكرية والأمنية عبارة عن دفاع عن النفس. عودة الاحتلال المباشر يسلب إسرائيل من الكثير من ميزات المناورة العسكرية والأمنية، وسيؤثر سلبيا على مجالها في ملاحقة المقاومة الفلسطينية.

ثانيا: دعوة الأردن لإلغاء فك الارتباط والعودة إلى منطق الوحدة. ربما يكون هذا هو الحل العملي السهل لأن الأردن قائمة كدولة وستحتاج فقط إلى بعض الإجراءات الإدارية البسيطة لتسيير الحياة اليومية في الضفة وغزة. لكن هل ستقبل الأردن؟

إذا قبلت الأردن فإنه سيكون لها شرط تمثيل الفلسطينيين، في حين سيكون للفلسطينيين شرط تمثيل الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، وكذلك استمرار المقاومة الفلسطينية مع حرية العمل من داخل الدولة التي فقدت الضفة الغربية. الأردن لن تقبل بالمقاومة الفلسطينية في ظل النظام السياسي القائم، وستتردد كثيرا في إيجاد صيغة وحدوية جديدة بين فلسطين والأردن. أو هل ستقبل الأردن الاهتمام فقط بالشؤون اليومية للفلسطينيين وتترك القضايا الأخرى لقيادة فلسطينية أو للفصائل والأحزاب الفلسطينية؟

ثالثا: التحول الفلسطيني إلى الإدارة الشعبية، وتحويل المؤسسات تدريجيا إلى الأحياء والقرى وهجران العناوين المؤسسية الثابتة. هذا حل معقول أيضا لكنه يتطلب ثقافة فلسطينية وطنية بعيدة عن الثقافة الفئوية القائمة حاليا والتي لا تميز بين المهني والحزبي، وتميز بين المواطنين على أساس انتماءاتهم السياسية. لم يستوعب العقل الفلسطيني بعد بأن الإدارة تتطلب المهنية، وهي لا علاقة لها بالحزبية والعصبية القبلية.

من الممكن أن ننجح في هذا المجال فقط إذا تركت القضايا الإدارية لخبراء مهنيين مستقلين من ذوي الانتماء الوطني.

يتطلب هذا البديل إتقانا في العمل الإليكتروني بحيث يتحول جزء كبير من الأعمال الإدارية إلى أجهزة الحاسوب التي من المفروض أن تكون منتشرة في الأحياء المختلفة. ضمن هذا يمارس الموظفون أعمالهم في البيت أو في مراكز شعبية.

هذا حل ثوري وخلاق ولم نحاول اعتماده بعد. لقد حاولنا القيام بإدارات شعبية في الثمانينيات والسبعينيات، لكن أغلب عملنا لم يكن منهجيا وتميز بالفهلوة والارتجال. أمامنا الآن فرصة التطوير.

رابعا: الإصرار على المقاومة وطرد الاحتلال بالقوة. هذا بديل استراتيجي يتطلب حشد الطاقات العربية والإسلامية. وعندما نهزم إسرائيل في الضفة وغزة، نكون قد هزمناها في كل أنحاء فلسطين الانتدابية. حتى يتسنى لنا ذلك لا مفر أمامنا إلا أن نكون مخططين استراتيجيين ونطور وسائل وأساليب تختلف كثيرا عما هو متبع الآن.

هل من بدائل أخرى؟ بالتأكيد ننتظر شيئا ممن لديهم.