وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

لوم الضحية واستلابها

نشر بتاريخ: 24/02/2025 ( آخر تحديث: 24/02/2025 الساعة: 10:02 )
لوم الضحية واستلابها

لوم الضحية قد يبدو سهلاً أو مستساغاً للتهرب أو التخلص من المسؤولية أو التنكر للاستحقاقات او قد يبدو لوم الضحية في كثير من الأحيان تعبيراً عن الضعف والخذلان والانحياز لمقولة القوي واغراءاته وتهديداته.
لوم الضحية، الضعيفة أو المهزومة أو المتروكة او الفقيرة أو كل ذلك مجتمعاً، يعني فيما يعني الإقرار بالقانون الإجرامي الذي تبنته أوروبا العلمانية الصناعية الاستعمارية القاضي بأن الحياة للأقوى وأن الثروة للأكثر تكيفاً وقدرة على الاستغلال والاستثمار، وأضافوا أن الطبيعة تختار وليس الله، وأن الضعف والجمال والعطف هي أخلاق مسيحية مرفوضة ولا تليق بالانطلاق إلى العالم من أجل استعماره ، فحطموا بذلك الأسرة والكنيسة وعلاقات الإنسان بأخيه الإنسان.
لوم الضحية بدل انصافها ضعف وجبن، لوم الضحية بدل مساعدتها خضوع للقوي، لوم الضحية بدل حمايتها دليل على النية في استلابها وتجريدها من انسانيتها وأخلاقياتها. لذلك لوم الضحية ليس مجرد موقف بلا ثمن بل هو الموقف الذي تبنى عليه مواقف أخرى.
فالضحية قد تبالغ في ردات فعلها العاطفية نتيجة عقود من الإهمال والإنكار والتغييب، والضحية قد تبالغ في استخدام واستعراض رموزها وإشاراتها وغنائها رغبة منها في تأكيد الحضور وإثبات الهوية.
والضحية متعجلة وارتجالية وعفوية ومتلهفة وغير مستعدة للفقر والحاجة والحصار وقلة الامكانات، والضحية عنيفة لأنها غير مصدقة لا احد يشتري حمايتها ولا يروج لها، فتعتبر العنف وسيلة تستخدمها أكان ذلك مناسباً أم لا.
والضحية مرتبكة أيضاَ، فهي تريد الرضا والقبول والاندماج . ولكن الآخرين الأقوياء لا يريدون سماعها ويحرمونها ويجرمونها استعداداً لاغتيالها، الضحية التي تتعرض دائماَ لعمليات الشيطنة والتحريم والتجريم والاغتيال المعنوي والجسدي ، تجد نفسها مرتبكة ما بين الانصياع للقوانين وما بين كسرها، ما بين التمسك بتقاليدها وما بين تقليد غيرها، ولهذا فالضحية تقع دائماً في الدفاع عن نفسها ومحاولة نفي ما علق بها من اتهامات والعمل الدؤوب من أجل تقديم صورة جميلة مختلفة ، والمشكلة هنا أن الضحية لا تصدق ولا يؤخذ بكلامها بل يوضع ضمن تفسيرات وتأويلات أبعد ما تكون عن مقاصدها، لنأخذ الشعب الفلسطيني نموذجاً لضحية نموذجية ، حيث تم طيلة عقود من الآن على إنكاره وتهميشه وتفكيكه واتهامه بالإرهاب أو الفساد أو عدم النضج أو عدم الأهلية أو عدم الأحقية ، وعلى مدى عقود اتهم بأنه إرهابي وأنه ضد السامية وأنه يكره"الملوخية بالتقلية"، إن إنكار الضحية وتهميشها ونفيها من المشهد جزء من السياسة الاستعمارية لسحب الشرعية عن وجود تلك الضحية أو مطالبها أو الاعتراف بسرديتها وامتدادها ، ولهذا فإن المستعمر عادة ما يعيد تسمية المكان وترتيب حكاية الصراع وإعادة كتابة التاريخ واحتكار المصطلحات والسرديات.
أقول هذا الكلام كله بمناسبة ما يجري من جنون فاق حد التوقعات ، حيث يتم الاعتراف بمعاناة الأسير الاسرائيلي ولا يعترف بمعاناة آلاف الأسرى الفلسطينيين، وحيث يقول زعيم أقوى وأكبر دولة أنه يريد شراء جزء من وطننا وتهجير أهله لمجرد أنه يريد مكافأة المحتل، ولأن اسرائيل تتعامل مع الهدنة بطريقة أكثر من استفزازية، أقول هذا الكلام، لأنه بعد 76 سنة كاملة لا يزال الشعب الفلسطيني ينكل به على مرأى من العالم وسمعه ، ورغم ذلك يطلب منه الصمود والمصالحة واتباع القانون الدولي والانصياع للنصائح الأوروبية والآسيوية والافريقية وغير ذلك أيضاً، ويطلب منه ان يكون هادئاً ومسالماً وناعماً وطيباً وخلوقاً وأن لا ينجب أولاداً كثر، ولا يستمع للأغاني وأن ينام باكراً وأن لا يغلق باب بيته في الليل، حياتنا فظيعة والله العظيم.