وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

هل يعيد التاريخ نفسه؟ بين نكبة 48، نكسة 67، وعدوان غزة: هل نشهد ولادة مقاومة فلسطينية جديدة؟

نشر بتاريخ: 25/02/2025 ( آخر تحديث: 25/02/2025 الساعة: 13:56 )
هل يعيد التاريخ نفسه؟ بين نكبة 48، نكسة 67، وعدوان غزة: هل نشهد ولادة مقاومة فلسطينية جديدة؟

القدس - خاص معا - بعد مرور أكثر من سبعة عقود على نكبة عام 1948، وأكثر من نصف قرن على نكسة عام 1967، يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام واقع مشابه، لكنه أكثر قسوة ووحشية، في أعقاب العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، والذي أدى إلى تدمير أكثر من 370 ألف وحدة سكنية وتهجير غالبية السكان من بيوتهم، مما خلق أزمة إنسانية غير مسبوقة. هذا الدمار والتهجير القسري يعيد إلى الأذهان ما حدث في نكبة 48 حين اضطر مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى النزوح إلى الدول العربية المجاورة، معتمدين على دعمها، لكنهم وجدوا أنفسهم في النهاية وحيدين في مواجهة الاحتلال، وهو ما تكرر بعد نكسة 67 حين اضطر اللاجئون للعيش في مخيمات الضفة الغربية، الأردن، سوريا، ولبنان، مما أدى لاحقًا إلى بروز تنظيمات فلسطينية مسلحة حملت على عاتقها مقاومة الاحتلال، وصولًا إلى معركة الكرامة عام 1968، التي مثلت نقطة تحول في النضال الفلسطيني.
من نكبة 48 إلى نكسة 67: خذلان عربي واستقلالية فلسطينية
بعد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948، اعتمد الفلسطينيون على الدول العربية لمساعدتهم في استعادة وطنهم، إلا أن الأنظمة العربية لم تكن على قدر التوقعات، ما دفع الفلسطينيين إلى الاعتماد على أنفسهم. ومع نكسة 67، ازداد الإحباط الفلسطيني من الموقف العربي الرسمي، فكانت المخيمات في الدول المجاورة بيئة خصبة لنشوء فصائل المقاومة، حيث تصاعد الغضب الشعبي وبرزت تنظيمات مثل حركة فتح، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية وغيرها، والتي تبنت خيار الكفاح المسلح ونفذت عمليات فدائية ضد الاحتلال الإسرائيلي. وكانت معركة الكرامة محطة مفصلية أثبت فيها الفدائيون قدرتهم على مواجهة الجيش الإسرائيلي، ما عزز الالتفاف الشعبي حول التنظيمات الفلسطينية، وتدفق آلاف الشباب الفلسطينيين والعرب للانخراط ضمن هذه التنظيمات وشن آلاف العمليات الفدائية ضد إسرائيل.
تصاعد العمل الفدائي وصولًا إلى اجتياح لبنان 1982
بعد معركة الكرامة، توسع العمل الفدائي الفلسطيني من قواعده في الأردن، وبعد خروج الفصائل الفلسطينية إلى لبنان، استمرت العمليات الفدائية انطلاقًا من الجنوب اللبناني، ما دفع إسرائيل إلى شن اجتياح لبنان عام 1982. هذا الاجتياح استهدف القضاء على وجود منظمة التحرير الفلسطينية، التي نقلت مقرها لاحقًا إلى تونس بعد حصار بيروت الشهير. ومع ذلك، لم ينهِ هذا الاجتياح العمل المسلح الفلسطيني، بل أدى إلى انتشار خلايا المقاومة في الداخل الفلسطيني.
الانتفاضة الأولى: عودة المقاومة إلى الداخل
مع تصاعد القمع الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، انفجرت الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، والتي مثلت تحولًا في طبيعة مقاومة الاحتلال، حيث انتقل النضال الفلسطيني من العمل الفدائي الخارجي إلى المقاومة الشعبية في الداخل، عبر المظاهرات، والإضرابات، ورشق الحجارة، والزجاجات الحارقة، قبل أن تتطور إلى عمليات عسكرية تقودها فصائل مثل فتح، حماس، والجهاد الإسلامي. وأسفرت الانتفاضة عن سقوط آلاف الشهداء والجرحى، لكنها أجبرت إسرائيل على الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، مما أدى لاحقًا إلى توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993.
إسرائيل تسعى لتدمير السلطة الفلسطينية
بعد 30 عامًا من توقيع اتفاقية أوسلو، والتي كانت بمثابة أهم إنجاز سياسي للفلسطينيين، تسعى إسرائيل اليوم إلى تدمير السلطة الوطنية الفلسطينية بالكامل. حيث تنتهج حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف، بقيادة بنيامين نتنياهو، سياسة واضحة لإضعاف السلطة عبر:
• التوسع الاستيطاني: الاستيطان في الضفة الغربية بوتيرة غير مسبوقة، مما يهدد إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقبلًا.
• تدمير البنية التحتية: استهداف المشاريع الفلسطينية وهدم البيوت والمنشآت الحيوية، مما يزيد من معاناة الفلسطينيين.
• مصادرة أموال المقاصة: وهي العائدات الضريبية الفلسطينية التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة، مما يضعف قدرتها على دفع رواتب الموظفين وإدارة المؤسسات.
• اقتحام المدن الفلسطينية: تنفيذ عمليات عسكرية متكررة في جنين، نابلس، رام الله، طولكرم، والخليل، مما يقوض سيطرة السلطة على مناطقها.
• اعتقال رجال الأمن الفلسطينيين: استهداف الأجهزة الأمنية الفلسطينية وإحراجها أمام شعبها.
• تشويه سمعة السلطة: محاولة إشاعة الفوضى الداخلية والادعاء بأن السلطة "ضعيفة" أو "فاسدة"، لإضعاف الثقة الشعبية بها.
خذلان عربي وإيراني جديد للفلسطينيين؟
كما خذلت الأنظمة العربية الفلسطينيين في نكبة 48 ونكسة 67، فإن السيناريو ذاته يتكرر اليوم. فرغم التصريحات الإعلامية الداعمة، لم تقدم الدول العربية ولا إيران دعمًا حقيقيًا للفلسطينيين في غزة، بينما تستمر إسرائيل في حربها الوحشية دون رادع دولي. هذا الواقع يعيد إلى الأذهان تجربة الماضي، حين دفع التخاذل العربي الفلسطينيين إلى الاعتماد على أنفسهم وإطلاق حركات المقاومة المسلحة، وهو ما قد نشهده مجددًا في ظل عودة التهجير الجماعي إلى المخيمات.
نكبة غزة 2024: هل تتكرر التجربة؟
اليوم، يعيش الفلسطينيون نكبة جديدة، لا تقل مأساوية عن 1948 أو 1967، حيث وجد سكان غزة أنفسهم بلا مأوى، بينما تحاول إسرائيل فرض معادلة جديدة عبر تدمير كافة مقومات الحياة. ومع تزايد الوحشية الإسرائيلية، يبدو أن الفلسطينيين يُدفعون دفعًا نحو مسار يشبه ما حدث بعد نكسة 67، فالتاريخ أثبت أن العنف يولد الغضب، والغضب يقود إلى الانتفاض والمقاومة.
هل نرى ولادة تنظيمات مقاومة جديدة؟
في ظل الواقع الراهن، قد يكون الفلسطينيون أمام مفترق طرق جديد. فكما أن ولادة الفصائل الفدائية كانت نتيجة مباشرة لنكسة 67، خصوصًا بعد شعور الفلسطينيين بأن الدول العربية تخلت عنهم، فإن الكارثة الحالية في غزة قد تشكل حافزًا لإعادة تشكيل المقاومة بأساليب جديدة، سواء عبر تنظيمات مسلحة جديدة أو عبر تصعيد العمل الفدائي بأساليب مختلفة.
إسرائيل تدفع الفلسطينيين إلى الحائط، وتجردهم من أي أمل سياسي أو إنساني، ما يجعل خيار المقاومة أكثر واقعية من أي وقت مضى. ومع تزايد عمليات البطش والقتل والتشريد، يبدو أن الفلسطينيين باتوا أمام خيار إما الاستسلام أو المقاومة الشاملة، وقد يكون السيناريو القادم شبيهًا بما حدث بعد 1967، وربما يكون أكثر عنفًا وتنظيمًا، في ظل إحساس الفلسطينيين بأنه لم يعد لديهم ما يخسرونه.