وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

القمة العربية هي تعبير عن تحولات النظام العربي الجديد

نشر بتاريخ: 02/03/2025 ( آخر تحديث: 02/03/2025 الساعة: 13:07 )
القمة العربية هي تعبير عن تحولات النظام العربي الجديد

شكراً لكل الأخوة العرب الذين رفضوا التهجير وتجاوز حل الدولتين والفصل بين جغرافيا وديموغرافيا الشعب الفلسطيني رغم التهديدات العلنية والمبطنة، شكراً للأشقاء في السعودية والأردن ومصر والإمارات ذوي العلاقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي بحكم الجغرافيا والمصلحة والضرر، هؤلاء تغيروا أيضاً، وإذا كان الإسرائيلي المحتل يتحدث عن شرق أوسط جديد، فإن هذه الدول تغيرت أيضاً، تغيرت بمواقفها وإجراءاتها وتوجهاتها، فالسعودية بالذات تتبوأ مكانة دولية انتزعتها غصباً عن الجميع، بحكم القرار ومرونة الحركة وفتح الأبواب للجميع، فأصبحت السعودية صانعة قرار، محلياً ودولياً، وشكراً للشقيقة مصر أيضاً التي رفضت إغراء المال وتشويه المواقف ومحاولات التخويف، فقالت لا للتهجير بعالي صوتها، وقالت لا للتنازل عن حل الدولتين، وشكراً للشقيقة الأردن لمواقفها القوية رغم شظف العيش وضعف الاقتصاد والمخاطر العديدة المحيطة، وشكراً للإمارات التي قدمت بالقدر الذي تستطيعه من خلال الفارس الشهم 3 وبالقدر المأمول أن تقوم به في الإعمار والتوسط، لم يعد النظام العربي كما كان، تغير بسبب طبيعة التحولات، أصبح أكثر قدرة وجرأة، أصبح أكثر قوة بالتعبير عن مصالحه، وقد رأينا ولمسنا هذا التغيير في نسج العلاقات الجديدة والإجراءات السياسية المتعددة والقرارات الواثقة والحكيمة لطبيعة الجبهات والتحالفات العالمية، النظام العربي الآن يمر بعملية تغيير حقيقية، وهي عملية حقيقية قد تسفر عن واقع جديد كلياً.

قمة عربية استثنائية

القمة العربية التي ستعقد بعد أيام قليلة، هي قمة استثنائية بامتياز، ذلك أنها، ولأول مرّة، لن تحاول أن تختفي وراء فكرة التوسط أو الاعتدال أو الاحتواء أو الحياد أو الانتظار أو التسويف أو رمي المشاكل في حضن المجتمع الدولي، هذه المرة لا تستطيع الجامعة العربية أن ترحّل مشاكلها إلى الأمام أو أن تتغاضى عنها أو تختفي وراء كلمات عامة وغائمة ودبلوماسية، ولا تستطيع أن تستدعي قوى أخرى لإنقاذها من أزماتها، ولا أن تتهرب من التزامات اللحظة التاريخية الصعبة، أقول ذلك لأن هذه المرة المطلوب هو رأس الاعتدال العربي، والمقصود بالاستهداف والتهديد هو الأمن القومي العربي والمصالح الوطنية كلها بدون استثناء، هذه المرة، فإن التهديد يطال الجميع، وهو تهديد يمس البنية السياسية والتركيبة الديموغرافية والثروات والممرات، وحتى يمس المستقبل نفسه، المطروح الآن على الجامعة العربية حسب الطلب الأمريكي والإسرائيلي معاً هو شرق أوسط جديد، وهو شرق تكون فيه إسرائيل سيدة ومسيطرة وآمرة وقادرة على تحديد السياسات والقرارات وتشكيل الحدود أو إعادتها من جديد.

الشرق الأوسط الجديد الذي يتم الحديث عنه إسرائيلياً هو شرق أوسط مذعن وخاضع ولا يقبل إسرائيل فقط، بل أن يخدمها أيضاً ويكافؤها ويرفع عنها مسؤولياتها كطرف محتل، وليس هذا فقط، بل أن يقوم النظام العربي أيضاً بمعاقبة الضحية وإلقاء اللوم عليها وحصارها ونزع سلاحها وعدم الاعتراف بطموحاتها الوطنية، والقبول كذلك بشطب الدولة الفلسطينية والشعب الفلسطيني من خلال نزع السلاح وفصل الكتل الجغرافية وعمليات الضم والتهجير، ليس هناك أكثر من ذلك إهانة لكل شيء، الكرامة القومية والتاريخ والثقافة.

هذه الطموحات والتطلعات العدوانية الاسرائيلية ، جاءت في غير زمانها، حيث أن القيادات العربية وشعوبها، أصبحت أكثر قربا، بل توحدت في صفِ واحد، من أجل الدفاع عن مصالح الأمة، وكذلك أصبح لدينا قيادة عربية، يمكن الرهان عليها - ليس فقط لحماية الامن القومي العربي- بل لديها القدرة والمقدرات والثروات، تمكنها أن تكون قوة صانعة للأحداث وللاستقرار والسلام الدوليين، وما جرى بالرياض واللقاء بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادين، مؤشرا هاما بقدرة قياداتنا على المشاركة بفاعلية لبلورة عالمٍ جديد.

أمريكا تأكل أصدقاءها

لهذا، فإن القمة العربية اليومستكون قادرة بالدفاع عن اعتدالها وعن مصالحها وعن صورتها وعن شعوبها وعن حدودها وعن ثرواتها قبل أن تدافع عن الشعب الفلسطيني ودولته، هذه المرة إن النظام العربي الرسمي لن يستخدم ذات الأساليب القديمة التي اعتمدها قبل السابع من أكتوبر 2023، فيما أعلن اليمين الإسرائيلي عن أهدافه بشكل سافر وبوقاحة غير مسبوقة، وذلك بدعم أمريكي واضح ومباشر، وذلك يعني أن النظام العربي الرسمي أصبح هو المستهدف وهو المطلوب منه أن يحقق ويلبي شهوات اليمين الإسرائيلي والنزعات الاستعمارية الأمريكية وهذا الامر لن يكون بعد غياب بعض القوى التي كانت محسوبة على محور المقاومة، فإن النظام العربي أصبح هو المقصود وهو الذي عليه أن يدفع فاتورة هذا الغياب أو هذه الهزيمة، ويبدو أن شعور التهديد والاستهداف هذا شكّل صدمة حقيقية للأنظمة والشعوب العربية على حدٍ سواء، وكما قال هنري كيسنجر فإن من الخطأ أن تكون عدواً للولايات المتحدة، ولكن من الخطر جداً أن تكون صديقاً لها، إذ إن الولايات المتحدة الأمريكية تأكل أصدقاءها وتدمر حلفاءها وتتخلى عنهم ببساطة شديدة، وهذا رأيناه في العديد من الحالات، والتي كان آخرها المشهد التلفزيوني الفضائحي في البيت الأبيض بين ترامب وزيلينسكي,

لذلك، فإن القمة العربية مدعوة وهي قادرة على الرد والمجابهة بعيداً عن سياسات التفهم أو الانتظار أو الاحتواء، القمة العربية مدعوة بقوة إلى الاستقواء بمواقف أعضائها، واستغلال نقاط القوة وإمكانات التأثير وأوجه القدرة التي يمتلكها النظام الرسمي العربي . قدرات بشرية واقتصادية، وجيوسياسية، ان أمتنا تمتلك من المقدرات ما يجعلها احدى القوى الدولية الفاعلة،.

خطوات مطلوبة ممكنة

وهناك الكثير منها قبل إعادة النظر في طبيعة العلاقات مع دولة الاحتلال، بحيث لا تشكل العلاقة مع الاحتلال أداة ضغط على الفلسطيني، أو تعطي للاحتلال الفرصة للتهرب من تنفيذ الاتفاقيات التي وقّعت عليها، واستغلال الاجماع الشعبي النادر والتفافه حول مواقف النظام الرسمي العربي، وكلنا ثقة بقيادتنا العربية بأن تدعم م.ت.ف ببسط ولايتها القانونية على أراضي الإقليم الفلسطيني .

إن الدفاع عن الشعب الفلسطيني، وجوداً ودولة، هو جزء أصيل من الأمن العربي كله، ذلك أن الاحتلال الإسرائيلي لم ولن يكتفي باحتلال فلسطين وحدها، فها هو يحتل اليوم أجزاءً من دول ويهدد أجزاء أخرى ويطلب من أجزاء ثالثة أن تقيم علاقات معه بشكل مجاني، الدفاع عن القضية الفلسطينية الآن هو دفاع عن كل العواصم العربية والثروات العربية أيضاً، ولهذا كان الدفاع عن فلسطين والفلسطينيين جزءاً لا يتجزأ من الأمن العربي الشامل والقمة العربية التي تعقد في أرض الكنانة مصر-خير دليل على ذلك.

الموقف الفلسطيني رمّانة الميزان

أعتقد أن قصور النظام العربي في الدفاع عن الشعب الفلسطيني، وهذا ما نلمس عكسه، بل إن هناك موقف رسمي شجاع وواضح في هذه المرحلة الصعبة والقاسية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى مرتبطة بها أشد الارتباط، فإن المواقف الصلبة والجريئة التي نعتقد أن مؤتمر القمة سيتّخذها هو الموقف الفلسطيني ذاته، إذ أن الشعب الفلسطيني وقيادته وفصائله تقدّر هذه المواقف العربية، التي تجعل الفلسطيني أكثر أملاً بالمستقبل، وهنا أود التأكيد بأن القيادة الفلسطينية التي يعوّل عليها شعبنا الفلسطيني برئاسة الأخ أبو مازن، تنظر باحترام وتقدير لكل ما يطلبه الأخوة العرب الداعمين للشرعية الفلسطينية من اصلاحات بالسلطة بإيجاب لان هذه ايضا مطالب الشعب الفلسطيني، ومصلحة وطنية فلسطينية.

نجاح القمة العربية في القاهرة بتاريخ 04/03/2025، سيكون حماية لفكرة الدولة الفلسطينية، وحماية لمنظمة التحرير الفلسطينية من الشطب، والمحافظة على رأس الشرعية الفلسطينية، وستحمي شعبنا من التهجير، وأن الشعب الفلسطيني يدرك الآن ضرورة المظلة العربية للنجاة، والمرور من عنق الزجاجة الذي دفعنا الاحتلال الإسرائيلي إليه، يجب الاعتراف أننا لم نستطع حتى الآن مواجهة الاحتلال أو كسره أو منعه من تحقيق أهدافه العسكرية والأمنية والسياسية، لهذا فإن الموقف الفلسطيني الموحد والانسجام مع الموقف العربي، ومشاركة القيادة الفلسطينية الشرعية لرؤيتها مع الأشقاء العرب سيشكل حماية كافية للحاضر والمستقبل الفلسطيني.

من الضروري الآن أن يكون هناك موقف فلسطيني يدعم ويساعد الحراك العربي الجديد بالإدراكات الجديدة والدوافع الجديدة لهذا النظام، نحن مستهدفون كلنا، نحن مهددون كلنا، ولهذا لابد من الانسجام في المواقف وعدم تنافرها وتناقضها، نحن بحاجة إلى مظلة عربية واسعة لا تفرّط بالثوابت ولا تتساهل في الخطوط الحمراء ولا تتنازل عن مبادئ الأمن القومي العربي والمصالح القومية والوطنية بما يضمن وجود الشعب الفلسطيني ويضمن حقوقه أيضاً، وهذا يستدعي من الإخوة في حماس بالذات قراءة الواقع جيداً وإدراك طبيعة التحديات والمخاطر، والتعاون مع الرئيس أبو مازن الذي يقدم مخرجاً كريماً وحلاً واقعياً لتلك المصالح ، كما على الأخوة في حركة حماس أن لايشكلوا ثغرة بالجدار العربي – الذي بدأ يتشكل في وجه مشاريع التهجير، لأن التاريخ لايرحم وشعبنا قدم ما عليه من حالة صمود وصبر، وعلى حماس أن لا تحرم هذا الشعب العظيم من فرصة استراحة المحارب .

الخطر الآن أكبر من المماحكات وأعظم من المكاسب الآنية، والوطن كما هو معروف أكبر من كل الأحزاب، إذا قدمنا للأخوة العرب موقفاً فلسطينياً موحداً فإن ذلك سيساعدهم في بلورة موقف سياسي وأمني واقتصادي قادر على الإقناع وممكن التطبيق وصعب التجاوز، الموقف العربي الذي سيتم التعبير عنه في القمة التي ستعقد بعد يومين هو موقف أكثر من سياسي، إنه موقف وجودي، إما أن نكون كأمة أو لا نكون، ويجب أن نعترف بأن هذه القمة تعقد والقيادات العربية أكثر إدراكاً، وهي مؤهلة أن تكون جزءاً من صناعة العالم الجديد، وهذا الأمل ممكن تحقيقه، لذلك نرى ان هذه القمة هي تعبير حقيقي عن تحولات في النظام العربي وسوف تنجح القمة.