نشر بتاريخ: 08/03/2025 ( آخر تحديث: 08/03/2025 الساعة: 23:29 )
أمير مخول، مركز تقدم للسياسات
إسرائيل: اعلان حرب الاستنزاف متعددة الجبهات
تواجد دائم في سوريا ولبنان وخطة تهجير للفلسطينيين
تقديم: بإذن من الجيش الاسرائيلي قامت المديرية الاحتلالية لقبر يوسف في نابلس يوم 7 اذار/مارس بتنظيم جولة للمئات من "الحرديم" اتباع الراب آشي بالدخول الى قبره في الاراضي اللبنانية بالقرب من كيبوتس "منارا" الحدودي والتي اعتبرها الجيش اللبناني بمثابة انتهاك خطير للسيادة اللبنانية.
أتت هذه الجولة بعد مطالبات استمرت طوال سنين عديدة وقد رفضت في السابق نظرا للوضع الامني الذي كان سائدا في جنوب لبنان حتى الحرب مع حزب الله ، وبعد محاولات تسلل عديدة خلال الحرب الاخيرة وحصريا منذ اعلان وقف النار، نجح اتباع مديرية قبر يوسف من الوصول اليه عدة مرات ومن دون تصريح. يعود الحاخام آشي الى القرن الرابع) 352–427) وكان أول محرر للتلمود البابلي.
في المقابل، قام سلاح الجو الاسرائيلي مساء يوم 7 اذار/مارس بأوسع واعنف غاراته منذ اعلان وقف اطلاق النار وبعد إطالة أمده، واستهدف عشرين موقعا خلال دقائق معدودة، وذلك بذريعة استهداف بنية حزب الله. فيما اشادت اسرائيل قبل ايام بمسارعة الجيش اللبناني انتشاره في كل المناطق جنوب لبنان. فيما اعلن قائد الاركان الاسرائيلي ايال زمير (6 اذار/مارس) بأن اسرائيل امام "حرب استنزاف متعددة الجبهات".
بدوره أعلن وزير الامن كاتس عن اقامة مديرية تهجير الفلسطينيين من غزة وبصدد انجاز خطة متكاملة للتهجير "الطوعي" عن "طريق البحر والجو والبر".
قراءة:
- تعيد مسألة قبر الحاخام المذكور، ما انكشف خلال الحرب حين أعلن الجيش مقتل عالم الاثار الاسرائيلي الذي تواجد برفقة قائد كتيبة في لبنان لمعاينة مواقع أثرية، بما يدلل على نوايا مبيتة اما بنهب اثار لبنانية او بالبقاء مطولا في لبنان واحتلال مناطق منه وتم نشر مخططات لاستيطان هذه المناطق، الامر الذي لم يتحقق وبقيت اسرائيل تسيطر على خمسة مواقع منتهكة الاتفاق بوقف النار والسيادة اللبنانية.
- تعتبر مديرية قبر يوسف الاحتلالية في نابلس ذراعا يخدم التطلعات التهويدية الصهيونية دينية في الضفة الغربية، وهي جمعية المسؤولة كما تعرف نفسها عن "قبور الصدّيقين والحفاظ عليها وصيانتها وترميمها بالتنسيق مع المنظومة الأمنية" والوصول الى تجنيد اكبر عدد من المصلين "والوعد بذكر اسمائهم في الطقوس المقدسة". هذا وتخضع هذه المديرية بطبيعة دورها الى اشراف وزارة الشؤون القومية اليهودية برئاسة الوزير اوريت ستروك من حزب الصهيونية الدينية، وهي التي بادرت الى مشاريع الاستيطان في غزة وجنوب لبنان. كما وتبرر الجمعية موقفها بفتح مرقد الحاخام آشي لصلاة اليهود باعتبارها ان "زيارة ارض اسرائيل لا تتطلب إذنا من أحد".
- تصريح الجيش لدخول المتدينين وعددهم بالمئات الى جنوب لبنان وبمرافقته وحمايته، دليل نوايا بالبقاء مطولا في جنوب لبنان، والى وجود قرار سياسي في هذا الصدد. ويندرج الامر ايضا في تصريحات رئيس الاركان زمير بصدد "حرب الاستنزاف متعددة الجبهات"، معتبرا ان الحرب على لبنان لم تنته بعد، ووفقا للقراءة الاسرائيلية فإن قواعد اللعبة القائمة على الردع المتبادل والتي سادت من العام 2006 لم تعد قائمة، معتبرا ان توازن القوى قد اختل بشكل جوهري لصالح اسرائيل مما يتيح لها الانتهاكات المتتالية لوقف اطلاق النار. تدلل الغارات الجوية المكثفة على لبنان بأن اسرائيل قد حسمت امرها بإبقاء الجبهة اللبنانية ساخنة حتى وان لم تكن حربا متبادلة، كما وهناك تقديرات سياسية أمنية بأن الابقاء عليها جبهةً ساخنة يفرض على الدولة اللبنانية وعلى الجهات الضامنة للاتفاق "حماية مصالح اسرائيل".
- وفقا للتقديرات الامنية والسياسية الاسرائيلية فإن الاوضاع في سوريا غير مستقرة، وأن الهدوء في الداخل السوري مؤقت ، بل ان مصير سوريا هو التجزئة على اساس ديني ومذهبي وعرقي وتفكك البلد. بناء عليه توسع من مناطق سيطرتها واحتلالها ويقيم الجيش قواعد ثابتة ومناطق نفوذ ومنظومة أشبه بالإدارة المدنية الاحتلالية وذلك تحت مسمى حماية الدروز في جنوب سوريا والكرد في شمالها وشرقها. بناء عليه يتطلب الامر ايضا ترسيخ وجودها بما أمكن في لبنان.
- رغم الاستعداد الامريكي للحوار الذي بدأ فعليا مع النظام العربي بصدد مخرجات قمة القاهرة الطارئة بشأن اعمار غزة وبقاء اهلها وبشأن ادارتها وحل قضية فلسطين، الا ان الاصوات الامريكية التي تشير الى حدوث تراجع لدى ادارة ترامب في مسألة التهجير في تزايد مستمر، فيما حكومة نتنياهو تسارع الخطى في مشروع التهجير وتقيم مديرية خاصة وتقرر توكيلها بتنظيم "نقل" الفلسطينيين بحرا من ميناء أسدود، وجوا من مطار رامون في النقب، وتبقى مسألة التهجير براً هي اللغز.
- وفقا للتقديرات الاسرائيلية فإن مصر والاردن تشكلان سدا منيعا ضد التهجير الى اي منهما وضد التهجير مبدئيا واينما كانت وجهته. بناء عليه يبدو ان التصعيد الاسرائيلي الحربي في لبنان وفي سوريا، انما يخدم هذا الغرض، على الرغم من ان الدولة اللبنانية ترفض المس بسيادتها وتعارض بقوة التهجير الى اراضيها مبدئيا وعمليا. تبقى الاراضي السورية المستباحة من قبل اسرائيل ومع التقدير الاسرائيلي بتجزئة سوريا فإنها قد تكون العنوان الوحيد الذي تراهن حكومة نتنياهو ووزيره كاتس ليتم التهجير اليه عن طريق البر.
- بخلاف الجبهات العديدة والتي حددها نتنياهو بسبع جبهات، فإن التهجير في حال سعت اسرائيل اليه ولم ترتدع، يحتاج الى حرب فتاكة وليس مجرد حرب استنزاف وفقا لتصريحات زامير. وهو فعليا يعد العدة والمخططات لاستئناف الحرب الفتاكة على غزة. ويتم استدعاء قوات الاحتياط لهذا الغرض. قد يكون هذا التهويل من اجل كسب نقاط في مفاوضات الصفقة والسعي لالزام حماس بالإذعان للشروط المتجددة التي يطرحها نتنياهو، الا انه ومهما كانت الغاية فالحالة خطيرة ولا مكان للتقليل من مخاطرها حتى وان كانت احتمالات استئناف الحرب لا زالت ضئيلة.
الخلاصة:
** التحركات الاسرائيلية في لبنان هي ابعد من احتياجات عسكرية وفقا لاعتبارات حكومة نتنياهو، بل ان مسألة مرقد الحاخام "آشي" تشير الى نوايا بالبقاء في جنوب لبنان والى ضم مناطق حدودية منه تحت مسمى الاماكن المقدسة.
** تسهم اقتحامات المرقد المذكور وبحماية الجيش في إدامة أمد الائتلاف الحاكم وحكومة نتنياهو، سواء من قبل تيار الصهيونية الدينية المعني بالحرب على لبنان وبالاستيطان فيه، ام الحريديم وحصريا الاوساط المعنية بينهم بالمقامات الدينية في جنوب لبنان.
**. التحركات المذكورة لا تحسّن من وضع اسرائيل الاستراتيجي ولا تنقذ اسرائيل من ورطتها الاستراتيجية التي جلبتها حكومة نتنياهو، الا انها لا تقلل من المخاطر المحدقة بالشعب الفلسطيني.
** ما اشرنا له اعلاه هو نوايا حكومة نتنياهو، وقد تتبعها مساعٍ لتحقيقها، ولا تزال إمكانيات تراجعها وردعها متوفرة فلسطينيا وعربيا ودوليا.