![]() |
الهيمنة ورؤية في التحولات العالمية من واشنطن إلى غزة
نشر بتاريخ: 06/04/2025 ( آخر تحديث: 06/04/2025 الساعة: 15:45 )
![]() في زمنٍ تتداخل فيه الدماء مع التحولات الدولية الكبرى ، يبدو مشهد غزة أكثر من مجرد عدوان عسكري ، إنه مرآة مكشوفة لوجه نظام دولي آخذ في التصدع ، ومؤشرات على أفول الهيمنة الأمريكية التي طالما شكلت الغطاء الصلب لكل المشاريع الإستعمارية في منطقتنا ، وعلى رأسها المشروع الإسرائيلي المبني على الفكر الصهيوني والسردية التوراتية الذي اصبح واضحا انه لن يحقق الأنتصار . لقد جاءت المبادرة المصرية الأخيرة، كغيرها من محاولات وقف إطلاق النار ، كاستجابة إنسانية عاجلة في وجه آلة الحرب ، وهي تحمل في طياتها توازناً دقيقاً بين موقفين متباعدين هما ، الإسرائيلي الذي لا يرى في الهدنة سوى فرصة لإعادة التموضع ، والفلسطيني المقاوم الذي يتوجب ان يدرك أن كل توقف مؤقت قد ينقذ حياة ، لكنه لا يلغي جوهر المعركة . وفي مقابل الجمود الظاهري في المفاوضات ، استغلت إسرائيل الوقت لتواصل عدوان الإبادة والأقتلاع على غزة واستمرار تهجير المخيمات بالضفة لاستكمال تنفيذ مشروعها الاستيطاني التوسعي والاحلالي الذي يستهدف هويّتنا ووجودنا ، فالهدف بالنسبة لنتنياهو والحركة الصهيونية هو منع اقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ومتواصلة جغرافيا . فيما وعدت "شكلياً " بدراسة المبادرة المصرية دون إبداء أي نية حقيقية للقبول بها . هذا التكتيك ليس جديداً ، بل يعكس واحدة من ركائز السياسة الصهيونية القائمة على شراء الوقت بالمجازر والجرائم برعاية بريطانية وأمريكية واضحة منذ ما قبل النكبة الأولى حتى اليوم . لكن ما يستوقفني هنا هو ظهور أسم ستيف ويتكوف ، الذي وإن أُدرج ضمن الوفد الأمريكي ، يتصرف باعتباره صاحب القرار الحقيقي في الملف الإسرائيلي ، متجاوزاً الأدوار الشكلية للوسطاء . فزياراته إلى الإمارات واللقاءات المرتقبة في القاهرة والدوحة، تشير إلى إدارة أمريكية للملف لا بهدف الحل ، بل لإبقاء جذوة الحرب مشتعلة ، وفق مبدأ "المفاوضات تحت النار". -- دور الولايات المتحدة وسط نظام دولي متغيّر . وما يبدو اليوم من تصلّب أمريكي في دعم العدوان الإسرائيلي ، ليس تعبيراً عن قوة ، بقدر ما هو محاولة لصرف الأنظار عن التصدعات الداخلية عبر تصدير الأزمات إلى الخارج ، واستخدام "العدو الخارجي" كوقود تعبئة داخلية، كما يفعل ترامب وخصومه في الولايات المتحدة على حد سواء . بهذا المعنى ، فإن المشروع الإسرائيلي الأستيطاني التوسعي الأحلالي ، الذي يقوم على الدعم الأمريكي غير المشروط بل والعقائدي ، ليس في مأمن من هذه التغيرات وهو لن يحقق الأنتصار بالتالي . بل إن ارتباك واشنطن وتخبط ترامب من مواقف عدة حول الصين وإيران وحتى أوكرانيا وغزة ، وعجزها عن فرض حل سياسي شامل ، يكشف هشاشة هذا المشروع الذي يعتمد كلياً على قوة إمبراطورية تتآكل تدريجياً اليوم وسط اجواء أوروبية واسيوية جديدة تجاهها بعد اعلان الحروب التجارية . -- غزة ، زمن المقاومة في مواجهة زمن الأفول . -- الواقع الفلسطيني امام ذلك . ولكن في ظل هذه التحديات الكبرى ، لا يمكن أن يبقى الواقع الفلسطيني في حالة انقسام دائم بين الفصائل ومحاولات تخطئة كلٌ للآخر وصراع حول مفاهيم الهزيمة والأنتصار ، فهذا ليس زمن المحاسبة . قد يخطئ أياً من كان مقاوما تحت النار ، الا ان ضرورة التقيم ومحاسبة الذات لها وقت آخر حينما تتوقف نار الإبادة ويجمع الكل الفلسطيني على ضرورات التقييم النقدي لمسيرة الكفاح . لكن اليوم هنالك حاجة ملحة لأن ترتقي حركة حماس إلى مستوى التحديات الراهنة والمتغيرات وفهمها ، وتدرك أن الطريق نحو دحر الأحتلال لا يمر عبر حروب بقرارات منفردة أو المصالح الحزبية او الأيدولوجية دون المصلحة الوطنية . في هذه اللحظة الحاسمة ، يجب على حماس أن تُقدّم مصلحة الشعب الفلسطيني العليا على أي اعتبارات أخرى ، وأن تقبل فورا بالأنضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية وفق ما وافقت عليه في "بكين" وان تتشكل حكومة تحظى بالتوافق الوطني قادرة على مواجهة التحديات دون الاعتماد على سراب الوعود الأمريكية او تهديداتها ، والشروع في التحضير لانتخابات عامة على قاعدة ان الشعب هو مصدر السلطات . فالمنظمة هي العنوان التي طالما مثلت الكيان السياسي الجامع للشعب الفلسطيني منذ تأسيسها واكتسابها المكانة التمثيلية امام العالم وفقا لرؤيتها التحررية ، دون اغفال الحاجة الوطنية الضرورية اليوم التي تتطلب أستنهاضها المتكامل الى جانب دور حركة "فتح" التي يجب ان تحافظ على شعلة انطلاقتها كقائد لمرحلة التحرر الوطني وليس كحزب للسلطة الوطنية التي يستهدفها الأحتلال من جهة أخرى . التوافق الفلسطيني حول كافة المفاهيم في هذه المرحلة ليس رفاهية ، بل ضرورة لمواجهة الأحتلال الذي يستمر في أبتلاع الأرض من خلال الضم والأستيطان . العمل ضمن إطار منظمة التحرير سيمكن الفصائل الفلسطينية من توحيد جهودها وتطوير رؤية مشتركة لمستقبل الكفاح الوطني الفلسطيني سندا للقرار الوطني المستقل والجامع ، بعيدا عن سياسة التفرد التي تغذي الانقسام وتُضعف من قُدرتنا على مواجهة التحديات حتى إنهاء الأحتلال اولاً. -- التاريخ لا يعود إلى الوراء ، لكنه يتصاعد . لذلك ، فإن العدوان على غزة ، كما المبادرة المصرية اليوم ، ليسا حدثين معزولين ، بل جزء من لحظة تاريخية فارقة هي ، لحظة تراجع المشروع الإمبراطوري الأمريكي الإستعماري ، وانكشاف التوسّع الصهيوني أمام وعي مقاوم فكريا وسياسيا وميدانيا الذي تقف شعوب العالم تضامنا معه ، يعرف أن الزمن قد لا يكون حليفه دائماً ، لكنه ليس عدوّه قطعاً ، فحركات التحرر تبني نفسها بتراكم تجاربها ومواجهتها ومعاركها وعلى فهم الواقع السياسي ووحدة وظروف شعبها الوطنية لحين إنتصارها . وفي هذا السياق ، لا يمكن لشعبنا الفلسطيني أن ينتظر الحلول من الخارج ، بل يجب أن يوحد صفوفه داخليا ، ويخوض المعركة معاُ في إطار مشروع وطني تحرري ديمقراطي واحد ، تحت مظلة منظمة التحرير كجبهة وطنية واسعة صاحبة الولاية القانونية بقرار دولي وفق رؤية وأدوات واضحة تستوعب كل فئات المجتمع الفلسطيني وخاصة الشباب منهم في اطار فهم استراتيجي لمقاومة شعبنا نحو حريته . -- الجدلية التاريخية وصراع الأضداد. |