وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الحل التاريخي ... الحل الالهي

نشر بتاريخ: 07/04/2025 ( آخر تحديث: 07/04/2025 الساعة: 10:01 )
الحل التاريخي ... الحل الالهي



لا مفاوضات حقيقية بل مجرد استهلاك للوقت والذرائع والذخائر، لا ضغوط جادة، ولا حراك سياسي حقيقي، بل مجرد علاقات عامة وتلميع صور وبحث عن أدوار ومصالح وإبعاد للمخاطر، والفلسطيني وحده يدفع ثمن المرحلة كلها، التمزق والضعف والريبة والمحاور والأحلاف والمؤامرات أيضاً، الفلسطيني وحده، بجثته التي بالكاد تُغطى بالرمال والدموع، يكشف الزيف والضلال والكذب والخداع، يكشف الصورة بكامل أبعادها، وهي صورة مفزعة بكل المعاني . المشهد يمتلأ إلى آخره بالدماء والجثث، والمدن التي تمحى أو تندثر ، والناس الذين غادروا كل شيء جميل في حياتهم .
لا جهود حقيقية لوقف إطلاق النار، ولا قدرة أيضاً على ذلك، ضعف وخور يغري بالاستمرار لاختراق كل العواصم وكل البحار، واحساسٍ طاغ بالعجز الفردي والجمعي إلى درجة الإهانة والانسحاق . وإذا كان ابن الأثير قد تمنى الموت لرؤية بغداد تموت على أيدي الططر ، فإن هناك الآن من يتمنى النهايات السريعة لبعض البشر ، لم نكن هكذا في يوم من الأيام ، حتى أيام الحروب الافرنجية على بلادنا، تلك الحروب التي كان فيها أمراء المسلمين يدفعون الجزية لأمراء الفرنجة طلباً لحمايتهم أو تجارتهم أو مساعدتهم في حروبهم على اخوتهم .
والصورة من التعقيد إلى درجة أن الواحد فينا لم يعد يفهم ، فمن نعتقد أنه موسى تُفاجأ بأنه فرعون وقارون وهامان أيضاً، ومن نعتقد أنه قد يهب لنجدتك تُفاجأ بأنه يطعنك في ظهرك وصدرك معاً.
والأدهى والأنكى والأمرّ، أن الغرب الاستعماري لم يعد يخدعنا كما كان في الماضي، لم يعد يوازن أو يداهن أو يذهب إلى التسويات، لا لم يعد الغرب الاستعماري يضحك علينا بالكلام المعسول أو الخطة المتدرجة أو التمويل المشروط، تحول الغرب الآن ليكون أوضح وأوقح ما يكون ، فهو يقول بأعلى ما في صوته من وضوح و وقاحة وصلف أن القانون الدولي وضع لعقاب الشعوب الأخرى، وأن الهيئات الدولية إنما صممت لملاحقة غير البيض، وأن دولة إسرائيل لا تعاقب ولا تحاسب ولا تحاصر، وأن علينا أن نرضى بما نعطى، وليس هذا فقط، بل أن نفعل ما يطلب منا دون نقاش أو مراجعة.
فنحن لسنا شعوباً حقيقية ولا نستحق الديموقراطية ولا نعرف معنى الحداثة، نحن شعوب هوجاء عاطفية وانفعالية أقصى ما نقدر عليه من تنظيم هو تنظيم العائلة، نحن لا نعرف تقديس الحياة ولا نقدرها، ولا نستطيع أن نحيا ضمن مجتمعات حديثة وتنظيم علمي، ولهذا فإن دماءنا رخيصة وثرواتنا لا نستحقها واراضينا جاءت لنا بالصدفة. الغرب الاستعماري في مجمله لم يعد يعتذر، ولم يعد يكذب ، وكما رسم حدودنا ذات زمن فإنه الآن يريد إعادة رسم الخريطة من جديد لتلائم تطلعاته ونزقه ومصالحه، ولهذا رفع شعار السلام من منطلق القوة، أي أن هذا الغرب لا يبحث عن الشراكة أو الندّية أو التسوية بل هو يريد فرض التسوية بالقوة ، يعني بالاحتلال والغصب والمصادرة، وفي ذلك، فإن هذا الغرب الاستعماري يدشن مرحلة جديدة من مراحل تطور الرأسمالية لتكون رأسمالية التوحش اللانهائي خصوصاً بعد امتلاك التكنولوجيا الفائقة والعقيدة المتطرفة الدينية التي تكاد تقترب من مصادرة الارادة الالهية.
وهنا أتوقف كثيراً لأقول أن كل هذا الظلم الذي لا مثيل له ، وكل هذا القتل وهذا الاستعداء ، فإن حلول الأرض لم تعد تنفع، امتلأت الأرض ظلماً وجوراً، ولا مزيد من الفذلكة والكلام، ولا مزيد من الوساطات والاقتراحات والمشاريع ، ليأخذ الظلم مداه ولتأخذ دورة الشر أقصاها، فالحل التاريخي ينطبق على الحل الالهي أيضاً، فالتاريخ في احدى صوره هو انعكاس لسنة الله التي لا تحويل ولا تبديل لها. الحل التاريخي هو أن تظهر قوى جديدة على أنقاض القديمة ، وأن يدفع الظالم ثمن ظلمه، وأن ينهض المستضعف ليرث الأرض ومن عليها . هذا هو الحل التاريخي الذي يتمثل في الحل الالهي ، ارادة الله وسننه فوق إرادة كل الناس ، وكل الدول وكل الجبابرة .