وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

حين يُسوِّق العالم الأمل في المريخ ويتغاضى عن إبادة فلسطين

نشر بتاريخ: 15/04/2025 ( آخر تحديث: 15/04/2025 الساعة: 09:05 )
حين يُسوِّق العالم الأمل في المريخ ويتغاضى عن إبادة فلسطين

فادي أبوبكر

في الوقت الذي يسابق فيه العلماء الزمن لتوسيع حدود الحياة إلى ما وراء الأرض، وتعمل شركات مثل Estonian UP Catalyst على تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى مواد مفيدة على كوكب المريخ، يظن المرء أن البشرية تسير بخطى واثقة نحو مستقبل أكثر إشراقاً، حيث أُعلن مؤخراً عن تقنيات جديدة تُبشّر بإمكانية بناء حياة في الفضاء، وكأن العالم بدأ يخطو بثقة نحو حلم الاستيطان الكوني.

لكن، في المقابل، على هذا الكوكب نفسه، وفي رقعة صغيرة من أرضه تُدعى فلسطين، يبدو أن الأرض لم تعد تتسع لأصحابها. فهناك، لا يُبتكر العلم لحماية الحياة، بل تتفنّن آلة الحرب في إنهائها. وفي ظل حرب الإبادة المستمرة التي تستهدف الشعب الفلسطيني، يتساءل الفلسطيني بمرارة: هل سيكون المريخ هو المنفى القادم؟ فبينما تتقاذف التصريحات الأمريكية والإسرائيلية "حلولاً" مثل التهجير إلى الأردن أو مصر أو حتى الدول الأفريقية، قد لا يكون مستبعداً أن نسمع غداً عن خطة لترحيل الفلسطينيين إلى الفضاء.

نعم، ربما تكون هذه هي الخطوة التالية في سعيهم لتحويل التوحّش إلى سياسة، لا تكتفي بخرق القانون الأرضي، بل تمتد إلى خارج حدود الكوكب. وبينما يُروّج العالم لمشاريع استيطانية في المريخ، لا يزال الفلسطينيون يخوضون معركة الوجود على أرضهم، الأرض التي سكنوها منذ قرون، ويُسحقون فيها يومياً باسم "حق الدفاع عن النفس".

في غزة، حتى الوسادة لم تسلم من حرب الإبادة .. تُنتزع من تحت رأس الطفل قبل أن يحلم، وفي الضفة الغربية، بات مشهد المستوطن الذي يقطع الأرزاق، وجندي الاحتلال الذي يقطع الأعناق، واقعاً مألوفاً لا يُقابل إلا بصمتٍ متواطئ. أما القدس، قلب الحكاية ومهد الوجع، فتُغتصب فيها الأقداس، وتُهوّد الحجارة، ويُضيّق على الإنسان في دينه ومعيشته وانتمائه، في ظل تجاهل عالمي مُخزٍ، أو انحياز فجّ لرواية القوي. وكأن العالم قد قرر أن يجعل من القتل اليومي مشهداً عادياً، بل مشروعاً، تحت ذريعة "حق الدفاع عن النفس"، حتى وإن كان هذا "المدافع" يملك الطائرات والدبابات، بينما لا يملك الضحية سوى صوته وأحلامه التي تُهدَّد كل يوم.

لقد قرر العالم – أو من يتحكم بمصائره – أن يجعل من القتل مشهداً عادياً، بل مشروعاً، يُبرَّر باسم "الأمن"، حتى لو كانت الدبابات والطائرات بيد المعتدي، والمعتدى عليه لا يملك سوى صوته وأحلامه المهددة. وفي هذا الواقع المقلوب، يصبح الحديث عن "حقوق الإنسان" خطاباً أجوف، لا يُستحضر إلا إذا خدم مصالح الأقوياء، بينما تُجمّد العدالة حين تكون الضحية فلسطينية.

اليوم، يحكم العالم منطق القوة؛ القوي يملك الحق، والضعيف يُجرد حتى من حق البقاء. ولم تعد القوة وسيلة لحماية الأمن، بل أصبحت معياراً للعدالة، وشرطاً للعيش. وهنا، يتحوّل السؤال الفلسطيني إلى سؤال أبدي:

إلى متى نحمل أكفاننا في طريقنا إلى الحياة؟

إلى متى ننتظر عدالة لا تأتي، وغداً لا يقترب؟

ورغم هذا القهر الممتد، يبقى للفلسطيني سلاحه الوحيد: الكلمة.

الكلمة التي تشهد، وتوثّق، وتفضح.

الكلمة التي تُبقي الحقيقة حيّة في وجه الزيف، وتحمي الأمل من الاندثار.

الكلمة التي تقول للعالم:

قد يصمت العالم اليوم، لكن التاريخ لا يرحم القتلة... ولا يمحو ذاكرة الضحايا.

[email protected]