وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

المؤتمر كاد أن ينفجر لو لم تشارك غزة وفتحاويو القطاع يعولون على دحلان

نشر بتاريخ: 18/08/2009 ( آخر تحديث: 18/08/2009 الساعة: 18:25 )
رام الله- غزة- قال مؤتمرون مشاركون في المؤتمر السادس المنعقد في مدينة لحم بالضفة الغربية، حتى منتصف هذا الشهر، إن وصف المعجزة الذي استخدمه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في الحديث عن انعقاد المؤتمر ونجاحه في زمانه ومكانه المعلنين، يصادف الحقيقة إلى حد بعيد، مؤكدين أن الحركة ـ أي فتح ـ قد تعرضت لمحاولات إعاقة مستميتة، شنتها أطراف عدة من داخل البيت الفتحاوي وخارجه، ما دعا البعض إلى ربط محاولات التأجيل والمماطلة في عقد المؤتمر التي عبر عنها فتحاويون متنفذون في قرار الحركة، بممارسات حركة حماس على الأرض في قطاع غزة، التي تسيطر على الأرض منذ أحداث حزيران عام 2007م، بمحاولاتها نسف المؤتمر قبل أن يبدأ.

استطلعنا المزاج الفتحاوي بعد أيام من إعلان نتائج انتخابات المجلس المركزي لحركة فتح ـ اللجنة المركزية ـ من خلال شخصيات ومقالات كتاب، وآراء متحفزة للمؤتمر وإفرازاته، وأخرى محبطة من كل ما جرى، وكذلك ردات الفعل المتتالية من حين إلى آخر، لقيادات لم يحالفها الحظ في الفوز، فدخلت على خط الانتقاد القوي وبأعلى صوت لها.

فيما آخرون يردون بالقول؛ لقد كان ما كان، واليوم فتح في ثوبها الجديد وكل انتقاد مؤجل إلى حين رؤية القيادة المركزية كيف ستتصرف إزاء القضايا الملحة على الأرض، والتي يندرج في أولوياتها بحث استمرار سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في ظل تعثر مساعي المصالحة، ووضع عملية السلام المتجمد، ومكان حركة فتح على خارطة حركات التحرر الساعية إلى الخلاص من الاحتلال، وابتكار آليات جديدة للمواجهة مع إسرائيل في ظل المتغير الدولي الكبير الحاصل بعد فوز باراك أوباما، وإيلاءه الأهمية لحل الصراع العربي الإسرائيلي.

الرئيس محمد عباس لم يكن مازحا حينما قال على هامش المؤتمر مخاطبا الفتحاويين "كدنا أن نتعرض قبل شهر لمحاولة انشقاق"، إذ يقول فتحاويون أن الرئيس قد تجاوز المحنة وقفز عن مطب القدومي بمجيء القيادي التاريخي أبو ماهر غنيم إلى رام الله قادما من تونس للإقامة الدائمة.

في حين يرى آخرون أن تلميح الرئيس بمصالحة مع القيادي التاريخي البارز فاروق القدومي، بما يمكن تسميته "باسترضاء تشريفي دون أي تكليف"، خطوة ذكية من أبو مازن لاحتواء القدومي الذي لا يرجح البعض حدوث ارتدادات لقنبلته الهيدروجينية التي فجرها في العاصمة الأردنية عمان قبل شهر ونيف.

عقدة غزة:

كانت غزة الغائب الحاضر في فعاليات مؤتمر فتح السادس، بل كاد حضورها من عدمه، بعد أن تحفظت حركة حماس على مشاركة كوادر القطاع الفتحاويين في مؤتمر بيت لحم بالمنع الإجباري، احتجاجا على عدم إطلاق معتقليها السياسيين من سجون الضفة الغربية، يفجر المؤتمر بعد أن اتهم ناشطون من القطاع إدارة المؤتمر بالتخلي عن غزة دون خلق حلول إبداعية تضمن لهم المشاركة، بل ذهب بعضهم إلى اتهام قيادات كبيرة في حركة فتح (بالتآمر) مع حركة حماس عبر التنسيق الكامل لغرض عدم حضور فتح غزة إلى الضفة الغربية، لحجب الأصوات عن قيادات معروفة والمقصود منها تحديدا، محمد دحلان الذي فاز بعضوية اللجنة المركزية مؤخرا، ومن معه من رجال يسمونهم أحيانا بالتيار وأحيانا بالتوجه، ولكنه محمد دحلان ورجاله في كل الأحوال، الذين كانوا أول من واجهوا وأكثر من صمدوا وآخر من انسحبوا.

تقول مصادر مقربة من القيادي دحلان، أن المشاركة لغزة لم تكن بمستوى الطموح، بعد أن تم رفض عقد مؤتمر تكميلي لأهل غزة لاحقا لاختيار نوابهم، في اللجنة المركزية والمجلس الثوري، بواقع يصادف 6 مقاعد للمجلس المركزي و30 مقعدا للمجلس الثوري، كما يبدو حقا لغزة في عرف التمثيل الجغرافي المتبع في أطر الحركة. وتضيف "تم أخيرا إسعاف المؤتمر باقتراح التصويت عن بعد، وهو مقترح لم نطالب به أبدا، ولكنه كان أفضل الخيارات المتاحة بعد إغلاق باب الأمل بعقد مؤتمر تكميلي للحركة يختار بموجبه فتحاويو غزة ممثليهم في اللجنة المركزية والمجلس الثوري".

بينما ذكر مصدر فضل عدم الكشف عن اسمه، أن "قيادات كبيرة في غزة وخارجها كانت قد أعدت بيان المقاطعة للمؤتمر، ما لم تحضر غزة، لولا أن تداركت المؤتمر رحمة الله".

ومع إعلان نتائج المؤتمر فيما يخص اللجنة المركزية والمجلس الثوري يوم السبت، يبقى للمعترضين على النتائج أنها لم تعلن بالتزامن، وما شاب الانتخابات من بطء في التصويت وغير ذلك من خلل لوجستي متكرر على أكثر من صعيد، كإعادة فرز صناديق الثوري بعد أن بدأت بساعات. ولكن هذا لا يغير من طبيعة ما يخلص إليه الفتحاويون المنسجمون مع نتائج المؤتمر وفكرة انعقاده أصلا في ظروف شديدة التعقيد، "بأن فتح انتصرت على ترهلها وسنوات ضياعها، وفقدان تأثيرها، وانتقال المراهنة من نجاح المؤتمر العام السادس، إلى قدرة الحائزين على ثقة الكوادر الفتحاوية، من تحقيق برامج الحركة وتطويرها وتحقيق انسجام مع القواعد الفتحاوية وإيجاد طريقة لتوحيد شطري الوطن".

دحلان وحماس:

بدورنا استطلعنا آراء الكثيرين من أعضاء حركة فتح الذين يتبعون جغرافية قطاع غزة، والذين قال أحدهم: "لا خير في المؤتمر ولا القيادة الجديدة ما لم تستطع رد غزة إلى الشرعية الفلسطينية والأولوية للحوار، وإلا فإن كل الخيارات يجب أن تبقى مفتوحة وعلى هذا صمدنا في وجه الانقلاب والانقلابيين، وقاومنا محاولات الاجتثاث التي تعمل من خلالها حركة حماس للقضاء على فتح في قطاع غزة، كما تفعل وتحاول قوات الاحتلال الأمريكي في العراق عندما سنت قانون اجتثاث البعث، فحماس تحاول اجتثاثنا من جذورنا وتعاملنا كحزب سياسي محظور".

وأضاف مسترسلا "إن المرحلة تحتاج لرجل مثل محمد دحلان الذي يعرف كيف يتعامل مع حماس، وكل غزة اختارت (أبو فادي) لأنه يملك مفاتيح المعرفة بغزة ولديه أفكار للتعامل مع حماس كي نتخلص من الذل الذي نعيش فيه".

دحلان الذي عاد إلى دائرة صناعة القرار الفلسطيني من خلال عضويته في اللجنة المركزية لحركة فتح، يصفه المراقبون بأنه الأكثر فهما لحركة حماس والأكثر استعدادا للمضي قدما على طريق استعادة غزة، بصفته كان عنوان الخصومة بين الفصيلين الكبيرين، قبل أن تشمل الخصومة كل الفتحاويين في القطاع، الذين وجدوا أنفسهم في موقع المواجهة مع حماس بعد أن ابتلعوا طعم حماس بأن خصومتها مع تيار بعينه في حركة فتح.

ويعتبر دحلان من أكثر المسؤولين الذين حملتهم قيادات أخرى مسؤولية ضياع غزة، ولكنه دافع عن نفسه في كلمة مطولة في اليوم الرابع للمؤتمر قائلا "تحملت خلال العامين الماضيين ما لم تحتمله الجبال.. اسمعوا منا ولا تسمعوا عنا" وقد قوطعت كلمته بتصفيق حاد لخمس مرات، وفاز بالمركز العاشر بعد أن منحته الضفة الغربية أصواتها بما يغنيه عن أصوات قطاع غزة التي تمكنه من النجاح في الانتخابات.

يقول مقرب من دحلان "إن المؤتمر أنصف الأخ محمد دحلان بشكل مذهل ورفع عنه كل اللوم في سقوط غزة وأثبت أنه قادر على التأثير في الفتحاويين، ولديه مقومات الكاريزما والقيادة المطلوبة مع القوة في طرح رأيه أمام الجميع وهذا ما أنجح دحلان في المؤتمر وجذب أصوات له من داخل الضفة أكثر من القطاع ومن الخارج بما يوازي ما أخذه من غزة إلا قليلا".

وعن رؤيته لمحمد دحلان في المرحلة القادمة قال "إنه قد تغير واستفاد من تجربة الانقلاب بتمييز الصالح من الطالح، وعرف رجاله وصار يعتمد على لغة سياسية أكثر وضوحا، وبات أقل اندفاعا، ولديه قراءات سياسية تنمي من موهبته على فهم الناس والمجتمع وإدارة المواقف السياسية الصعبة، وهو قريب من كوادر غزة طيلة الفترة التي مضت، ولا يرى أفقا للعمل السياسي دون حضور غزة وهذا هو المطلوب".

يبقى القول أن الكثير من المراهنات على فشل المؤتمر العام السادس لحركة فتح قد ذهبت أدراج الرياح، وبات حركة فتح آب 2009م، متخلفة تماما عن فتح تموز 2009م، ما يعني أن حراكا قويا "على صعيد التنظيم وإدارة السلطة، ورد غزة إلى بيت الطاعة الوطني بقرار فلسطيني داخلي، وحماية المشروع التحرري الفلسطيني، من العبث الإقليمي والدولي، هو معيار نجاعة حركة فتح في مسؤوليتها الجديدة" كما يقول قيادي فتحاوي، وهو ما يترقبه الجميع، وتحمله الأيام في بطنها.