وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

14 آذار الفلسطيني.. ماذا عن استخلاص العبر ؟/ بقلم :ماجد عزام *

نشر بتاريخ: 26/03/2006 ( آخر تحديث: 26/03/2006 الساعة: 15:25 )
يفترض أن يمثل يوم الرابع عشر من آذار 2006 نقطة مفصلية و حاسمة ليس فقط في تاريخ و مسيرة السلطة الوطنية الفلسطينية و بل في المسيرة الوطنية الفلسطينية بشكل عام، يفترض أن تجرى مراجعات جذرية و جادة و قراءات معمقة لأحداث الثلاثاء الماضي ليس فقط من زاوية تحليل و فهم ما جرى على أهمية هذا الأمر و إنما من زاوية استخلاص العبر و الاستنتاجات الكفيلة بالرد على جريمة أريحا البشعة و هذا الاستعراض البشع للقوة من قبل الجيش الإسرائيلي .

يمكن القول بالطبع أن العملية الجريمة في أريحا استهدفت تحقيق مكاسب سياسية و حزبية داخلية لصالح كاديما على أعتاب الانتخابات العامة الوشيكة و هذا المنطق على صحته و صوابيته يجب ألا يحجب الأهداف و الدلالات السياسية و ذات الطابع الاستراتيجي للجريمة الإسرائيلية و التي بدونها لا تستقيم الرؤية و لا يصح التقييم وصولا إلى التحديد الدقيق للاستنتاجات التي يجب أن تترجم في أساليب عمل سياسية و تنظيمية و ميدانية من قبل الجمهور الفلسطيني و قياداته السياسية و الحزبية.

برأيي أن هذا الاستخدام الزائد و المكثف و الفظ للقوه من قبل الاحتلال الإسرائيلي يشير إلى مرحلة جديدة أو نظرة إسرائيلية جديدة في التعاطي مع التطورات الأخيرة على الساحة الفلسطينية يمكن نفهم السعي الإسرائيلي إلى توجيه رسالة قاسية إلى الشعب الفلسطيني و عقابه على طبيعة و نمط تصويته في الانتخابات التشريعية الماضية و التي أدت إلى انتصار ساحق لحركة حماس، يمكن إدراج جريمة أريحا ضمن السياق الإسرائيلي العام المهووس بالرد على انتصار حماس و بداية مسيرة قيادتها للمشروع الوطني الفلسطيني غير أن الجريمة تستبطن و تدلل على أمور أبعد من ذلك بكثير .

إنها تؤسس لنظرة جديدة تجاه السلطة الفلسطينية و حتى ما قبل 14 آذار و لم تكن ثمة رؤى أو قناعات إسرائيلية تتخيل فكرة انهيار السلطة الفلسطينية و بالتالي دخول الساحة السياسية الفلسطينية نحو المجهول غير أن جريمة أريحا تظهر أن إسرائيل لم تعد تخشى هذا السيناريو و لا تتخوف من انهيار السلطة بكل ما يعنيه ذلك من تداعيات سياسية و أمنية اقتصادية ليس فقط على إسرائيل و إنما على المنطقة ككل، ما يشجع المنحى السابق هو الكم الكبير من التصريحات الإسرائيلية حول المضي قدما في الخيارات و السياسات الأحادية بغض النظر عما يجري في في الجانب الفلسطيني و سواء حكمت حماس أو فتح و سواء انصاعت حماس للشروط الدولية الإسرائيلية أو لم تنصاع ثمة شيء آخر يعزز النظرية الإسرائيلية السابقة و هو المخططات التي وضعها جيش الاحتلال منذ شهور سابقة- وطبعا قبل انتصار حماس- و التي تشير الى حدود دولية مع قطاع غزة و إلقاء مسؤولية هذا الأخير نحو الجانب المصري مع تنفيذ انسحابات أحادية في الضفة الغربية وفق المصلحة الإسرائيلية حتى لو كان الثمن إعادة الاحتلال المباشر بكل مل تعنيه الكلمة من معنى لما يتبقى من الضفة تحت السيطرة الفلسطينية أو حتى الاستعانة بالأردن لفرض سيطرة على تلك الأراضي ضمن أي مسمى أو إطار للحل سواء أكان ذلك فيدرالية أو كونفدرالية أو إلغاء لقانون فك الارتباط الإداري و القانوني عن الضفة الذي اتخذته السلطات الأردنية في العام 1989 بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى.

جريمة أريحا يجب أن تفهم كرد على بؤس و عدمية من يطالبون حماس و الحكومة القادمة بالاعتراف بإسرائيل و بالاتفاقيات و الالتزامات السابقة التي وقعتها سواء مع منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية فهاهي حكومة أولمرت تتنكر و قد تضرب عرض الحائط بكل الالتزامات و الاتفاقيات و هاهي تهين و تذل بشكل مقصود و متعمد السلطة و رموزها و رجالاتها و مؤسساتها.

يجب أن يكف المتحدثون سواء المحليون أو الدوليون عن مطالبة حماس بالاعتراف بالاتفاقيات و بإسرائيل بعدما تخلت هذه الأخيرة عن أي شراكة مع السلطة الفلسطينية و باتت أسيرة للخطوات و السياسيات الأحادية التي تستند إلى المصالح الإسرائيلية غير المتناهية و بغض النظر عن الحقوق و المصالح الفلسطينية .

جريمة أريحا و بما تضمنته من تواطؤ أمريكي و بريطاني فاضح مع إسرائيل و تصرفاتها و بما تركته من تداعيات على السلطة الفلسطينية بما في ذلك احتمالات سقوطها و انهيارها تظهر أن الفوضى البناءة قد وصلت أو في طريقها الى الوصول الى فلسطين المحتلة.

أمريكا و بعد التعثر في العراق،سوريا، و لبنان تهرب الى الأمام و بعد فشل و تعثر فكرة و نظرية الفوضى البناءة في المناطق السابقة لا تمانع أميركا من نقلها الى فلسطين طالما أن ذلك يرضي الجبروت و الحلم التوسعي و الاستعماري الإسرائيلي بغض النظر عن التداعيات المستقبلية ليس فقط على الاحتلال الإسرائيلي و إنما على السياسات و المصالح الأميركية في المنطقة.

المعطيات و الأمور السابقة يجب أن لا تغيب عن العقل السياسي الفلسطيني عند مناقشة جريمة أريحا غير أن السؤال الأصعب الذي يختزل كل ما سبق هو ماذا عن مستقبل السلطة الفلسطينية و هل ما زالت هذه ضرورة وطنية و جسرا نحو الدولة المستقلة كاملة السيادة أم تحولت الى عبء و طني و عائق يحول دون الانخراط في حرب التحرير بكل ما يملكه الشعب الفلسطيني من إمكانيات و نقاط قوة.

يجب أن تدار الحوارات على هذه الأرضية و مع كل الاحترام للحكومة القادمة و مهامها إلا أن هذه ليست قادرة و لا تملك الإمكانيات و الشروط للحسم في هذه القضية الحساسة و بالغة الخطورة و يجب الشروع فورا في حوار وطني موسع و جاد لمناقشة السؤال السابق و لمناقشة كيفية إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية لكي تتولى هي الحسم في القضايا الصعبة و المصيرية.

و يجب الانتباه إلى ما يطرحه البعض من رموز أوسلو و السلطة المنهارة فهم يدعون و يطالبون بحل السلطة على أن يظلوا ممسكين بمقاليد الأمور في منظمة التحرير الفلسطينية بوضعها الحالي المنهار و المتداعي ايضا و غير المعبر عن المزاج الشعبي الفلسطيني و لا عن الخارطة السياسية و الحزبية بنسختها المعاصرة و المستجدة و إذا ما تم التوافق على حل السلطة فان ذلك يرتبط تماما بتحمل المسؤولية عن أخطاء و خطايا المرحلة الماضية و المضي قدما نحو بناء منظمة التحرير وفق أسس متينة تستجيب للتحديات الراهنة و تعبر عن المزاج الشعبي الفلسطيني و موازين القوى السياسية و الحزبية على الساحة الفلسطينية و التي كشفت الانتخابات التشريعية الماضية عن معالمها الرئيسية، أو على الأقل عن الخطوط العريضة للخارطة السياسية و الحزبية في القرن الواحد و العشرين.

* مدير مركز شرق المتوسط للصحافة و الإعلام - بيروت