|
لماذا جاءت الحكومة الفلسطينية «خضراء» خالصة؟/ بقلم :مـاجد عـزام*
نشر بتاريخ: 29/03/2006 ( آخر تحديث: 29/03/2006 الساعة: 17:32 )
على رغم التوقعات المتفائلة والرغبة الشعبية العارمة في رؤية حكومة وحدة وطنية أو ائتلاف وطني بزعامة حركة «حماس» لقيادة السلطة الفلسطينية في المرحلة المقبلة، جاءت التشكيلة التي قدمها رئيس الوزراء المكلف اسماعيل هنية الى الرئيس محمود عباس جاءت «خضراء» خالصة. اذ إن غالبية الوزراء من أعضاء «حماس»، أما المستقلون فمنهم القريبون من الحركة أو ممن هم على علاقة وثيقة بها ويشاطرونها النظرة والتصور تجاه كثير من القضايا المطروحة على الساحة الفلسطينية. لماذا جاءت حكومة هنية «حمساوية» خالصة، ولماذا رفضت الكتل والتنظيمات السياسية المشاركة فيها على رغم البرنامج السياسي الفضفاض والعام - والغامض بعض الشيء - الذي قدمته «حماس»؟ قبل الاجابة عن هذا السؤال المفصلي لفهم ما جرى في فلسطين أخيراً، لا بد من اعادة التذكير بالخيارات التي طرحتها «حماس» بعد فوزها الساحق في الانتخابات التشريعية، وهي خيارات تتعلق برؤيتها الى الحكومة التي تود تشكيلها. وبحسب التصريحات الصادرة عن قادة الحركة، فإن الخيار الأول تمثل في تشكيل حكومة وحدة وطنية مع «فتح» وبقية التنظيمات الفلسطينية، فيما تمثل الخيار الثاني في حكومة وحدة وطنية تضم الى «حماس» الكتل اليسارية والمستقلة الممثلة في المجلس التشريعي. ومن الطبيعي أن يكون الخيار الثالث حكومة «حمساوية» بمشاركة شخصيات وطنية مستقلة من خارج المجلس التشريعي. وكان واضحاً أن حركة «فتح» حسمت خيارها منذ صباح اليوم التالي للانتخابات بعدم المشاركة في حكومة وحدة وطنية مع «حماس»، وركزت على ايجاد ذرائع لتبرير هذا القرار أمام الشارع الفلسطيني الذي أشارت استطلاعات الرأي الى ان غالبيته الساحقة تؤيد خيار حكومة الوحدة الوطنية. وبدا التيار المؤيد لحكومة الوحدة داخل «فتح» ضعيفاً ومعزولاً أمام العصف الاعلامي للتيار المعارض الزاعم أن الأولوية يجب أن تكون لترتيب البيت «الفتحاوي» الداخلي والتحضير لعقد المؤتمر السادس للحركة، الذي تأخر عن موعده عشرة أعوام تقريباً، لتشكيل قيادة وأطر تنظيمية جديدة تأخذ على عاتقها تحديد السبل والأساليب الواجب اتباعها للخروج من الوضع المتردي الذي تعانيه الحركة على مستويات مختلفة. وبعيداً من الأوضاع الداخلية والتنظيمية، بدا أن التيار المعارض لخيار حكومة الوحدة يراهن على عجز «حماس» عن الصمود أمام الضغوط الاسرائيلية والدولية الهائلة لتطويع الحركة وإضعافها وإجبارها على التخلي عن برنامجها ورؤاها السياسية وإظهارها في مظهر العاجز عن حل المشكلات التي يعانيها الشارع الفلسطيني اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً. ويعتقد هذا التيار بأن فترة صمود «حماس» لن تتعدى ثلاثة الى ستة شهور تصبح بعدها الظروف مهيأة إما للمشاركة في الحكومة بشروط «فتح»، أو بالذهاب الى انتخابات مبكرة بعدما تكون الأرضية مهيأة لتحقيق انتصار، ولو جزئي، عبر تعديل النظام الانتخابي واتباع نظام القوائم أو النظام النسبي في شكل كامل، الأمر الذي يتيح لـ «فتح» تشكيل حكومة بالتحالف مع اليسار والمستقلين حتى ولو لم تنل منفردة غالبية المقاعد في المجلس التشريعي. وتنبغي الاشارة هنا الى أن ضغوطاً خارجية، بخاصة أميركية، مورست على «فتح» للامتناع عن المشاركة في حكومة «حماس» وترك الأخيرة وحيدة في مواجهة الضغوط الاسرائيلية والدولية، تحت طائلة التهديد بمحاصرة «فتح» وعزلها. في ضوء هذه المعطيات السابقة كان منطقياً أن تمتنع «فتح» عن المشاركة في الحكومة، ما يعني انتقال «حماس» الى الخيار الثاني، وهو تشكيل حكومة وحدة وطنية من دون «فتح» وبمشاركة الكتل اليسارية والمستقلة الممثلة في المجلس التشريعي. منذ اللحظة الأولى للمفاوضات اتضح أن المسافة شاسعة بين «حماس» وكتلتي «بديل» اليسارية و «الطريق الثالث» المستقلة. وبدت الجهود منصبة نحو «كتلة الشهيد أبو علي مصطفى» (الجبهة الشعبية) و «فلسطين المستقلة» (المبادرة الوطنية) بزعامة مصطفى البرغوثي. وبدا هذا الأخير مغالياً في طلباته وشروطه، اذ تردد أنه طالب بحقيبة الخارجية، علماً أن كتلته ممثلة في المجلس التشريعي بنائبين فقط. كما أن ضغوطاً جدية، أميركية وأوروبية، مورست عليه لمنعه من المشاركة في حكومة «حماس». غير أن الأمر الذي أثار التباساً وجدلاً هو موقف «الجبهة الشعبية» والأسباب الحقيقية لرفضها المشاركة في حكومة وحدة وطنية. فقد برر عضو المكتب السياسي للجبهة جميل المجدلاوي في تصريح الى صحيفة «الحياة» موقف الجبهة برفض «حماس» البند الذي يشير الى منظمة التحرير بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، على رغم أن الحركة أدرجت بنداً في البرنامج الائتلافي الذي قدمته الى الجبهة ينص على: «تؤكد الحكومة ما تم الاتفاق عليه بين الفصائل في حوار القاهرة في مارس (آذار) 2005 حول موضوع منظمة التحرير وتؤكد ضرورة الاسراع في تنفيذ الاجراءات اللازمة لذلك». ومعلوم أن اتفاق القاهرة تحدث عن اعادة بناء منظمة التحرير للقيام بدورها الطبيعي كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وتشكيل لجنة من الأمناء العامين للفصائل وشخصيات وطنية معتبرة للنظر في الآليات الكفيلة بإعادة البناء على أسس وطنية سليمة، وهو الأمر الذي لم يتم لأن رئاسة اللجنة نيطت برئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة وبالتنسيق التام مع رئيس المجلس الوطني. وحتى ما قبل 25 كانون الثاني (يناير) الماضي، تاريخ اجراء الانتخابات التشريعية، لم تكن هناك مصلحة، لا لحركة «فتح» ولا للسلطة الوطنية، بإعادة بناء منظمة التحرير على أسس سليمة. وبناء على ما سبق، فإن البند المتعلق بمنظمة التحرير لم يكن سبب رفض «الجبهة الشعبية» على رغم التنازلات التي قدمتها «حماس» واستعدادها لمنح الجبهة بين ثلاثة وأربعة مقاعد وزارية. والحقيقة أن الجبهة، صاحبة التاريخ الوطني الطويل، افتقرت الى الشجاعة الاستثنائية للمشاركة، كما أن ثمة سبباً نفسياً ساهم في قرارها يتمثل في الابتعاد السيكولوجي عن «حماس» وعدم الاستعداد الذهني والنفسي للدخول معها في حكومة وحدة من دون الشركاء التاريخيين للجبهة مثل «فتح» و «الجبهة الديموقراطية». للإنصاف، ولكي تكون الصورة مكتملة، تجب الاشارة الى وجود تيار داخل «حماس» يرفض الشراكة مع أي من الفصائل الأخرى بما فيها «فتح»، ويعتقد بأن نتيجة الانتخابات، كما امكانات «حماس» البشرية والتنظيمية، تسمح لها بتشكيل الحكومة وحدها من دون الاعتماد على أي حزب أو فصيل آخر، على رغم أن التيار الغالب في الحركة بقي مصراً على تشكيل حكومة وحدة وطنية، لأن الأعباء ثقيلة والضغوط هائلة، ما يقتضي تأمين أكبر اصطفاف وطني ممكن في مواجهتها. وهذا الأمر الذي لم يتم فقر الرأي على الخيار الأخير وتشكيل حكومة «حماسوية» خالصة تقبل التحدي وتجتهد لوضع الحلول للأزمات المستعصية التي يعانيها الشعب الفلسطيني الذي يبدو، كعادته، أكثر نضجاً من قادته وأحزابه. مدير مركز شرق المتوسط للصحافة والإعلام - بيروت |