وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

هل يخطف التشكيلي المصري منصب المدير العام لمنظمة اليونسكو؟

نشر بتاريخ: 14/09/2009 ( آخر تحديث: 15/09/2009 الساعة: 07:54 )
باريس - معا - كتب احمد داري - تتجه الأنظار اليوم إلى باريس التي تحتضن مقر منظمة اليونسكو أمام اقتراب استحقاق انتخابات المدير العام الجديد للمنظمة والمقرر ان تكون جولتها الاولى يوم الخميس17 سبتمبر الجاري، في معركة تستحوذ على اهتمام سياسي وإعلامي إقليمي ودولي، باعتبار اليونسكو أهم مؤسسات الأمم المتحدة المعنية بالثقافة والعلوم والتربية.

المجلس التنفيذي للمنظمة والمكون من 58 دولة عضو سيقوم عبر التصويت السري بحسم المعركة تجاه ثمانية مرشحين لهذا المنصب الهام، منهم المرشح العربي د. فاروق حسني وزير الثقافة المصري.

تعاقب منذ العام 1946 تاريخ تأسيس المنظمة على إدارة اليونسكو تسعة مدراء عامين: البريطاني جوليان هكسلي 1946، المكسيكي خايمي توريس بوديت1948، الامريكي جون و. تايلور1952، الامريكي لوثر إيفانز1953، الايطالي فيتوريو فيرونيزي1958، الفرنسي رينيه ماهيو1961، السنغالي أحمد مختار امبو1974، الاسباني فيديريكو مايور1987، واخيرا ومنذ العام 1999 الياباني كويشيرو ماتسورا.

العرب وهم أعضاء مؤسسون في هذه المنظمة (مصر، لبنان والسعودية) الوحيدون الذين لم يأخذوا فرصتهم في إدارتها وقد تناوب عليها معظم المجموعات الإقليمية الأخرى، علماً بأن العديد من الشخصيات العربية ترشحت لهذا المنصب ولم يحالفها الحظ وكان آخرها في انتخابات العام 1999 عندما ترشح د. غازي القصيبي من المملكة العربية السعودية.

ولدت فكرة تأسيس اليونسكو في خضم الحرب العالمية الثانية، ومنذ العام 1942 بادرت مجموعة من حكومات البلدان الأوروبية التي كانت تواجه ألمانيا النازية وحلفاءها إلى عقد اجتماع لها في انجلترا ضمن إطار مؤتمر وزراء الحلفاء للتربية، كان السؤال المطروح لتلك الدول آن ذاك، كيف لها أن تعيد بناء النظام التعليمي بعد انتهاء الحرب، وسرعان ما تتطور المشروع واتخذ بعداً عالمياً مما دفع حكومات جديدة، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، إلى المشاركة فيه، وبناءً عليه وفي العام 1945 فور انتهاء الحرب العالمية الثانية، اقترح وزراء الحلفاء للتربية عقد مؤتمر في لندن للأمم المتحدة يسعى لإنشاء منظمة تعنى بالتربية والثقافة، فانطلقت اليونسكو في العام 1946 بعضوية 37 دولة لتصل اليوم إلى 193 دولة عضو بالإضافة إلى مجموعة من الدول والمنظمات الدولية والإقليمية التي تتمتع بصفة عضو مراقب ومنها فلسطين التي حظيت بهذه الصفة منذ العام 1989.

أسئلة كثيرة تطرح اليوم حول تولي عربي إدارة منظمة اليونسكو، ولم لا والعرب من الدول الفاعلة والداعمة والمؤسسة في المنظمة. من الناحية القانونية يحق لأي دولة عضو أن تتقدم بمرشحها لهذا المنصب وعلى المجلس التنفيذي المؤلف من 58 عضو الإشراف على عملية التصويت وانتخاب المدير العام، للدول العربية في الدورة الحالية للمجلس 7 مقاعد، والمرشحون لهذا المنصب ثمانية بعد انسحاب السيد محمد البيجاوي من الجزائر والذي تقدمت كمبوديا بترشيحه.

الثمانية المرشحون هم السيدة أنا مارشيوليونيته (ليتوانيا)، السيدة إيرينا جيرجويفا بوكوفا (بلغاريا)، فاروق حسني (مصر)، سوسبيتر مويجاروبي موهونجو(تنزانيا)، ألكسندر فلاديميروفيش ياكوفينكو (روسيا)، السيدة إيفون خويس عبد الباقي (الأكوادور)، السيدة بينيتا فيريرو- فالدنر (النمسا)، نورعيني تيجاني سيربوس (البنين)، تبدأ عملية التصويت السري يوم الخميس 17 أيلول (سبتمبر) للجولة الأولى وعلى المرشح إحراز 30 صوت (النصف+1) للتأهل للجولة الثانية في اليوم التالي، وبنفس الطريقة سيكون هناك جولة ثالثة ورابعة وخامسة إن اقتضى الأمر على أن يتم حسم الانتخاب ومعرفة الفائز يوم الاثنين 21 أيلول (سبتمبر)الجاري.

عوامل عدة تتحكم بحظوظ المرشح لمنصب المدير العام للمنظمة وتتلخص بأكثر من معيار، الأول يعتمد على اسم المرشح كشخصية بارزة على المستوى الدولي ولها مصداقيتها وانجازاتها على المستوى المؤسساتي في المجال الثقافي، العلمي، التربوي أو الإنساني كما كان في انتخاب فيدريكو مايور الاسباني، الوزير والشاعر والباحث البيولوجي، المعيار الثاني أن يكون ممن عملوا في اليونسكو حيث فهموا المنظمة واثبتوا كفاءة وجدارة من خلال انجازاتهم وهذا ما كان مع الايطالي فيتوريو فيرونيزي الذي شغل منصب رئيس للمجلس التنفيذي قبل توليه إدارة المنظمة وكان متمكنا وخبيرا بطريقة عمل المنظمة، أما المعيار الأخير يعتمد تقدم الدول بمرشحيها مؤكدة دعمها وتوظيف إمكاناتها وعلاقاتها من اجل المنظمة، وهنا يعتمد المرشح على قوة دولته، وبرز هذا المعيار مع الياباني كواتشيرو ماتسورا الذي شغل العديد من المناصب الحكومية وكان آخرها تعيينه سفيرا لليابان في فرنسا، إلا أن ماتسورا قد دخل باستحقاق هام في مشروعه الانتخابي، فبغض النظر عن المشاريع الكلاسيكية للمرشحين من محاربة محو الأمية وإرساء ثقافة السلام بين الشعوب ودعم قطاعات الشباب ومحاربة الفقر وعمالة الاطفال ودعم التنمية ..الخ.

جاء ماتسورا وبدعم دولته اليابان للعمل على إعادة الولايات المتحدة الأمريكية للمنظمة التي كانت قد انسحبت من اليونسكو في العام 1985 لأسباب عدة منها خلاف بشأن إدارة المنظمة وهيمنة الاتحاد السوفييتي آن ذاك، مما أدى إلى انخفاض كبير في ميزانية المنظمة، وقد حاول مايور أثناء إدارته لليونسكو جاهداً إعادة الولايات المتحدة لكنه فشل في ذلك، ومن المعروف أن انسحاب أي دولة عضو من المنظمة يقتضي عليها حين عودتها دفع مساهماتها المالية طيلة فترة غيابها، وهذا ما فعلته الولايات المتحدة حين عادت إلى اليونسكو العام 2001 والذي أدى إلى انتعاش المنظمة التي كانت تعاني من قلة الإمكانات وعجز في موازناتها.

أمام هذه المعايير أين يقف المرشح العربي اليوم؟ في حملته الانتخابية، تناول السيد فاروق حسني، الفنان التشكيلي والوزير، أهم الانجازات التي تحققت في عهده اثناء شغله منصب وزير الثقافة منذ 20 عاما، ، كبناء مكتبة الإسكندرية وترميم العديد من المعالم الأثرية كمنطقة الأهرامات بالجيرة ومعبد الأقصر بأسوان والمنطقة الأثرية بوادي الملوك والبدء بترميم منطقة القاهرة التاريخية ..الخ، وتؤكد مصر في حال فوز مرشحها نيتها توظيف كافة علاقاتها الدولية وإمكاناتها للعمل من اجل توفير الدعم لبرامج المنظمة، انطلاقا من اهمية موقعها الاستراتيجي ودورها الفعال ضمن العديد من المجموعات الإقليمية التي تنتمي إليها وقدرة تأثيرها عليها، كالمجموعة العربية، الافريقية، الفرانكوفونية والمتوسطية. على هذا الأساس تسعى مصر والمجموعة العربية لدى اليونسكو ومنذ بدء الحملة الانتخابية للعمل على استقطاب الدول الأعضاء في المجلس ودفعهم نحو التصويت للمرشح العربي، عدة دول قدمت وعودا منها الشفوي ومنها الخطي لمصر معلنة نيتها التصويت للسيد فاروق حسني الذي تعرض في نفس الوقت إلى عدة حملات رافضة ترشحه لهذا المنصب أهمها حملة مجموعة من الأوساط الثقافية الفرنسية المعروفة بتأييدها لإسرائيل واتهام فاروق حسني كمعاد للسامية.

اختبار صعب وحسابات معقدة تتطلب الكثير من الجهد الدبلوماسي العربي عموما والمصري خصوصا وعلى اعلى المستويات للحصول على تأييد اغلبية الدول الأعضاء بالمجلس.

المرحلة الأصعب هي انتقال المرشح العربي إلى الجولة الثانية من التصويت وهنا ستبدأ المواقف بالتطور وسيكون من الأسهل على المرشح العربي حسم معركة استحقاق منصب مدير عام اليونسكو.