وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

فريق وادي النيص: من رحم المعاناة يصنع المعجزات ويكتب التاريخ

نشر بتاريخ: 15/09/2009 ( آخر تحديث: 15/09/2009 الساعة: 21:08 )
بيت لحم - معا - محمد ابو عرام - حينما تحدث السفير الروسي لدى السلطة الوطنية الفلسطينية كوزولوف، في مقابلة صحافية عن فريق وادي النيص عشية لقاء المنتخب الفلسطيني أمام منتخب الشيشان، أبدى إعجابه بفريق وادي النيص وقدم مقترحا ووعد بترويجه يتضمن إقامة مباراة كروية بين فريق وادي النيص الذي ينتمي إلى مجمع سكاني (قرية) تعداده 800 نسمة مع منتخب الصين التي يبلغ عدد سكانها 1.5 بليون نسمة، ولم يأت هذا المقترح من قبيل الصدفة أو المجاملة، فالسفير الروسي تحدث وخص في حديثه فريق وادي النيص بعد متابعته لعروضه الكروية ولإنجازاته والبطولات التي حققها، خاصة بطولة الدوري في سنوات قليلة من عمره الفتي.

وفريق وادي النيص يتسابق الإعلاميون في التفنن بالإطراء به وبلاعبيه وبألقابه التي عادة ما ينتزعها من "فم الأسد"، لذا فإنه حالة رياضية فريدة من نوعها لم تعهدها الحركة الرياضية الفلسطينية، ولا شك أنه أصبح يلقب بـ"فريق المعجزات" وأصبح اسمه لامعا شامخا شموخ جبال خليل الرحمن وبيت لحم.

إن قرية وادي النيص التي تقع جنوب غرب محافظة بيت لحم، تحيط بها كروم العنب وطموحات الأبناء ودعوات الأمهات، والآن أصبحت قرية وادي النيص علماً بارزاً في خريطة الكرة الفلسطينية.

حدث تاريخي
بعد حصولهم على كأس فلسطيني العام 2000 راهن الكثير على أن العمر الزمني لهذا الفريق لن يتجاوز الأربع سنوات، لكن الأرض والواقع أثبت غير ذلك.
فمنذ ذلك التاريخ تربع الفريق على عرش الكرة الفلسطينية بجدارة واستحقاق، وفرخت القرية الصغيرة لاعبين موهوبين جددا بعد اعتزال الكبار.
فرسان وادي النيص أبوا إلا أن يجمعوا المجد من أطرافه ويواصلوا حصد البطولات والألقاب، فبعد تتويجهم بلقب الدوري، صمموا على زف كأس فلسطين إلى قريتهم الصغيرة وإيداعه في خزائنهم الزاخرة بالألقاب والبطولات، وحققوا مبتغاهم وحلمهم في آخر يوم من شهر تموز الماضي، بعد فوزهم على شباب الخليل "عميد الأندية" في نهائي كأس فلسطيني بالركلات الترجيحية.

في هذا اليوم الذي كان بمثابة ليلة كروية من مئة ليلة وليله... وفرحة معمقة. وقد رافقتهم طوابير من السيارات والحافلات إلى مشارف القرية...عندها هللت نساء وادي النيص وزغردن وهزجن بالأغاني والأناشيد الوطنية.

فقد رفع الشباب رايات النصر والفخر والاعتزاز وبدت قاماتهم ناطحات سحاب من عمارات أساسها الأرض الطيبة...ونثرن الورود والرياحين فانتشى كل من حولهم برائحة الفوز والفخار...
هكذا عاشت القرية الصغيرة في جنوب بيت لحم اليوم الأخير من شهر تموز (يوليو) الماضي عقب تتويج فريقها الكروي بلقب كأس فلسطين للمرة الثالثة وحصول نجمهم الفذ وهدافهم البارع سعيد السباخي بلقب هداف البطولة بجدارة واستحقاق.


نبذة عن القرية
تقع قرية وادي النيص إلى الجنوب من محافظة بيت لحم بمسافة 10 كم تقريبا، بلغ عدد سكان القرية عام 2008 (831 نسمة) تقريبا وتقدر مساحتها 451 دونما، فيها مدرسة إعدادية ومركز طبي وجمعية خيرية ومصنعان للحجر (منشار)، حيث يعمل فيهما ربع الفئة العاملة، والبقية الأخرى داخل الأراضي المحتلة، لم تعرف القرية من الرياضات سوى كرة القدم والكرة الطائرة، حيث تابع سكان القرية كرة القدم وأصبحوا يملكون فريقا من أعرق الفرق الفلسطينية.

أما بخصوص تسميتها بهذا الاسم، فالسبب يعود إلى وجود وادٍ عند مدخل القرية يكثر فيه حيوان النيص والذي كان يعيش في وديان وجبال هذه القرية.


فريق وادي النيص
تأسس نادي وادي النيص الرياضي لكرة القدم عام 1984، وتم تشكيل إدارة لمتابعة النادي وإدارته والعمل على بنائه بكل ما كان يتوفر من جهد، وسعت بالإمكانات المتاحة والمتواضعة على الاهتمام والتواصل مع فريقها العريق الذي حقق الكثير من الإنجازات منذ أن تأسس النادي، فتم بناء مقر للنادي في عام 1996.
حرصت الإدارة التأسيسية على متابعة تدريبات الفريق الذي يتكون معظم لاعبيه من القرية، إذ أن معظم سكان القرية يعشقون الكرة ويتابعون كل مباراة بكل شغف لفريقهم الذي رفع اسم هذه القرية عاليا وأصبحت مشهورة على الصعيدين المحلي والعالمي.


فريق العائلة الواحدة
فريق وادي النيص يعتبر من أقوى وألمع الفرق التي عرفتها فلسطين، حيث أن أغلب لاعبيه أقرباء من عائلة واحدة، ستة منهم أشقاء وهم محمد وحسن وسميح وعامر وغالب وخضر يوسف أبو حماد، إضافة إلى أبناء أشقائهم توفيق علي، وليد عمر، أما بقية اللاعبين فيوجد بينهم صلة قرابة، فأبناء عمومة يوسف كل من سمير جمال وعيسى عدنان واحمد عدنان، أما أبناء عثمان فهم زيدان وعماد واشرف وفادي وأمجد، كما يضم الفريق ثلاثة أشقاء هم وليد وزياد ويعقوب موسى أبو حماد، كما أن محمد صالح حارس المرمى هو ابن عم الأشقاء إياد ورياض نايف، فالملاحظ أن الفريق يتكون من عائلة واحدة وهي عائلة " أبو حماد "، ويلعب بجوار هؤلاء اللاعبين كل من الهداف البارع سعيد السباخي والنشط معاذ مصطفى.

الفريق يتدرب في ساحة معبدة ويتسلق الجبال بسبب صغر القرية وعدم الاهتمام بها من قبل المؤسسات الحكومية والجمعيات الداعمة في الفترة الماضية التي سبقت تولي اللواء جبريل الرجوب، لا يتوفر في هذه القرية ملعب يتمكن اللاعبون من التدرب عليه، لذا فهم يتدربون في ساحة المدرسة المعبدة ويعتادون على تسلق الجبال لرفع منسوب اللياقة البدنية.

أعمال جارية في الفترة الحالية، في الأرض التي تم شراؤها من قبل إدارة النادي وبدعم مباشر من الحكومة الفلسطينية من أجل تسويتها وتنفيذ المرحلة الأولى من استاد وادي النيص، ويقوم رئيس الاتحاد اللواء جبريل الرجوب بمتابعة هذا الملف بشكل شخصي ومباشر.


الأشقاء الستة وحكايتهم مع البطولات
ستة أشقاء ومدرب ومن خلفهم كتيبة مقاتلين من أبناء الوادي، شكلوا مسيرة ناجحة ومثالا يحذى حذوه، خاصة وأن قرية صغيرة بعدد قاطنيها، وفريقا لا يملك ملعباً للتدريب عليه، تسطر أروع مشاهد الانتصار وتتوج مسيرة كبيرة بإدخال تاج الدوري الغالي وكأس فلسطين الثمين إلى خزائن الفريق بعد حلم لم ينقطع طوال أكثر من 11 عاماً.

مشاهد عظيمة ومؤثرة حملها فوز أبناء وادي النيص بلقب الدوري والكأس، حيث كانت المجازر الإسرائيلية بحق الأهل في غزة قد ألقت بظلالها على مشاهد الفرح والسرور بعد فوزهم ببطولة الدوري، وكانت مشاهد الحزن والفرحة المنقوصة ظاهرة للعيان في بيت عائلة أبو علي التي زخرت وجاد بهم الفريق فحققوا الانجاز وشكلوا معلماً بارزاً لقرية وادي النيص التي أصبحت على كل لسان.

لكن بإصرارهم وعزيمتهم تمكنوا من إعادة البسمة والفرحة وحسب طقوسهم المعتادة بعد نيلهم كأس فلسطين، حيث احتفلوا حتى تباشير الصباح، وما ميز الاحتفال الإضاءة التي أنارت البلدة رغم غياب كل رجال القرية، إلا أن نساءهم كانت حاضرة وجهزت كل شيء...إنارة ...ألعاب نارية...دي جي، وأخذت الشبابة والطبلة دورها، واجتمعت كل نساء القرية وأطلقن الزغاريد.


أم علي والأبناء الستة
قصة الحاجة أم علي والدة الأشقاء الستة الذين يلعبون في الفريق تحتاج الى راوٍ لكتابتها وتدوينها لما لهذه القصة من حكايات وحكايات، تبدأ من لحظة إعلان المباراة والبدء بالاستعداد لها، إلى أن تصل إلى نهاية اللقاء وعودة اللاعبين إلى القرية.

أم علي تحدثت عن طقوسها وأجملتها في أنها تقوم بترتيب شنطة كل لاعب من أبنائها كونها تتعمد في تخصيص خزانة خاصة بمقتنياتهم الرياضية داخل غرفتها، قبل يوم من المباراة وتقوم في الصباح الباكر وتصلي صلاة الصبح وتبدأ دعواتها بالتوفيق والنجاح لفريق وادي النيص.