|
شغب الملاعب وخطأ التكهنات * بقلم: أبو جهاد حجه
نشر بتاريخ: 16/09/2009 ( آخر تحديث: 16/09/2009 الساعة: 19:02 )
رام الله - معا - في الواقع الرياضي الفلسطيني، لا زلت أجزم بأن الشغب الحاصل في الملاعب لم يرق إلى مستوى الظاهرة أو الحالة المستفحلة، بل هو مزيج من المظاهر غير المنضبطة وردات الفعل المشينة التي يلجأ إليها البعض أفراد أو جماعات لأسباب عدة لا يرقى أي منها إلى مستوى المسؤولية المهنية والوطنية والأخلاقية، ولا إلى حجم ألأمانة التي يتحملها الإنسان الفلسطيني تجاه الذات والكل الوطني، وإذا ما كان ألاحتلال الجبري الذي نعيشه قهرا، وما نكتوي به من خلال ممارساته وحواجزه المنتشرة في كل مكان والتي تهدف إلى إغلاق كل منافذ الأمل في وجوهنا، وموروثنا النضالي والأخلاقي والقيمي والديني مسلمات تحسم وتوجب الفرز ما بين الغث سلوكيا من السمين، والمُشٌرف من المعيب والمشين، والعاقل الحكيم من الأحمق الدنيء، فما بال تلك المظاهر المعيبة والمقززة أحيانا تطل برأسها بين الفينة والأخرى وخلال الدوري الفلسطيني المصحوب بآمال وآلام ومطامح كبيرة قبلتها رفع راية الوطن خفاقة في كل المحافل وتقدم وتطور الرياضة الفلسطينية عبر أنبل السبل والوسائل، ومحرابها المقدس الميادين الخصراء المشيدة بالمهج كمنجزات وطنية؟!ولماذا يتجاهلها البعض ويسعى للدفاع عنها وقد يمارسها بالرغم من أن أغلبية جمهوره وتابعيه هم على العكس منها، وبريئون منها براءة الذئب من دم يوسف؟!
من واقع الحدث الرياضي الفلسطيني الملحمي المصحوب بمشاهد اعتزاز وافتخار وإكبار، نرى تلك الحالات، وقد يعزوها البعض بادعاء غياب القرارات والإجراءات الرادعة من قبل الاتحاد والجهات الرياضية المعنية، أو لضعف المشرفين الرياضيين، والى غياب الانتماء ببعده الوطني والثقافة الرياضية بين الجماهير وإلادارات وحتى اللاعبين في ظل تسيد عنجهية الذات ومقت الأخر حد الحقد والغرور، والتعامي عن رؤية ونقل الحقائق بأمانة ومسؤولية لغايات شخصية مقيتة، واستغلال ضعف ومحدودية سلطة النظام والقانون في بعض المواقع لعدم تمكن قوات الأمن من التواجد المطلوب، أو عدم معرفة بعض من رجال الأمن للدور الذي يلعبونه ومحدودية خبراتهم بالتعامل مع هذا الشأن الحساس، وان صح كل ما جاء به الاعتقاد وبنسب متفاوتة، إلا أن دهاقنة الشغب والمصرون على تجاوز الضوابط ليسوا بأقل من مسننات صدئة في طاحونة الاحتلال المتربص، ومقاولو فتنن مجرمة وعربدات مخزية لغايات في نفس يعقوب. لقد انطلق الدوري الفلسطيني العام لهذا الموسم وكالمعتاد تحت اسم مناضل عملاق لا يسيء إلى اسمه وتاريخه ومعاني وجوده الراسخ في الذاكرة الوطنية الفلسطينية إلا جاهل أو حاقد أو مغرض مندس، وإلا كيف نفهم مخالفة ما أعلنه الاتحاد ورئيسه الأخ اللواء جبريل الرجوب جهارا نهارا ووجها لوجه لكل رؤساء الأندية قبل البدء؟! وكذلك ما نشر ووزع من تعاميم رسمية!! وما تنص عليه اللوائح والقوانين المنظمة!! وما فائدة تلك المصالحات والتقاربات والتي قبلت من الاتحاد وشجع أصحابها والمبادرون إليها من قبل الاتحاد ومن واقع الاقتدار والترفع عن الهفوات وعلى هدى "أن دية الذنب عند الكرام اعتذارُ"؟! لنعود ونشهد وتشهد بعض الملاعب بعض من حالات الشغب والخروج السلوكي المعيب والمقزز عن المألوف بين الأنداد والأشقاء المتنافسون وتجاه الأخر بعامة وحتى ضد الذات أحيانا داخل نفس الفريق؟! والانكى من ذلك أننا في شهر رمضان بكل ما يعنيه لكل ذي بصر وبصيرة وضمير نابض ويأبى البعض إلا أن يمعن في غيٌه؟! وأمام بعض المظاهر والحالات التي برزت خلال أسابيع الدوري الثلاث المنقضية وان كانت معدودة على الأصابع، فليس من الصحيح ولا المنطقي أن يعتقد بعض من الرعاع والدهماء إن بمقدورهم تلويث جمالية المشهد الفلسطيني الرياضي المتفرد، وليس من الحكمة أن تفهم الرسائل المقتضبة والحكيمة للاتحاد على أنها منقطعة عن فلسفة ومنهج إذا ما أريد لهما أن يجزا كل الأدران والعوالق النتنة وبقوة النظام والقانون فهناك من معيق، وذلك من حيث أنه ليس لمن يزرع الشوك إلا أن يحصده سما سموما، ومن يطلق العنان لبهائميته بقصد إيذاء الآخرين وقذفهم بشيء مما تختزله كينونته تقرحا وصديدا مسودا لن يصفق له أحد إذا ما جد الجد!، كما أنه من غير الحكمية ولا المقبول أن يفاجئنا البعض ممن هم في دائرة الضوء والمسؤولية على مستوى أندية وفرق رياضية ليعلنوا انضمامهم لقطيع الناعقين بالخراب ومروجي بضاعة الزعرنة والتقريع كالضباع، ومثلما أنه ليس من الرجولة أن تكون رعديدا وشرارة لموبقة بحق الرياضة والأبرياء لتنقلب وبعد لحظات مدعيا لنفسك مظلمة الحسين في كربلاء، فانه ليس بالمقدور أن تجعل من كل تلك الأساليب سبيلا للاختباء أو للتهرب من المسؤولية عن مراكمة الفشل والفقر المتقع لعدم تحقيق النجاح والانجازات للجماهير الموعودة، وليس من المسؤولية أن تعجز عن لجم نفر قد يجرون الفريق بكامله الى الهاوية؟! وبالرغم من كل ذلك، فان مظاهر الشغب والتصابي الحاصلة من البعض لا تعدو عن كونها مسمارا صغيرا في أسفل شسع نعل العملقة والإبداع الرياضي الفلسطيني لا تكاد تذكر أمام تجليات صورة النبل والشموخ التي تطبع سلوكيات الأغلبية الساحقة من إدارات الفرق ولاعبيها وجماهيرها ومختلف أركان اللعبة قبل وأثناء وبعد اللقاءات في الميدان، مؤكدين بذلك أصالة مجتمعنا وقيمه وأخلاقياته الراسخة، والحكمة القاضية بأن الرياضة منظومة أخلاقية حضارية قبل كونها فوز وهزيمة، وهي سلاح فعال في وجه مخططات الاحتلال عبر فلسفتها الرامية لتحقيق التقارب بين البشر وتعزيز الانتماء والوئام على كل المستويات، وليس بمقدور المسؤول الذي يوكل بأمانة مهما كانت سواء أكان "لاعبا أو مدربا أو إداريا أو حكما أو رجل أمن" ويقف عاجزا أمام بعض الموتورين أو يقبل لنفسه أن يكون عنصرا في كينونة تلك المعرة أن يوهم الآخرين بأنه جلاب الانتصارات وجابر العثرات لتابعيه، وإنما سيكتشف حتما وبعد حين أنه سيصبح كالموبوء بأنفلونزا الخنازير أو الجذام. وان كان لنا من رسالة صادقة أمينة لكل المعنيين تجاه مكافحة هذه المظاهر المشينة، فانه من أوجب المهمات علينا جميعا القيام بما هو آت: 1- تكثيف التعبئة والتثقيف الواعي والمسؤول للجماهير لعزل وتعرية عناصر الشغب، وعدم السماح لعناصر الفتن والتأزم الذين يسعون لتدمير عناصر تلاحمنا وأخوتنا الوطنية ولا يودون لرياضتنا التطور والتقدم من النفاذ إلى الصفوف لخلق الفتن والتشنجات حتى نكره بعضنا ونجرح ذاتنا ونشوه أنفسنا. 2- ضرورة قيام الاتحاد بالخطوة التالية بعد أن حذر وأعذر وأنذر وتسامح لإصدار قرارات حازمة في هذا الشأن سواء تجاه الأفراد أو الفرق أو الأندية غير المنضبطة ودون رأفة ولو أنحت منهم الظهور توسلا. 3- تعزيز وجود ودور قوات الأمن المترافق بفهم الدور النظامي المنسجم مع القواعد الخاصة بأمن وسلامة الملاعب والجمهور، وتثمين دورهم الكبير في الحد من انتشار آفة شغب الجماهير ولجمها، وخاصة في حالة المباريات ذات الفرق الجماهيرية او في المباريات الحساسة أو مباريات الديربي، ولابد من تفتيش جميع الذين يدخلون إلى أرضية الملعب والمدرجات دون حساسية أو خجل. 4- تأمين تواجد الطواقم الطبية المجهزة لما لها من أهمية كبيرة في إسعاف المصابين بشكل عام، وضمان السلامة الصحية للمباريات وعند وقوع أي طارئ، والشكر موصول هنا وعلى الدوام لبواسل الهلال الأحمر. 5- تفعيل وتطوير وتغذية وسائل الإعلام واستنهاض دورها وخاصة في توعية الجماهير بالوسائل المختلفة وتعرية مظاهر وحالات الشغب ومقترفيها، وتكثيف اللقاءات والندوات الهادفة في هذا الشأن. وبقدر ما يؤسف لاستمرار البعض في ممارسة هذه المظاهر وسلوكياتها المشينة ودون اعتبار لمصلحة أنديتهم، وخلافا للضوابط النظامية والأخلاقية الرياضية، فإننا ندعو كافة المعنيين بالفرق والأندية وروابط الجماهير لمراجعة التعليمات والضوابط الصادرة عن الاتحاد بشكل مسؤول، واستغلال الفرصة مجددا للمراجعة وعلاج الشوائب التي قد تودي بجهدهم ومجهودات فرقهم إلى الخسران من حيث لا يحتسبوا، وليس لنا في هذا المجال إلا أن نتوجه إلى ربان السفينة الرياضية وضابط الإيقاع الرياضي الوطني الأخ اللواء جبريل الرجوب الذي لا زال مشعلا اللون البرتقالي في وجه هؤلاء أملا في العودة إلى جادة العقل والحكمة والصواب نزولا عند المصلحة الوطنية العليا وقبل فوات ألأوان، خاصة وأن الأغلبية الساحقة من الأسرة الرياضية وأركانها سجلت صفحة مشرقة من الالتزام والضبط المسؤول وعلى قدر الثقة بها، وهي مدعوة لزيادة هذه الوتيرة من موقع الشراكة والمصلحة، والعاقل من يثق بأنه إذا ما رأي نيوب الليث بارزة، فمن الحماقة أن يظن أن الليث يبتسم. |