|
في خيام الإيواء: لا أعياد لهم ولا زينة للنساء
نشر بتاريخ: 22/09/2009 ( آخر تحديث: 23/09/2009 الساعة: 08:15 )
غزة - خاص معا - هذا اليوم يختلف عن غيره، إنه عيد، عيد سعيد، كان من الواجب على أم صهيب أن تصفف شعرها وتكحل عيناها وتملأ البيت أجواء من الفرحة والحبور ورائحة الكعك والفسيخ والبخور، ولكنها كغيرها آلاف النساء الغزيات ستستقبل هذا العيد في خيمة.
قد تفلح بعض محاولاتها في إبعاد الأتربة والغبار عن خلايا خيمتها وأقمشتها وبعض فرشاتها على الأرض، ولكنها لن تفلح في إقناع أبنائها لا سيما الصبايا منهم أن هذا العيد كغيره ويمكن أن يكون في المنزل كما الخيمة ولكن محاولاتها تذهب أدراج الرياح بعد أن يئست الفتيات من إيجاد مكان لا تخترقه أشعة الشمس الصيفية الحارقة وقلة الماء وحقائب الغذاء الجاهز والشوق لبعض الأغذية المنزلية. ثمانية شهور تقضيها آلاف النساء الغزيات إما في خيمة أو ضيفات على أقاربهن بعد ان دمر الاحتلال الإسرائيلي في حربه الأخيرة منازلهن وجعلها أثرا بعد عين، وهذه الضيافة الإجبارية تشعر أكثرهن أن الوقت قد طال ويجب إنهائها في أي لحظة إما مخيرات او مجبرات وهو ما يعلنه صراحة لأزواجهن ومن بقي من أفراد عوائلهن بعد ان قتلت آلة الحرب الإسرائيلية قرابة 1500 مواطن من غزة بعضهم ترك عائلات من زوجات وأطفال وآباء وأمهات. في خيام الإيواء الجديدة التي انتشرت في قطاع غزة في اعقاب الحرب الاسرائيلية الاخيرة لا فراش للزوجين ، ولا خلوة تمكنهما من الاستمرار في حياتهما الزوجية فهل هذا أمر حقا يستحق الوقوف عنده؟ وهل خيام الإيواء القماشية هي المكان المناسب لإيواء آلاف الأسر التي شردتها الحرب على غزة وهل يمكن لهذه العائلات أن تعيش حياتها كما كانت تعيش في منازلها المبنية من الطوب والاسمنت؟ أشتاق لسجاد المنزل علينا أن نعترف أن هناك أمهات مثلنا يكابدن الرمال داخل الخيمة ولا يعرفن طعم الراحة دون مياه أو كهرباء أو إضاءة أو حتى فراش نوم مريح. أم خضر واحدة من تلك النساء بدت أكبرهن سنا تقارب منتصف العقد الرابع قالت باكية:" أشتاق إلى سجاداتي يا الله ما أجمل منزلي لقد ضاع كل شيء حتى أنني أتذكر في كل دقيقة كيف كنت انظف المنزل وأضع التحف بالقرب من التلفاز وعلى المكتبة وأنظف السجاد فأين سجادات منزلي؟ أما أم محمود التي بدت تبكي بحق لدى ذكر التلفاز فقالت :" كم أشتاق للجلوس أمام التلفزيون ومعرفة آخر الأخبار والتمتع بمتابعة مسلسل أو فيلم أو حتى كارتون توم وجيري أو غيره فقط لدقائق مر رمضان وكأنه صيف حارق لا اكثر" ثم تابعت:" عندما أسمع أحدا يتحدث عن حاسوبه ينفطر قلبي فأين الحاسوب الذي كان يشكل أجمل زاوية في منزلي لقد ضاع كل شيء ولا يشعر بنا أحدا وكأننا عشنا طوال حياتنا في خيام فهل يظن الناس هنا بغزة أننا قدمنا من وراء البحار وأننا لا نعلم كيف هي الحياة داخل المنازل وكيف يمكن للمرأة أن تزين مملكتها الخاصة"؟ إحداهن قالت لي:" تعالي نامي ليلة وجربي الحياة بالخيمة" يبدو انها ناقمة على حياتها هناك وانا لا ألومها لذلك. حمام ساخن وميك أب أتساءل كيف تشعر إحدانا إن اضطرت لزيارة بيت الجيران لأخذ حمام ساخن؟ هذا هو حال نساء الخيام إما لدى الجيران أو الأصدقاء أو بالطبع الأقارب من أخوات وإخوة وبيت العائلة إن وجد، فهذا أمر ليس غريبا عندما تقول أخت لأختها:" حبيبتي اعملي حسابك تيجي اليوم عندي تاخذي حمام وتنفضي عنك الغبار". هذا هو حال ام خضر التي قالت:" إن رغبت بالحمام أذهب لجيراني أطرق بابهم وأطلب من سيدة المنزل أخذ حمام وبالطبع ليس دوما المياه الساخنة متوفرة وكذلك تفعل بناتي وهن أربع وهذا يشعرني بالإحراج أي أننا خمس نساء نضطر لأخذ حمام بالتبادل بين الجيران والأقارب فأين خصوصيتنا التي يجب ان نحتفظ بها ويجب على مجتمعنا وحكوماتنا أن تحافظ لنا عليها كنساء".؟ أما الميك آب فحدث ولا حرج كما تقول أم صهيب وأم إبراهيم فقد فقدنه بالكامل عند تدمير المنزل وبالطبع فهن لا يملكن الأموال ليتم صرفها على هذه " الكماليات" فالخيمة ليست المكان المناسب لتجميلها بألوان الميك آب حتى ان المرآة بعض النساء لا تملكها داخل هذه الخيام على أساس أنها " مش لازمة". ام إبراهيم حرصت على شراء الكحل لعينيها وقالت :"أشعر أنني يلزمني شيء مهم إن لم أقم بتكحيل عيوني ولذلك قمت بشرائه مؤخراً" وهو ما جذب أنظار النساء وضحكاتهن حتى ان أخرى اخترقت الخيمة وقالت ضاحكة:" والله ما انتو قلال يا نسوان حتى بتحكوا عن الزواق بالخيمة؟". حبل الغسيل كما مخيم الشاطئ وباقي مخيمات اللاجئين المنتشرة بقطاع غزة فإن المخيمات الجديدة غدت على ذات المظهر، حبال غسيل منتشرة وأدوات المطبخ ولعب الأطفال بين الخيمات ونساء يجلسن أمام فتحات أبواب خيامهن كما تلك بالمخيمات أمام ابواب منازلهن. أم صهيب استطاعت بمهارة الزوجة التي لا تعيل عددا كبيرا من الأطفال ان تهتم بخيمتها وتجعل منها مكانا صالحا لكل شيء حتى للأجواء الرومانسية فقد استطاعت ان تزرع القليل من النعناع واليقطين وترتب أدواتها المنزلية في زاوية بالقرب من خيمتها وتضع وابور الكاز بقربها واستطاعت أن تفرش خيمتها بفراش مرتب وجميل، ولكنها لم تستطع مواراة ملابسها وملابس زوجها وطفليها، فليس هناك بدا من حبل الغسيل بين كل خيمتين. هذا المنظر يشعرك أنك في أحد مخيمات القطاع ويبقى الفارق ان حبال الغسيل بالمخيمات توضع على جدران منزلك أو منزل جيرانك بينما بالخيام فهي معلقة بين خيمتين وإن لم تكن راغبا بها على خيمتك فهو أمر مفروض ومفروغ منه، ولكن الغسيل لا يعني أن هناك خيارات للملابس كثيرة فهي إما غيار واحد أو اثنان لا أكثر فقد ذهبت الملابس أدراج الرياح تحت ركام المنازل المهدمة. صندوق المقتنيات يبقى ان تعلم كل سيدة أن هناك صندوقا لمقتنيات قاطنات الخيام، هذا الصندوق متران بمترين مخصص لحاجيات كل أسرة وبداخله يمكن للسيدة ان تخفي ما لا ترغب بأن يراه الآخرون، هذه الصناديق متواجدة في كل خيمة وهي بلاستيكية زرقاء وبيضاء ورمادية اللون تم التبرع بها للأسر المشردة داخل الخيام لإخفاء ملابس النساء الداخلية ومجوهراتهن وباقي متعلقاتهن الشخصية. |