وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

مشروع تمكين العائلات الفقيرة اقتصاديا- قفزة في محاربة الفقر

نشر بتاريخ: 29/09/2009 ( آخر تحديث: 30/09/2009 الساعة: 11:02 )
يشرف برنامج الامم المتحدة الانمائي/ برنامج مساعدة الشعب الفلسطيني وبالشراكة مع السلطة الوطنية الفلسطينية ومنذ عامين تقريبا على تنفيذ مشروع "تمكين العائلات الفقيرة اقتصاديا" في كافة انحاء الضفة الغربية بما فيها القدس وفي قطاع غزة حيث يقوم بتنفيذ المشروع اكثر من خمس عشرة مؤسسة اهلية يغطي نشاطها كافة محافظات الوطن. وقد اصطلح على تسمية المشروع بمشروع "الديب" وذلك ترجمة للاحرف الاولى من اسم المشروع باللغة الانكليزية.

المشروع ممول من البنك الاسلامي للتنمية – وحدة صندوق الاقصى في جدة ويستهدف 12,000 عائلة من اصل 350 الف عائلة فلسطينية تعيش تحت خط الفقر بشقيه المطلق (اقل من 2 دولار يوميا للفرد الواحد) والمدقع (اقل من دولار يوميا للفرد الواحد). وهو مقسم الى قسمين الاول يهدف الى خلق شبكة الامان الاجتماعي لاكثر من 4000 عائلة عبرتأهيل وتطوير مصادرها لا سيما المصادر البشرية وراس المال الطبيعي والمالي للأسرة وتعزيز مواردها من خلال حزمة من التدخلات بحيث تصبح قادرة على الدخول الى السوق المحلي عبر نشاط انتاجي/ خدماتي (اقتصادي) منافس ، ويشمل هذا تحسين الأنشطة الاقتصادية التي تقوم بها الأسر الفقيرة وتحسين الدخل والأمن الغذائي وفي النهاية خروج الأسرة من دائرة الفقر. اما القسم الثاني فيهدف الى تسهيل توفير الخدمات المالية لأكثر من 8000 عائلة من خلال المشاركة في برامج التمويل الاسلامي الاصغر لدى مؤسسات الاقراض الصغير المشاركة في البرنامج بما يساهم في تطوير المصادر المتوفرة لدى الاسرة المستفيدة وتوسيع نشاطها في السوق.

والان وقد مضى على تنفيذ البرنامج ما يقارب العامين فقد بات من الضرورة بمكان ان نلقي الضوء على ما يميز هذا البرنامج عن البرامج الاخرى وما يجعل له خصوصية في ميدان محاربة الفقر. فقد تدفقت على فلسطين المئات من البرامج التي تحمل مسميات مختلفة وتعمل في ميادين مختلفة ومنها وعلى راسها برامج محاربة الفقر. ورغم اننا لا نقلل من اهمية تلك البرامج في تحقيق اهدافها التنموية وغير التنموية غير ان برنامج "الديب" واستنادا الى التجربة الطويلة والخبرة المتراكمة لجمعية الشبان المسيحية في ميدان التنمية المستدامة كاحد المؤسسات المنفذة للمشروع ، وارتباطا بما حققه البرنامج من نتائج على الارض فانه يحظى بخصوصية جعلته يقف على راس تلك البرامج بل واكثرها نجاعة في مجال محاربة الفقر.

وقد اجتمعت العديد من العوامل والظروف الذاتية والموضوعية (الداخلية والخارجية) التي قفزت بالبرنامج الى مستوى العلاج الحقيقي الجزئي أوالكامل لظاهرة الفقر لدى عدد من العائلات المستفيدة التي جعلت من البرنامج رافعة حقيقية ينقذها من براثن الفقر وينقلها من دائرة الاتكال على الاخرين والمساعدات الدورية الى دائرة الاعتماد على الذات والدخول في معركة النشاط الاقتصادي ومعادلات السوق المحلية، مع ما ينطوي عليه ذلك من محاربة ثقافة التسول والاتكالية والخمول القاتل والكسل المفرط وعدم الرغبة في العمل. ولا بد من الوقوف امام اهم العوامل التي جعلت من البرنامج حالة خاصة ومتميزة في ميدان التنمية:

اولا: الاختيار الدقيق للمستفيد: وهو العنصر الاهم في ايصال المساعدات الى اصحابها وفق الية ومنهجية عملية ودقيقة تخضع لمعادلات لا يمكن القفز عنها. فقد اشارت الدراسات المتخصصة ان نسبة 25% فقط من قيمة المساعدات الواردة الى فلسطين في مجال الفقر تصل الى اصحابها بينما تتشتت بقية المساعدات بين المؤسسات المنفذة وبين مستفيدين لا تنطبق عليهم معايير الفقر وهو ما يكمن وراء فشل تلك البرامج وعدم بلوغها اهدافها.

ويشترط الديب تلبية المستفيد لمعايير البرنامج من خلال (نموذج كرت الفقر) الذي يرتبط بمجموعة من المعايير والنقاط على المستفيد ان يتجاوزها لينتقل الى النموذج الثاني (نموذج سبل العيش المستدامة) وفيه تفصيل دقيق لموارد الاسرة وسبل الصرف ومقارنة واضحة لمصادر الدخل المختلفة ما يجعل آلية اختيار المستفيد اكثر دقة وعلمية في ايصال المساعدات الى اصحابها.

ثانيا: القدرة على محاكاة الواقع: حيث يتم تصميم اشكال وطبيعة ونوعية التدخلات بايدي محلية عانت وتعاني وتعيش تحت وطأة ذات الظروف المولدة لظاهرة الفقر في فلسطين ولا تخضع لاية اشتراطات او اعتبارات خارجية في تصميمها لأشكال وانماط العلاج المقترح سوى الانشداد الى مصلحة المستفيد والوصول الى تحقيق تنمية مستدامة للأسرة المستهدفة. فالتدخلات المصممة ليست وصفات جاهزة مفروضة ومشترطة من فوق بل هي نتاج لعملية طويلة من الدراسة والتمحيص المشترك بين المؤسسة المنفذة وبين الاسرة المستفيدة بحيث يتم دراسة المصادر المتوفرة للعائلة المستفيدة وبحث امكانيات تطويرها وتحديد شكل ونوعية التدخل الذي يمكن ان يساهم في رفع مستوى دخل العائلة لتجاوز حدود خط الفقر. وفي هذا الصدد فالبرنامج واقعي وعملي فالتنمية المطلوبة لا تتعدى محيط خط الفقر للعائلة المستفيدة وفق معايير خط الفقر الفلسطيني في استراتيجية تحقيق التنمية المستدامة. ان اشتراك المستفيد في اختيار ميدان النشاط ونوعية التدخل له اثاره المباشرة والملموسة في تحقيق نسبة عالية من نجاح البرنامج في وصوله لأهدافه.

ثالثا: آليات التوثيق والرقابة الحية والمباشرة: اذ يتم توثيق نشاط وفعاليات البرنامج الكترونيا من خلال تخزين المعلومات مباشرة ونقلها الى جهاز الحاسوب وعلى صفحة الكترونية تربط ما بين الممول والمؤسسة المشرفة والمؤسسات المنفذة ومؤسسسات السلطة. مما يسهل عملية الرقابة والاشراف والمتابعة المباشرة للتأكد من تنفيذ البرنامج وفق معايير العمل المطلوبة ومجال العمل والاشتراط الزمني للنشاط وبالتكلفة المحددة. هذا فضلا عن الزيارات الميدانية التي تقوم بها ادارة البرنامج والوزارات المعنية ومديري المشاريع للأطلاع عن كثب على نتائج النشاط على الارض.

رابعا: الاستناد الى مؤسسة بحثية متخصصة وغنية في خبرتها وكادرها وتجربتها . اذ ان ادارة المشروع تتخذ من برنامج التعليم المستمر في جامعة بير زيت مرجعية نظرية واستشارية في ميدان التقييم ووضع المعايير وخطط العمل وتأهيل كادر المؤسسات المنفذة لا سيما ما يتصل بمعايير الفقر وآليات تنفيذ البرنامج وخطوات الدراسة المطلوبة والجدوي الاقتصادية والنتائج المتوقعة من كل تدخل وفق منهجية علمية كان لها اثرها ودورها المباشر في نجاح العديد من النشاطات بالاضافة الى تحقيق البرنامج لأهدافه العامة المتوخاه. وما يعطي النشاط اهمية متفردة ان مركز التعليم المستمر يعمل جنبا الى جنب مع المؤسسات المنفذة في متابعة تنفيذ البرنامج وفي الوقوف بين الفترة والاخرى على انجازات واداء المؤسسات المختلفة وفي اعادة تقييم الاداء طالما تطلب الامر ذلك. ان تلك الاجراءات تشكل اساسا لمأسسة البرنامج والتعامل معه كمؤسسة وطنية لمكافحة الفقر ذلك ان استهداف فريق العمل والسياسات والاجراءات التي يعمل عليها البرنامج فضلا عن تطوير ادلة واجراءات ومناهج العمل مع الفقراء تشكل ضمانة حقيقية لتطوير البرنامج "كآلية أو عنوان أو مؤسسة وطنية تعنى في قضايا الفقر ودعم وادارة البرامج الوطنية للفقر" كما ورد في الدليل الاجرائي للبرنامج.

خامسا: البرنامج يحقق الشراكة الحقيقية بين المؤسسات الاهلية ومؤسسات السلطة الوطنية حيث ينفذ البرنامج بالشراكة مع وزارة الشؤون الاجتماعية والتي يقف وزيرها على راس مجلس ادارة البرنامج بالاضافة الى وزارتي التخطيط الدولي والعمل. كما ان ممثلي تلك الوزارات هم اعضاء طبيعيون وفاعلون في كافة الاجتماعات واللقاءات والنشاطات المشتركة للمؤسسات المنفذة للبرنامج ابتداءا من دورات تاهيل الكادر مرورا بالاجتماع الدوري لمديري المشاريع في المؤسسات وانتهاءا بالزيارات الميدانية للعائلات المستفيدة. لقد شكل البرنامج جسرا حقيقيا ونقطة التقاء مشتركة للتعاون والتكامل بين نشاط مؤسسات السلطة والمؤسسات الاهلية غير الحكومية في مجال مكافحة الفقر.

سادسا: طاقم اداري مؤهل: وبعيدا عن الاطراء او المديح فان ادارة البرنامج تعتبر حجر الزاوية في تحقيق النجاح المطلوب. ولعل ما يميز الطاقم الاداري للبرنامج هو المرونة والديناميكية والقدرة العالية على التعامل مع المعيقات المختلفة وفي حل الاشكالات التي تعترض عمل ونشاط المؤسسات. فالواقع اغنى بكثير من النشاط النظري البحثي وهو يزخر بعمليات اكثر تعقيدا مما يمكن ان تحيط به التقديرات النظرية او الوصفات العلاجية الجاهزة او حتى الاجراءات الادارية والمالية التقليدية فالفقر في فلسطين غيره في البلدان الاخرى وهو ذات خصوصية يشكل فيها الاحتلال السبب الرئيس فيه وفي الحؤول دون الوصول الى علاجات شافية يمكن تنفيذها لذلك فان وسائل علاج "الفقر الفلسطيني" ان جاز التعبير يجب ان تحظى بخصوصية وتميز. ولعل اهم ما ميزها هو المرونة في التصدي للأشكاليات المتنوعة وفي تذليل العقبات الطارئة والتي كانت ردا بليغا على تلك التعقيدات ما جعل الطاقم الاداري محط احترام وتقدير المؤسسات المشاركة. لقد ساهمت اللقاءات الدورية لمدراء المشاريع في المؤسسات المشاركة والتي كانت تعقد بشكل دوري تحت اشراف ادارة البرنامج في تحقيق اكثر من هدف لا سيما رفع مستوى التنسيق وخلق حالة من التعاون المباشر والمتبادل بين تلك المؤسسات وهو ما يشكل اضافة نوعية لرصيد البرنامج.

ومع ذلك وحتى يكون تقييمنا عادلا ومتوازنا فلا بد الاشارة الى اهم المعيقات التي ما زالت شاخصة في الافق وتمثل تحديا حقيقيا ما زال يحتاج الى العلاج:

اولا : الوضع في غزة : اذ ان الحصار الصارم والظالم المفروض على قطاع غزة خلق واقعا جديدا وظروف نوعية غير مسبوقة في التعامل مع ظاهرة الفقر فخلافا لما يشهده العالم من تقدم ملحوظ في ميدان محاربة الفقر وانخفاض اعداد الفقراء كنتيجة لتنفيذ الخطة الالفية للتنمية (الميلينيوم) فقد ازدادت معدلات الفقر في فلسطين عن نسبها الطبيعية لا سيما في غزة لتصل الى اكثر 70% في عام 2008 وفقا للاحصائيات الرسمية . كما ادى الحصار الى حرمان القطاع من الكثير من الموارد والسلع الاساسية ومن وسائل سبل العيش بالاضافة الى تعطيل طاقاته الانتاجية المحلية بحيث باتت الاسواق الرسمية خالية من السلع والمواد الاساسية ونشطت حركة التهريب عبر الانفاق ما ادى الى ارتفاع الاسعار بشكل جنوني وتنشيط حركة السوق السوداء. وهو ما عكس نفسه على اداء البرنامج وتقليص خياراته والتأثير على طبيعة التدخلات فضلا عن التاثير على الاجراءات الادارية والمالية في البرنامج الامر الذي يجب التعامل معه بمرونة اكبر وتحديدا في اختيار مصادر السلع واجراءاتها المالية.

ثانيا: التقيد والتشدد البيروقراطي في الاجراءت المالية لا سيما الضريبة الصفرية في كافة التدخلات دون الاخذ بعين الاعتبار الظروف الاستثنائية السائدة سواء في القطاع او في الضفة . فمن شان ذلك التأثير على طبيعة ونوعية التدخلات لدى كل اسرة وتقليص الخيارات الى الحد الادنى بالاضافة الى تقليص عدد التجار والموردين الذين يمكن التعامل معهم ما يؤدي الى ارتفاع تكاليف التدخلات نتيجة لرفع الاسعار من قبل التجار الذين يدركون حاجة المؤسسات للشراء عبر اجراءات مالية محددة، مما يساهم في اقتطاع جزء من المنحة المقدمة للاسرة الفقيرة ونقلها الى التاجر كما ان الجزء المعفى من قبل السلطة والذي يفترض ان يرفع حصة المستفيد يتحول الى ربح اضافي للبائع. وهو ما يحصل ازاء بعض التدخلات في الضفة الغربية حيث ان تجار الاغنام مثلا يلجأون الى رفع الاسعار نظرا لعدم توفر تجار اغنام مرخصين يمكنهم توفير خصم المصدر للحصول على الضريبة الصفرية مما حدى ببعض مؤسسات التجارة العامة مثلا القيام بدور الوسيط لتجارة الاغنام نظرا لعائداتها الكبيرة من الارباح. فضلا عن ان الارتهان الى تجار الاغنام ينطوي على سلبيات اضافية منها التأثير على جودة الاغنام وزيادة احتمالية التعرض للامراض لا سيما امراض حمى النقل الناجمة عن نقل الاغنام من منطقة الى اخرى.

ثالثا: سرعة التذبذب في سعر الدولار وربط قيمة المساعدات بالدولار الامريكي: وهي من الاشكاليات الابرز التي مازالت قائمة ومؤثرة في تحديد قيمة المنحة المقدمة . فالتذبذب المجنون في قيمة الدولار ارتباطا بالعملة المحلية وانخفاض قيمته الى الثلث عنها في بداية البرنامج كان له اثاره الملحوظة على سير البرنامج ونتائجه. واذا كنا قد تجاوزنا مسالة انخفاض قيمة الدولار فلا زلنا امام واقع تذبذ اسعار الصرف والتي تقود الى اشكاليات كثيرة خصوصا ان زمن تحديد قيمة المنحة بالعادة يختلف عن زمن صرف المنحة ما يثير اشكالات اضافية ويؤدي الى تخفيض قيمة المنحة في احيان كثيرة.

ومهما يكن من امر تلك الصعوبات فاننا امام مشروع تنموي حقيقي يمكن ان يتحول الى مؤسسة وطنية واعدة لمحاربة الفقر بشخصيته الفلسطينية وبخصوصيته المتميزة والمتفردة اذا ما استمرت الجهود والادوار التكاملية ما بين السلطة الوطنية الفلسطينية وما بين المؤسسات الاهلية غير الحكومية واذا ما عملنا بجهود مشتركة تستند الى استراتيجية واضحة نابعة من خطة وطنية شاملة لمحاربة الفقر باشكاله المختلفة وتقليص مفاعيله ومظاهره في مجتمعنا الفلسطيني.

* خضر ابو عبارة- جمعية الشبان المسيحية