وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

بلدة يعبد تتحوّل من متنزّه طبيعي لمنطقة خطرة صحّيا وبيئيّا

نشر بتاريخ: 07/10/2009 ( آخر تحديث: 07/10/2009 الساعة: 14:48 )
جنين- معا- بلدة يعبد الوادعة، التي تربض فوق تلّة، جنوب غرب جنين، شمال الضفة الغربيّة، شُهرتها أُخذت من أحراشها، التي كانت تشكّل غابة طبيعيّة على امتداد البصر، وهو ما منح الشيخ عزّ الدين القسّام غطاء جيّدا لثورته في الثلاثينيات من القرن الماضي، اليوم إنقلبت الأحوال في يعبد، وتبدّلت الغابات الخضراء، بأراضٍ تملأها مناطق تصنيع الفحم، وما يتبعه من تداعيات صحّية وبيئيّة، بعد أن قلّصت تلك المساحات الخضراء.

رئيس بلديّة يعبد، المهندس وليد العبّادي، يقول إن للإحتلال الإسرائيلي دور رئيس في هذا الموضوع، حيث تمّ نقل المفاحم، التي كانت بعيدة عن بيوت المواطنين، ضمن سياسة التضييق، التي تجلّت في مصادرة آلاف الدونمات الزراعية المصنّفة ضمن المنطقة (سي) من أراضي يعبد، ويضيف أن الأضرار الصحّية والبيئيّة للمفاحم كبيرة، وتمّ إنجاز دراسات حول هذا الموضوع، التي كشفت أن أمراض الجهاز التنفّسي في يعبد، تقارب ضعف ما هو موجود بالقرى المجاورة ليعبد من الناحيّة الشرقيّة.

ويشير العبّادي إلى أن المياه الجوفيّة والأشجار، تضرّرت بشكل كبير، إضافة للتأثيرات على المباني السكنيّة المحيطة، خصوصا من ناحية النظافة والتأثيرات الأخرى.

يعيش في بلدة يعبد اليوم، نحو ثمانية عشر ألف إنسان، يعتمدون بشكل رئيس في حياتهم، على العمل في المفاحم المنتشرة على أراضي المواطنين وبين كروم الزيتون، وعلى زراعة نبتة الدخّان، وهو ما يعتبر تجميعا لكلّ الأمراض الخطرة في مكان واحد، وأخطرها سرطان الرئة، وأمراض الجهاز التنفّسي على اختلافها، لتبرز مطالبات بإيجاد حلول تساهم في تخفيف كمّية الغازات والأدخنة السّامة المنبعثة.

رئيس بلديّة يعبد وليد العبّادي، يرى الحلّ بتصوّره، يكمن في إعادة إبعاد تلك المفاحم إلى منطقة بعيدة عن يعبد، ثم أن يتمّ العمل على أن تكون الأدخنة المتصاعدة منها محدودة، فهناك كما يقول إمكانية للإستفادة من التجربة ببعض الدول العربية المجاورة، ومنها مصر، التي تقوم بتصنيع الفحم النباتي ولكن بدون أدخنة، فهذه الأدخنة تكثّف وتحوّل إلى سوائل، ويتمّ التخلّص منها بطريقة آمنة وصحّية.

إنقسم العاملون في تلك المفاحم، في مواقفهم حول الضرر الحاصل، إلا أنهم أجمعوا على ضرورة إيجاد بديل مجزٍ ومقنع في نفس الوقت، إذا ما أرادت الجهات الرسميّة البحث عن الحلول.

ياسر أبو بكر ، وهو عامل بالمفاحم منذ اثنين وعشرين عاما، يقول وهو يمسح عرقه وسخام المفاحم عن وجهه ( إحنا مستفيدين من هالشغلة، وفايدين الناس، وماشية المصالح بالضفّة الغربية تحديدا لإنّا سادّين حاجة الناس من الفحم، وبرضو إحنا مستفيدين من الموضوع، لإنو حوالي 8 آلاف إنسان بشتغلوا وبستفيدوا من المفاحم من أهل يعبد، إحنا بنشتغل 5 إخوة هون، وشهريّة كل واحد فينا بتطلع أكثر من 5 آلاف شيكل ، يعني بالشهر بنفوّت على حالنا 25 أو 30 ألف شيكل.. بعدين أنا عملت فحوصات كثيرة، والأطباء بقولولي ما في شي بجسمي ضرر نهائيا).

أما أحمد، وهو عامل آخر في تلك المفاحم، فيقول (من ناحية ضرر فيه ضرر طبعا، بس ما فيه بديل لهالشغلة، توجدلنا السلطة الفلسطينية شغل بديل، وإحنا حاضرين نتركوا ونروح لأي شغل ثاني، إذا السلطة قادرة تعطينا أي إشي بديل بدل هالشغلة).. وعن الأضرار التي يعانيها هو يقول (الضّرر أول شي من البرد اللي بسبّب القرحة، وآلام بالظهر، ووجع بالجسم كلّو، حتى المفاصل والرئتين وكل الجسم).

المواطنون المتضّررون، يرون بدورهم أنه على الجهات المعنيّة كلّ حسب اختصاصه، العمل على إيجاد حلّ جذريّ لمشكلةٍ تؤرّقهم منذ سنوات... فليس الهدف هنا قطع أرزاق من يمتهنون هذه المهنة، وإنما أن يتمّ إبعاد تلك المفاحم عن منازلهم، التي باتت قريبة منها إلى حدّ كبير.

محمّد خالد عطاطرة يسكن في المنطقة الملاصقة من يعبد للمفاحم، يصف أوضاع تلك المنطقة طوال أيام العام، فيقول: (في الأجواء الطبيعيّة، وفي الوقت الذي يكون فيه جوّ فلسطين كلّها جوّ طبيعي ومنعش، إحنا بكون الجوّ عنّا ملوّث 24 ساعة، خاصة في ساعات الليل، والسبب إنو أصحاب المفاحم بفتحوا للدخنة، وبتصير الأجواء عبارة عن دخنة كاملة، بتغطّي الجوّ بشكل كامل، وعنّا هون الأولاد أغلبهم بعانوا من أزمات صدريّة من الدخنة الموجودة باستمرار، مستوى التلوّث وصل إنو إذا بتنشر غسيل بالليل، مستحيل ثاني يوم تقدر تلبسوا، من اللون أوالرائحة، بالإضافة لإنو بالبلد عنّا من أعلى نسب السرطان بالضفة الغربية)، وفي نظرة قد تفسّر على أنها يائسة، يقول ( بناشد الجهات الرسميّة كلّها، التدخّل لحلّ هالمشكلة، ليخلّصوا البلد من كارثة، المشكلة جاي علينا بزيادة مع بداية الشتاء، إحنا ما بنطالب بقطع الأرزاق، ولكن إنهم يبعدوا هاي المفاحم عنّا).

آمال المواطنين هنا، أن تعود ليعبد أحراشها، التي كانت تُعتبر متنزها طبيعيّا، مليئا بالحياة البرّية، البعيدة كلّ البعد عن كل أشكال التلوّث، وإلى أن يتحقّق هذا الأمل، على المتضرّرين تحمّل الضرر، طالما لا تحرّك الجهات الرسميّة المعنيّة ساكنا، في معالجة الموضوع.