وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

كاتب يقول لقائد كتائب القسام احمد الجعبري : هل تذكر ؟

نشر بتاريخ: 27/10/2009 ( آخر تحديث: 27/10/2009 الساعة: 18:02 )
بيت لحم- معا - تحت عنوان "ليست قرارات ارتجالية" ارسل الكاتب مصطفى إبراهيم مقالة الى وكالة "معا" يقول فيها:

إلى مكتب الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ( ديوان المظالم) في مدينة غزة كان يحضر احمد الجعبري "القائد العسكري حاليا لكتائب الشهيد عز الدين القسام".

في حينه عمل في جمعية النور لرعاية الأسرى في السجون الإسرائيلية، وكانت من بين اهتمامات الجمعية متابعة شؤون المعتقلين السياسيين لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وهو من كان يزودنا بالمعلومات حول هؤلاء المعتقلين.

في التاسع والعشرين، والثلاثين من تشرين الأول ( أكتوبر) 1998، شنت الأجهزة الأمنية الفلسطينية حملة اعتقالات واسعة طاولت المئات من قيادات وأعضاء حركة حماس وحزب الخلاص الإسلامي، وكان من بينهم الجعبري الذي اعتقل في 30/10/1998، من قبل جهاز الأمن الوقائي.

الجعبري ومعه عدد كبير من المعتقلين الذين تقلدوا لاحقا قيادة القسام، منهم من استشهد، ومنهم من تقلد مراكز متقدمة في قيادة كتائب القسام، تعرض للتعذيب وقضى في السجن مدة عامين، إلى أن أطلق سراحه بعد أن تعرض سجن غزة المركزي للقصف في بداية انتفاضة الأقصى في العام 2000.
ولم تتوان الهيئة عن زيارته والدفاع عنه وطمأنة عائلته هو وزملاءه من حركة حماس في مراكز التوقيف التابعة للأجهزة الأمنية الفلسطينية.

ظلت العلاقة مع الجعبري والعاملين في الهيئة جيدة وقائمة على الاحترام وتقدير عمل الهيئة حتى بعد خروجه من السجن بفترة قصيرة، وكذلك مع عدد أخر من قادة القسام، منهم من تقلدوا مناصب رفيعة في الحكومة المقالة.

خلال فترة الستة عشر عاماً هي عمر الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، التي عملت ولا تزال من خلال مبدأ حماية وتعزيز حقوق الإنسان الفلسطيني في أراضي السلطة الفلسطينية، والتي واكبت خلالها الحال الفلسطينية المعقدة والمركبة، وطريقة وأداء عمل السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية التابعة لها، وما مر خلالها من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، من التعدي على الحريات العامة والأساسية للمواطن الفلسطيني والتعدي على الحق في التجمع السلمي، وتشكيل محاكم امن الدولة والمحاكم العسكرية وعرض المعتقلين أمامها، والاعتقالات السياسية التي طاولت الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني من جميع فصائل العمل الوطني والإسلامي.

لم تنشأ الهيئة للعمل في فراغ، وهي لم تتخذ من أي طرف خصم لها، بل كانت ولا تزال تنحاز للضحايا، والدفاع عن الحريات العامة والأساسية للمواطن الفلسطيني، ولم تنشأ الهيئة بعد فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية في العام 2006، وتشكيلها الحكومة، بل سبقت كل الحكومات، ودافعت الهيئة عن خيار الفلسطينيين الديمقراطي، فهي هيئة مستقلة في تلقي التمويل والتوظيف، وهي مؤسسة من مؤسسات الدولة، وتعرضت خلال عملها للعديد من المواقف بدءاً بالتهديد والاعتداء و التخوين وليس آخراً تجميد عملها.

يوم الخميس الثاني والعشرين من تشرين الأول ( أكتوبر) الجاري وصل ثلاثة موظفين من وزارة الداخلية في الحكومة المقالة إلى مكتب الهيئة في غزة وبكل بساطة طلبوا من العاملين جمع أغراضهم الشخصية، وتسليمهم المفاتيح من دون نقاش ومغادرة المكتب فوراً.

وبعد نقاش طويل مع موظفي الوزارة الذين رفضوا تسليم القرار لمدير الهيئة في قطاع غزة، سمحوا له بالاطلاع عليه فقط.

القرار عبارة عن كتاب موجه من الأمين العام للحكومة المقالة الدكتور محمد عوض إلى وزير الداخلية فتحي حماد.

وتضمن القرار المعنون بـ"تجميد عمل الهيئة" أنه "وبناء على مداولات مجلس الوزراء في جلسته رقم 129 المنعقدة في تاريخ 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2009، تكلف وزارة الداخلية بالإيعاز إلى الهيئة المستقلة بضرورة التوقف عن ممارسة أي أعمال، وذلك إلى حين البت في وضعها القانون".

وبعد اتصالات مكثفة أجراها العاملون في الهيئة وناشطون في حقوق الإنسان تواجدوا في مقر الهيئة، حضر الناطق باسم وزارة الداخلية إيهاب الغصين، والمراقب العام حسن الصيفي وأجروا مداولات مع الموظفين الثلاثة من وزارة الداخلية، خرجا على إثرها واخبر الصيفي العاملين في الهيئة أن ما جرى هو "سوء فهم"، وأنه "لا توجد قرارات من أية جهة حكومية تقضي بإغلاق الهيئة، و أن الحكومة الفلسطينية تدعم جهود المؤسسات الحقوقية، ومعنية باستمرارها على النحو الصحيح الذي يخدم المجتمع ويعود عليه بالفائدة".

وأضاف "إلا أنهم في الحكومة يسجلون بعض الملاحظات على عمل الهيئة الفلسطينية، التي يمكن حلها من خلال الطرق القانونية السليمة، وهناك الكثير من الأوضاع التي يجب تصويبها قانونياً لضبط عمل الهيئة، في حال تم إقرار قانون الهيئة في المجلس التشريعي".

القضية لم تنته بعد، وهناك قرار صادر عن مجلس الوزراء بتجميد عمل الهيئة أي إغلاقها، وما لم يصدر قرار جديد يلغي قرار التجميد، فإن ما جرى ربما سيتم تنفيذه لاحقا وفي أي وقت.

قرار تجميد عمل الهيئة ليس القرار الأخير الذي تتخذه الحكومة المقالة وتدعي أنها تراجعت عنه، فسبق لها أن اتخذت قرارات تمس الحق بالجمعيات وتكوينها، مثل ما حدث مع قرار وزير الاقتصاد الوطني المتعلق بالشركات غير الربحية، والقرارات التعسفية المتعلقة بالتعدي على الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير، وقرار رئيس مجلس العدل الأعلى بفرض الحجاب والجلباب على المحاميات المترافعات أمام المحاكم، وفرض الحجاب والجلباب بالقوة على طالبات المدارس الإعدادية والثانوية، وما جرى من محاولة تعميم الفضيلة بالإكراه في قطاع غزة.

قبل الإيعاز بإغلاق مكتب الهيئة وتسليم المفاتيح لموظفي وزارة الداخلية، وزع المجلس التشريعي دعوة لحضور ورشة عمل سيعقدها المجلس لحضور النقاش حول قانون الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان.

فالمجلس التشريعي المنقسم على ذاته لا يجوز له نقاش وإقرار القوانين إلا بانعقاده بكامل هيئته وأعضائه، وما التراجع المؤقت عن قرار تجميد عمل الهيئة هو ذات القرار الذي اتخذ بتجميد أو تأجيل النقاش في قانون العقوبات الفلسطيني الذي ناقشه المجلس التشريعي في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، وآثار نقاشه في المجلس التشريعي جدلا واسعا في الساحة الفلسطينية في قطاع غزة.

إن ما تتخذه حماس والحكومة المقالة من قرارات في محاولة السيطرة على المجتمع وأسلمته، لا يعبر عن حال من الإرباك فقط ولا يمكن اعتبارها قرارات ارتجالية، بل هي قرارات متخذة مسبقاً، ومدروسة، تنجح في تطبيق وتنفيذ بعضها، والقرارات التي لا تستطيع تنفيذها يتم تجميدها أو تأجيلها إلى حين توفر الظروف الملائمة.