|
طفلة غزية واخر اسرائيلي اصابتهما الصواريخ وجمعتهما صداقة سرير الشفاء
نشر بتاريخ: 27/10/2009 ( آخر تحديث: 28/10/2009 الساعة: 09:32 )
بيت لحم- معا- اصيبت الطفلة الغزية ماريا امين بالشلل التام الذي اقعد كل جسدها الغض وذلك بعد ان سقط صاروخ اسرائيلي على سيارة عائلتها ادى فيما ادى الى ابادة معظم افراد عائلتها وهي ترقد حاليا في مستشفى التأهيل " ايلين " بمدينة القدس والى جانبها يرقد الطفل الاسرائيلي اورائيل يليزروف من مدينة بئر السبع الذي اصيب باصابة دماغية خطيرة جدا جراء سقوط صاروخ فلسطيني من طراز غراد.
ووفقا لمراسل برنامج "عوفداه" يغال موسكو فان الاصابات القاتلة التي غيرت مجرى حياة الطفلين لم تمنعهما من التحول الى اصدقاء داخل اروقة مستشفى ايلين ولم تجد ام الطفل الاسرائيلي " انجيلا " غير ماريا الفلسطينية لارشادها على مكان ولدها الذي فقدت اثاره داخل اروقة المستشفى ورغم انها تعاني من الشلل التام من اسفل عنقها الى بقية جسدها ولا تسير وهي موصولة باجهزة التنفس استجابت لطلب انجيلا وقالت بصوتها المرتعد " اورائيل توقف " وداست على كرسيها المتحرك وتوجهت صوب الطفل الاسرائيلي لاحضاره لوالدته . بعد نصف ساعة من الواقعة المذكورة جلس اورائيل في غرفة ماريا لتناول طعام الغداء وبشكل طبيعي يفضل تناول المقلوبة التي يعدها والد ماريا " حمدي" . اصيب اورائيل قبل يومين بالضبط من نهاية الحرب على غزة حين كان يسافر مع والدته في سيارة العائلة وفور سماعها صافرة الانذار توقفت انجيلا وركضت مع اورائيل محاولة اجتياز الشارع واسقطته على الارض وتمددت فوقه لحمايته وحين سمعت صوت انفجار بعيد تنفست الصعداء ووقفت على قدميها فعاجلها صاروخ اخر فاصيبت وطفلها في رأسه ولم تفقد انجيلا التي تعمل داخل غرفة العمليات في مستشفى سوروكا اعصابها فحملت اورائيل بين ذراعيها وادخلته في اول سيارة قابلتها لتجد بداخلها سائقا شابا اصيب بصدمه وفقد تقريبا قدرته على السمع جراء الانفجار الشديد فخاطبته صائحه " خذنا الى المستشفى .... فتمتم السائق المصدوم قائلا ربما علينا انتظار الاسعاف ؟" لكن صرخات انجيلا لم تترك له خيارا وخلال دقيقة وصلوا الى مدخل الطوارئ في مستشفى سوروكا حيث وقف الكثير من الاطباء في حالة استعداد وانتظار وتعرفوا على السيدة التي خرجت من السيارة تحمل طفلها بين ذراعيها وتصيح " خذوه خذوه لقد مات الولد ". ومنذ تلك اللحظة التي مر عليها تسعة اشهر خضع اورائيل الى خمس عمليات في الرأس وقبل اسبوعين كانت العملية السادسة وقال الطبيب الجراح موني بن فلاء الذي عالج الطفل فور اصابته بانه لا يفهم قرار اجراء العملية السادسة رغم ان هناك اشارات تدل على اصابة خطيرة في الدماغ لو كان هذا الطفل في امريكا لتركوه يموت دون ان يكون لهذا القرار اي اثر اخلاقي وتساءل " لماذا نخضعه لعملية جراحية ؟! من الصعب علينا التسليم بحقيقة موت طفل ؟!انني لست اله ولا احد يعلم ماذا سيحدث له . وبعد اربعة ايام من العملية السادسة عاد اورائيل الى اروقة مستشفى ايلين يجول فيها باستخدام " تركتورون " قدمنه له ممرضات مستشفى سوروكا وهنا تدخل الطفلة الفسطينية التي لا يقل حالها سوءا عن حال الطفل الاسرائيلي وتسأله بصوتها الملائكي " اوجعتك العملية؟" فيجيبها بصوت طفولي " ليش لقد نمت " . ويصف المراسل بعض لحظات ماريا فيقول " نظرت الى ماريا وهي تخط احرف اسمها على جهاز حاسوب بواسطة قلم رصاص حملته بفمها فيما اظهرت الكثير من التأثر حين سمعت سيدة اخرى في غرفة الانتظار تقول لوالد الطفل الاسرائيلي " من الافضل ان يكون هكذا بدلا من ان تفقديه نهائيا" ولسان حال ماريا يقول بان مثل هذه الملاحظة القاسية تقال الى والدها ايضا الذي تبرع بالاجابة على هذه الملاحظة حتى دون ان يسأله المراسل فقال " اتمنى لو مت انا ايضا " مضيفا وكأنه يحدث نفسه " قبل ثلاث سنين اطلقت طائرة اسرائيلية صاروخين باتجاه سيارة محمد دحدوح وهو مسؤول في الجهاد الاسلامي فاصاب احد الصواريخ سيارة عائلة امين التي كانت تمر بالقرب من سيارة الدحدوح فقتل اربعة من الابرياء العم ناهد والجدة حنان وشقيق ماريا البكر " مهند " الذي لم يبلغ سن السابعه اضافة الى والدة ماريا " نعيمه " فيما اصيبت ماريا بشكل خطير ونقلت الى مستشفى تل هشومير الذي انقذ " حياتها " لتنتقل بعد ذلك الى مستشفى ايلين حيث انهت مراحل تأهيلها فعليا ولا يمكن للعلم في الفترة الحالية ان يقدم لها اكثر مما قدم واذا لم تحدث ثورة طبية وجراحية تبدو حاليا كخيال علمي فأنها ستقضي طيلة حياتها على الكرسي المتحرك . ان حياة ماريا تعتمد كليا على عدة اشياء منها ، فرامل الكرسي المتحرك ، جهاز التنفس المرافق لها على مدار الساعه ، وحتى الان اجرى والدها حمدي خمس عمليات تنفس اصطناعي انقذت حياتها التي كادت تفقدها جراء خلل في جهاز التنفس . سابقا ارادت دولة اسرائيل اعادة ماريا الى قطاع غزة او الى رام الله ما يعني قرارا باعدامها ولم ينقذها من حكم " الاعدام " الذي اصدرته الاجهزة البيروقراطية الاسرائيلية سوى اهتمام وسائل الاعلام الاسرائيلية بحالتها خاصة ظهورها الاول في برنامج " عفداه " من خلال التقرير الذي اعده الصحفي " اورلي فيلنائي " ما اجبر الدولة على التراجع واجبر وزارة الجيش على تغطية تكاليف علاجها حتى اللحظة . ويسكن في غرفة المستشفى الى جانب حمدي وماريا شقيقها الصغير مأمون البالغ من العمر ست سنوات وهذا ليس بالحال الافضل بالنسبة لطفل صغير اجبره صاروخ اسرائيل على العيش داخل مستشفى والنمو فيها بعيدا عن اترابه وحياة الطفولة العادية ولكن ما العمل ؟ اذا لم يكن بمقدور والد ماريا استئجار شقة ودفع بدل العلاج الخدماتي الذي تحتاجه ماريا على مدار الساعه علما بان حمدي يعمل كل ما في وسعه لجعل الاطفال يتذوقون طعم الحياة الطبيعيه فيخرج معهم في بعض الاحيان الى تمثال الغول الكائن في حي كريات يوفيل ويضع ماريا موصولة بجهاز التنفس على " السحسيلة " وفي احدى المرات اصطحب اطفاله الى يافا وجعل ماريا تدخل البحر بكرسيها. اما انجيلا والدة اورائيل فقالت بان حمدي يمنحها الكثير من القوة واضافت " يقول لي كل صباح انجيلا ابتسمي " في البداية لم افهم كيف يستطيع ان يشاهد ماريا على كرسيها المتحرك ويكون سعيدا . وانا لم استطع ان اشاهد اورائيل الذي بدا خلال الاسابيع الاولى كمومياء دون ان يبدي اي حراك وفي الحقيقة حتى اليوم انا لا افهم حمدي . اجاب حمدي " استمد قوتي من ابتسامة ماريا واستنفذت دموعي قبل ثلاث سنوات حيث كنت اعمل عامل بناء الى ان اجبرت على تولي المهمة اليومية المتعلقة بعلاج ماريا التي ازينها وكانها عارضة ازياء ويقول "اريدها ان تشعر بانها ملكة العالم ". في النهار يوزع حمدي الابتسامات والدفء وفي الليل حين يخلد الاطفال للنوم يجلس وحيدا على الشرفه ويمتص سيجارته بصمت دون اعتبار للظلام السائد ويستمر على هذه الحالة حتى الساعه الرابعه صباحا وفي ذات الساعات وفي الغرفة المجاورة تعكف انجيلا على تسجيل ملاحظاتها في دفتر اليوميات الذي اعتمده منذ ان اصيب طفلها وتمر اياما يكون فيها اورائيل في وضع صعب لا تبادل فيها انجيلا حمدي ولو كلمة واحده وتسيطر عليها حقيقة قدومه من ذات المكان الذي اطلق منه الصاروخ الذي اصاب طفلها فتفقدها صوابها وتجري حوارا عبثيا مع حمدي وتساله " كيف تستطيع العيش بين اليهود مدة ثلاث سنوات؟ جميعنا هنا يهود واحدنا قتل ابنك ؟!!! فيجيبها حمدي ، ماذا هل كان هذا مقصودا؟! لقد فقدت اربعه من افراد عائلتي " فترد عليه انجيلا " اذا كيف تستطيع النظر الي ؟! لتسمع اجابة تجمع بين التقليدية وضرورات تهدئة الحوار " انت لا ذنب لك بما جرى لذلك استطيع ان احضنك " فترد عليه " نعم تستطيع لكني لا استطيع ان احضنك في بعض الاوقات " . ويبقى الاطفال اطفال مهما جرى عليهم الزمن وخط في كتاب حياتهم قلم القدر فلا يكترثون لهذه الاسئلة فتتحول ماريا وشقيقها مأمون رويدا رويدا الى اسرائيليين والتلفاز في غرفتهم مفتوح فقط على القنوات العبرية فيما يجد اورائيل بعض المتعه بمحاولته التفوه ببعض الكلمات العربية التقطها من فم ماريا وشقيقها مثل " شو اسمك ، طيب ، تلاته ، وحين سال المراسل ماريا عن سبب اصابة اورائيل اجابت بانها لا تعرف ولم تسأله مرة واحدة عن هذا الامر ولكن اعتقد بانها ذكية جدا وتعرف من اطلق الصاروخ الذي اصاب اورائيل كما وتعرف من اطلق الصاروخ الذي اصابها وحولها الى مقعده وممن الممكن انها اجابتني بهذه الاجابة كونها تريد نسيان او نكران الامر او لان والدها يفضل دفن مثل هذه الاسئلة الصعبة . وربما يكون الخير فيما فعلت ماريا وفيما اجابت فنحن والعرب وعلى مدى سنوات نفكر في الظلم والقتل الذي الحقه هذا الطرف بذاك وماريا واورائيل يدفعون يوميا ثمن هذا الحساب من اجسادهم الغضه وتحديدا هم الاصدقاء الجرحى يمثلون الامل وامكانية تغيير الاحوال . |