|
مذبحة الديمقراطية في فلسطين - بقلم د. احمد بحر
نشر بتاريخ: 26/11/2009 ( آخر تحديث: 29/11/2009 الساعة: 00:08 )
لم يتملكنا العجب أو يسيطر علينا الذهول جراء تصريحات السيد سليم الزعنون وسواها حول سلب صلاحيات المجلس التشريعي، وإحالتها قسرا إلى المجلس المركزي لمنظمة التحرير دون أي سند قانوني أو مسوّغ دستوري.
لم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها في سجل حركة فتح وسلطتها في رام الله التي يتم فيها ذبح القانون والدستور الفلسطيني، والانقلاب على التجربة الديمقراطية الفلسطينية، والدفع لتفريغها من مضامينها السياسية والقانونية والوطنية عبر اجتراح طرق ملتوية وأساليب لا وطنية ولا أخلاقية، ونسج قصص وروايات متهافتة حول ما يسمى مرجعية النظام السياسي، واستحضار دور منظمة التحرير "المحنّطة" وقت الأزمات. منذ اللحظة الأولى لإعلان نتائج الانتخابات التشريعية مطلع عام 2006 بادرت حركة فتح وسلطتها وأجهزتها الأمنية إلى إعلان الحرب على الواقع الديمقراطي الجديد الذي حمل حركة حماس إلى سدة الحكم، وأقدمت على حبك خطط شيطانية تستعصي على الفهم الوطني والأخلاقي والإنساني، أملا في إفشال التجربة الجديدة، وإزاحة أصحاب الشرعية السياسية والدستورية الجدد عن مواقع النفوذ والقرار، وحشرهم في أتون واقع يلفظ نارا ولهيبا في وجوههم بغية دفعهم إلى الاعتراف بالفشل وإعلان الانسحاب المبكر. لم يترك القوم أي شاردة أو واردة إلا وطالتها يدهم التخريبية المتمردة العابثة، سياسيا وأمنيا وإداريا واجتماعيا وإعلاميا، حتى بدا الأمر أشبه ما يكون بانقلاب شامل استبيحت في إطاره كل القيم الوطنية والمبادئ الأخلاقية. وكم كان وقع الصاعقة عليهم حين فشلت مخططاتهم وانقلب سحرهم وبالا عليهم، لينقلبوا على الشرعية في غزة، ويعصفوا بالمقدرات الوطنية، ويضعوا النظام السياسي الفلسطيني أمام محنة كبرى وتحديات جسام. لم تكن الأمور حينها قد تجاوزت حدود حلها، أو بلغت حدا من الاستعصاء، ولم يكن هناك أية نية لخلق وقائع إدارية وجغرافية عقب إنفاذ الحسم العسكري، وبدت الأمور أقرب ما تكون إلى الانفراج وطيّ صفحة الخلاف والتدابر والاحتراب الوطني. لكن الاستعصاء العقلي والقلبي المقيت الذي أُتبع باستعصاء سياسي ووطني خطير تم فيه حظر الحوار مع الأخوة الأشقاء أصحاب الشرعية، حرم شعبنا من التقاط فرصة المصالحة والتوافق المنشود، وأغلق الباب أمام جهود مخلصة كان ينتظر أن تؤتي ثمارها وطنيا، وأن تدفع عجلة الأوضاع الداخلية باتجاه الاستقرار التام. ومع تراجع القوم عن مواقفهم التي نافحوا عنها دهرا، انتعشت الآمال حول إمكانية إرساء نهج وطني سليم يكفل انتشال الوطن من أزماته المتعاقبة، وإصلاح ما أفسدته المواقف الخاطئة والسياسات العبثية، غير أن جولة الحوار الأولى كشفت عقم المراهنة على صلاح واستقامة هؤلاء وطنيا، وخطأ الافتراضات التي منحتنا توقعات رفيعة لم يتحقق منها شيء، وأكدت أن القوم لا همّ وطنيا يملك عليهم فكرهم وعقولهم، وأن همّهم الحقيقي يكمن في تصفية ثاراتهم القديمة، واستعادة نفوذهم المتبدد لا غير. لذا لم نحصد من هؤلاء إلا الإصرار على خطايا الماضي، والتشبث بإنفاذ الاشتراطات الدولية، كمدخل لمصالحة شكلية صورية تفضي في نهايتها إلى انتخابات يتم رسم وتفصيل نتائجها على مقاسات فصائلية معلومة في ظل بيئة أمنية لا تعرف معنى لحرية الرأي أو التعبير أو الاختيار أو النشاط الانتخابي، ليتحقق لهم إخراج أصحاب الشرعية من دائرة المشهد السياسي السلطوي عبر ذات البوابة الانتخابية التي دخلوا منها. وها هم اليوم يعيشون مآزق سياسية ودستورية ووطنية جديدة، ويقفون بارتباك كبير أمام تواريخ المستقبل، ويتخبطون في قراراتهم وتصرفاتهم، فتارة يصدرون مراسيم رئاسية بإجراء الانتخابات، وتارة أخرى يؤجلونها، وتارة ثالثة يبحثون أمر تمديد جديد لرئيس منتهي الولاية أصلا، وتارة رابعة يعلنون نيتهم سلب صلاحيات المجلس التشريعي وإحالتها للمجلس المركزي، لتوهمهم بإمكانية قطع الطريق أمام تولي د.عزيز دويك مسؤوليات الرئاسة حال استقالة عباس، وهكذا في متوالية لا تنتهي من الإجراءات والممارسات التي يطغى عليها العبث والمزاجية وسوء التقدير الناجم عن الافتقار إلى المنهجية الوطنية في التعاطي مع الأحداث والقضايا المختلفة، والاحتكام إلى العصبية الفصائلية، والتأثر بالضغوط الخارجية في حسم الملفات الوطنية. عن أي مجلس مركزي يتحدثون؟! بل عن أي منظمة تحرير يتحدثون؟! وقد فقدت شرعيتها القانونية، وتغير ميثاقها الأصيل، وأضحت ديكورا تجميليا واسما باهتا يتم استدعاؤه وقت الحاجة والأزمات، لإقرار سياسة هابطة أو اتخاذ قرار إشكالي أو تكريس واقع أو نفوذ ما أو طبخ إجراءات معينة لا يمكن تمريرها إلا عبر عرض مصطنع على مؤسسة مهترئة تضمّ في إطارها كثيرا من الأشكال والمسميات التي لا وزن حقيقيا لها على أرض الواقع شعبيا ومؤسسيا. هي محاولة للفكاك من أزمة خانقة تطوق أعناقهم ليس أكثر، وهي بالتأكيد محاولة فاشلة لن تحقق غاياتها على الإطلاق، فالمجلس التشريعي سيبقى منارة الديمقراطية في فلسطين، وسيظل رافعا للواء الأمل والعزة والنهوض لشعبنا الفلسطيني، مستمرا في أداء مهامه وواجباته التي كفلها له القانون والدستور، ولن يضيره كيد الكائدين أو مكر الماكرين أو عبث العابثين، مهما كان الثمن ومهما بلغت التضحيات. * د. أحمد بحر النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني |