وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

اسرائيل تروّج لسلام اقتصادي في الضفة مقابل اقتصاد غزة المنهار!

نشر بتاريخ: 05/12/2009 ( آخر تحديث: 05/12/2009 الساعة: 16:48 )
بيت لحم- معا- اجرى محرر الصفحة الاقتصادية في موقع "يديعوت احرونوت" الاسرائيلي الالكتروني، تني غولديشتاين مقارنة بين اقتصاد الضفة الغربية المنفتح على العالم واقتصاد قطاع غزة المغلق والمعزول، مستندا إلى احصائيات تتعلق بحجم الصادرات والواردات ومعدلات النمو والتضخم وغيرها من المؤشرات الاقتصادية.

وانطلق غولديشتاين في دراسته المقارنة من باب الازمة الاقتصادية التي تعيشها امارة دبي الخليجية و"الآمال" العريضة التي اثارتها لدى الاوساط الاقتصادية الفلسطينية في الضفة الغربية على افتراض انها ستؤدي الى هجرة الاستثمارات باتجاه الدول العربية الاخرى بما فيها مناطق السلطة الفلسطينية في الضفه الغربية، حسب ادعائه.

وتساءل المحرر الاقتصادي بشكل تعجبي يهدف الى ابراز معطيات اقتصادية بديهية قائلا: بورصة فلسطينية؟! أموال؟!! مجيبا نفسه، نعم، في نابلس تعمل منذ عام 1997 بورصة فلسطينية صغيرة جدا تعنى بالاوراق المالية سجلت منذ انطلاقتها وبكل فخر نموا بنسبة 18% وهذا يعتبر احد المؤشرات الاقتصادية التي تدلل على النمو الاقتصادي في مناطق السلطة الفلسطينية.

وقال المحرر الاقتصادي في مداخلة تقديمية لدراسته المقارنة في محاولة منه لاظهار هدف الدراسة او النتيجة المرغوبة "رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو قال اكثر من مرة بانه يؤمن بالسلام بين الشعبين الذي يولد من رحم التحسن الاقتصادي وان السلام الاقتصادي الذي بشر به يهدف الى خلق حالة من النمو السريع في الاقتصاد الفلسطيني قد يهيئ القلوب لتقبل التسوية السياسية دون ان يشكل بديلا عن المفاوضات السياسية لكن يمكنه السير بالتوازي معها".

وأضاف أنه غاب العامل الاقتصادي حتى الان عن المفاوضات مع الفلسطينيين الذين نظروا بشك وريبة لفكرة السلام الاقتصادي وانشغل العالم والساسة الاسرائيليون بموضوع المستوطنات وحالة الجمود السياسي، وجرت مهاجمة حلم نتنياهو من قوى يسارية ويمينية على حد سواء، لكنه لا زال مقتنعا ومتمسكا بصدق توجهه.

والسؤال المهم في هذه الحالة، ماذا يقول الواقع الميداني في المنطقة؟ حين ندرس العلاقة المعقدة بين الاقتصاد والسياسة دائما نواجه صعوبة حقيقية في التمييز بين السبب والنتيجة لكن امرا واحدا شديد الوضوح، حيث يوجد الهدوء ينتعش الاقتصاد والعكس صحيح.

تصنف الضفة الغربية وقطاع غزة اقتصاديا ضمن العالم الثالث حيث يعتمد الاقتصاد في الضفة الغربية وقطاع غزة على الزراعة والصناعات التقليدية، اضافة الى المصانع الصغيرة والمناجر وصناعة الحجر والسياحة المتركز اساسا على زيارة الامكان المقدسة المسيحية في بيت لحم اضافة الى بعض مصانع الادوية التي اقيمت في سنوات الـ 90 في رام الله وبيت لحم يضاف اليها محاولة اقامة شركة الحواسيب "سان" لكن جميع تلك المصانع انهارت خلال الانتفاضة الثانية.

تعتبر السوق الفلسطينية سوقا مركزيا واحتكاريا يعج بالباعة والمشترين الصغار الذين لا يملكون القدرة على التأثير في حركة بعضهم البعض اضافة الى احتوائه على عدد من الشركات الصغيرة التي تربطها بنظام الحكم علاقات جيدة مثل شركة بال تل للاتصالات الخلوية اضافة الى ميزة الجهاز البيروقراطي "الحكومي" الكبير والمترهل ومستوى الحياة المنخفض وقلة السيارات الخصوصية قياسا مع عدد السكان، حيث يسافر غالبية الفلسطينيين في حافلات شركات النقل العامة او يستخدمون الدواب في تنقلهم والفجوة كبيرة بين شرائح المجتمع ولا يوجد نظام اعاشة لكبار السن ويعيش الكثير من الرجال حالة بطالة فيما تبقى غالبية النساء داخل المنازل ويجد الكثير من الاطفال انفسهم مضطرين للعمل بشروط مجحفة، حسب تعبير المحرر الاقتصادي المذكور.

وتشترك المناطق الفلسطينية في هذه الظروف مع دول الجوار مثل مصر وسوريا والاردن مع تميزها بمشكلة اضافية تتمثل بارتباط اقتصادهها بالغير وتفوق الاستيراد على التصدير بعدة اضعاف واعتماد ميزانية السلطة على المساعدات الخاريجة حيث يأتي اكثر من نصفها 1.5 مليار دولار على شكل مساعدة من اليابان ودول اوروبا الغربية وذلك اضافة الى المساعدات العينية التي تتلقها مثل الادوية والمستلزمات التي توزعها وكالة غوث اللاجئين ومئات المنظمات الحقوقية الاخرى دون ان نستثني الاموال "السوداء" القادمة من ايران، والحديث دائما للمحرر الاقتصادي لموقع "يديعوت أحرونوت" الالكتروني.

يضاف الى ما ذكر ارتباط الاقتصاد الفلسطيني الكبير باسرائيل حيث لا تمتلك السلطة الفلسطينية الموانئ ولا سيطرة لها على معابر الحدود وتتم جميع مبادلاتها التجارية مع العالم عبر اسرائيل التي تعتبر واقعيا اكبر شركاء السلطة الاقتصاديين فيما تعتبر السلطة ثان اكبر شريك اقتصادي لاسرائيل.

لا غرابة بان يتأثر وضع الفلسطينيين بشكل كبير جدا بالعلاقة مع اسرائيل، ففي سنوات الـ 70-80 حين تمتع الفلسطينيون بحرية دخول كاملة الى اسرائيل سجل الاقتصاد الفلسطيني نموا سريعا فاق ما سجله الاقتصاد المصري او الاردني ومع اقامة السلطة الفلسطينية وارتفاع وتيرة الاعمال "الارهابية" خلال الفترة الواقعه بين 1990-1997 اغلقت المعابر جزئيا واخذ اصحاب العمل الاسرائيليين يستبدلون العمالة الفلسطينية بأخرى اجنبية لتشكل هذه السنوات على قسوتها الفترة التي شهدت تأسيس الصناعة الفلسطينية خاصة وان المعابر قد اعيد فتحها في الفترة ما بين 1997-2000 لتعود معدلات النمو السريع، الى ان جاءت الانتفاضة الثانية التي ادخلت المناطق الفلسطينية في حالة من الفوضى الاقتصادية الشديدة واغلقت المعابر بشكل مطلق وكامل وفقد الاف العمال الفلسطينيين اماكن عملهم في اسرائيل وانهارت المصانع الفلسطينية بسبب القتال والحصار الذي منعها من تسويق منتجاتها وانكمش الاقتصاد بنسبة كبيرة واصبح غالبية السكان تحت خط الفقر يعتاشون بدولارين يوميا واصحبت مناطق السلطة في اكثر مناطق الشرق الاوسط فقرا وانخفض متوسط دخل الفرد الى 2000 دولار سنويا مقابل 4000 دولار للفرد المصري و5000 دولار للفرد الاردني.

وادعى البرفيسور افرايم كلايمان رئيس قسم الاقتصاد في الجامعة العبرية والمختص بالاقتصاد الفلسطيني ان الاحتلال امرا جديا للاقتصاد الفلسطيني مضيفا "هذا لا يعني ان الاحتلال بحد ذاته امر جيد ولكن هذه حقيقة ويكثر الفلسطينيون بالشكوى حول اوضاعهم الاقتصادية محملين اسرائيل المسؤولية، وجزء من هذه الشكاوى محق والجزء الاخر غير محق ومجرد ادعاءات، صحيح ان اسرائيل لم تسمح لهم باقامة المصانع وتركتهم مرتبطين باقتصادها، وصحيح ان اسرائيل جبت منهم الضرائب وصادرت الاموال ولم تبن اية بنية تحتية لكنهم لا يحفظون لنا الجميل عن الاشياء الجيدة التي حدثت لهم".

واضاف البرفيسور كلايمان "طالما تمتعوا بحرية دخول اسرائيل انتعش اقتصادهم اكثر مما سجله اقتصادنا وشاهدت عام 1980 حركة ترانزيت بين بيت لحم والقدس تحمل الكثير من الاثاث اضافة الى متعهد اسرائيلي يذهب الى رام الله ليتفحص البضاعة قبل خروجها، وبهذا تدفق "للمناطق" الكثير من المال وانا في الوقت الحالي لا اعرف مدى نموهم الاقتصادي رغم الاغلاق والحصار، ولكن حيث تحدث قطيعة كاملة بعد ارتباط كامل يكون الامر صعبا للغاية.

وفي باب المقارنة بين اقتصاد الضفة الغربية واقتصاد قطاع غزة يقول المحرر الاقتصادي بانه وحتى سيطرة حماس على القطاع كنا ننظر للضفة الغربية وقطاع غزة كوحدة اقتصادية واحدة ورغم ان مستوى الحياة في الضفة كان اعلى من نظيره في غزة، ولكن حين كان يسجل الاقتصاد نموا في الضفة كان يسجل نموا اخر في غزة والعكس صحيح.

ومنذ عام 2007 الذي شهد سيطرة حماس على القطاع اصبحت حياة سكان غزة في عالم آخر حيث توقفت حركة التجارة بين غزة واسرائيل والضفة الغربية وكذلك الامر مع انحاء العالم واغلقت المعابر ولم يفتح المعبر المصري الذي كان يهدف الى فصل غزة عن اسرائيل التي طلبت الحفاظ عليه مغلقا واستجاب المصريون لطلبها بهدوء.

وتظهر معطيات الغرفة التجارية الفلسطينية انخفاض التصدير من قطاع غزة بنسبة 90% خلال عام 2007 وادخل على القطاع عشرات الاف الدولارات بدلا عن 10 مليون دولار كانت تدخل غزة من تصدير الورود للدول الاوروبية اضافة الى اغلاق 95% من المصانع، واكد البنك الدولي تراجع متوسط دخل الفرد في قطاع غزة الى 1000 دولار سنويا بما يشبه متوسط دخل الفرد وسط افريقيا فيما اشارت معطيات الاحصاء المركزي الفلسطيني الى تسجيل نسبة بطالة تتراوح ما بين 30-40% مقابل اقل من 20% في الضفة الغربية.

وكذلك تراجعت مستويات الدعم الدولي المقدم لقطاع غزة بسبب المقاطعة المفروضة على حركة حماس وفي باب المقارنة ضخت الدول الغربية والعربية في اقتصاد الضفة الغربية خلال عام 2008 مساعدات بلغت 1.4 مليار دولار مقابل 100 مليون فقط وصلت قطاع غزة ما يعني ان 80% من سكان غزة يعتاشون على اقل من دولار واحد يوميا.

ورغم قسوة الظروف لا يتضور سكان غزة جوعا وذلك لسببين، الاول: المساعدات الانسانية التي واصلت تدفقها على القطاع وتوزع مجانا على السكان، والثاني: ان حركة حماس توفر بعض الاموال واماكن العمل للسكان بدلا عن تلك التي فقدها العمال بسبب اغلاق المصانع، ويعمل حاليا حوالي 50% من القوى العاملة في غزة اي ما يعادل 30% من مجمل السكان في اجهزة الامن والاجهزة الاخرى التابعة لحماس.

واورد المحرر الاقتصادي لموقع "يديعوت احرونوت" بعض الاحصائيات المقارنة بين اقتصاد الضفة الغربية واقتصاد قطاع غزة جميعها تناولت السنة المالية 2008 كان ابرزها: جنى الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية في السنة المذكورة 529 مليون دولار جراء عمليات تصدير البضائع مقابل عشرات الاف الدولارات فقط سجلها قطاع غزة، فيما ارتفعت مؤشرات التصدير في الضفة الغربية بنسبة كبيرة فيما اختفت تلك المؤشرات تقريبا من قطاع غزة وفي مجال الاستيراد سجلت الضفة الغربية 4.6 مليار دولار مقابل 650 مليون دولار في غزة "استيراد عبر الانفاق".

واشارت مؤشرات البطالة خلال عام 2009 إلى ما نسبته 16% في الضفة الغربية مقابل 40% في القطاع، فيما سجل مستوى دخل الفرد في الضفة الغربية عام 2008 نموا سنويا بمقدار 2800 دولار للفرد بنسبة نمو سلبي 0,8% مقابل نسبة نمو سلبي سجلها قطاع غزة بنسبة 8% للفرد الواحد.

وفي باب التوقعات الاقتصادية، تشير التوقعات الى امكانية تسجيل اقتصاد الضفة الغربية عام 2009 نموا ايجابيا يترواح ما بين 5-7% فيما يتوقع تسجيل اقتصاد غزة نموا سلبيا بواقع 5% مع نسبة لا تذكر لنمو ايجابي كما ينطبق هذا الحال على نسبة التضخم حيث من المتوقع ان يسجل اقتصاد الضفة الغربية تضخما سلبيا "انكماش" بنسبة 1% مقابل 3% قد يسجلها اقتصاد غزة.

واخيرا اشارت مؤشرات الفقر الى اعتياش 46% من سكان الضفة الغربية على اقل من دولارين يوميا مقابل 80% من سكان غزة، فيما بلغت ميزانية السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية عام 2008، 2.8 مليار دولار بما في ذلك المساعدات المقدمة الى قطاع غزة فيما لم يعرف حجم ميزانية سلطة غزة.