وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

شقت طريقها وسط الظلام: الشاعرة أماني الهسي ترى بنور بصيرتها ما لا يراه المبصر منا بلحاظ العين

نشر بتاريخ: 22/04/2006 ( آخر تحديث: 22/04/2006 الساعة: 22:29 )
غزة - معا- فادي عبيد -" بعضنا يغمض عينيه ويسدل فوقها جفناً تكحل بالسواد ... والبعض يرغم على الاختفاء وراء ستار عدسة سوداء من شأنها أن تجعله يعيش في عالم من الظلام .. غير أنه اخترق عباب الظلام صانعاً بريقاً من نور يصل إلى حد طريق غيره ممن يدعون الإبصار .

الصنف الثاني من هؤلاء تجسد في أنامل عشقت الحرية .. وفي نفس روحها تعشق التحدي .. استطاعت أن تجسد عملياً كيف يصنع الكبرياء من عمق الجراح ".

موعد مع القدر:

إنها ابنه مخيم الشاطئ الشاعرة / أماني كمال الهسي (22عاماً) ، التي خرجت من بين أزقة المخيم دون أن تتمكن من رصد معاناته سوى سبع سنوات حين كانت وفقدان البصر على موعد.

حيث حدثتنا أماني قائلة : " كانت البداية عام 1987 حين قررت استكشاف طريق المجاهدين الذين اختبأوا في منزلنا ، فتسللت بحذر شديد إلى الشارع وألقيت نظرة خاطفة كانت آخر عهدي بذلك المخيم ، فقد كانت قناصة الاحتلال وآلياته بالمرصاد لكل شيء يتحرك ، ففوجئت بالقنبلة تقذف وتنفجر في وجهي ....
كل ما أذكر بعدها أن ستار النظارة السوداء يحجبني عن النور ويحجبه عني ومن هنا بدأت وكان التحدي لا بد أن يبدأ أيضاً ....

البداية:

" فبعد إصابتي قررت أن أجد لنفسي مكانة ، خاصة وأنني توقفت عن الدراسة لمدة عام كامل ، انتقلت بعده للتعلم في مركز النور للمكفوفين ، فلم أجد وسيلة للتحدي غير الكلمة ، وكانت أولى كتاباتي في العاشرة من عمري بهذه الأبيات

" بكفاحي .. بدمائي النازفة .. من جراحي سوف أستل صباحي من الظلمات
همتي الساحة والصدر سلاحي ... يا أيها الهاربون من الديار .. النادبون عليه .. لا تذرفوا دمع التماسيح في البكاء .. فاستمرئوا أصفادكم .. أو فلتنهضوا تحت اللواء ...."

وتضيف أماني : " بعد هذه الأبيات والتي حملت عنوان " جرحي .. النازف " ، توالت كتاباتي المختلفة .. رغم أنني لم أكن أعرف شيئاً عما يسمى الوزن والقافية غير أنه كان يجذبني الكلام الجميل .

عقبات:

فحاولت أن أقرأ دواوين وأشعار الآخرين ، لكن المشكلة التي كانت تواجهني أن كتب الأشعار ليست متوفرة بل وجميعها بلغة المبصرين .

وبالرغم من ذلك قرأت " ديوان الشاعرة مي زيادة " حينما كنت في مرحلة الثانوية العامة بمساعدة مركز التقنيات في الجامعة الإسلامية الذي حاول جاهداً طبع أكبر عدد ممكن من القصائد على طريقة (بريل).

سفينة النضال:

هذه العقبات لم تثن أماني عن مواصلة طريقها ويبدو أن العبارة القائلة ( من رحم الشقاء يولد العظماء) تجسدت جلياً لدى شاعرتنا التي قالت : " بالرغم من الصعوبات التي واجهتني ، تطورت كتاباتي بفعل المطالعة المستمرة وكتبت قصيدة " رسالة شعب" في إطار قافية واحدة خاطبت من خلالها رئيس وزراء دولة الاحتلال ( أرييل شارون ) ، وقد لقيت أصداء قوية ونالت إعجاب العديد ممن اطلعوا عليها كالشاعر الدكتور عبد الخالق العف ، والشاعرة كفاح الغصين وغيرهم....


وتضيف أماني : " لكني لم أكن حينها أجيد فن الوزن ، واستمرت كتاباتي في تطور حتى استطعت أن أتقن الوزن والقافية ، وبعدها شاركت ولأول مرة في مسابقة أدبية نظمها منتدى أمجاد الثقافي الذي يعنى بالإبداعات الشابة وكانت مشاركتي بعنوان " سفينة النضال " حيث أجدت فيها الوزن وأحسنت نظم القافية ، فحصلت على المرتبة الأولى وتسلمت درعاً وشهادة تقدير من المنتدى ، وكانت هذه المسابقة بمثابة انطلاقة جديدة فتحت أمامي آفاقا أوسع ، فزادت ثقتي بكتاباتي وأصبحت أكثر جرأة على طرح نفسي كشاعرة في الساحة الأدبية.

محاولات كللت بالنجاح:

محاولات شاعرتنا للارتقاء بنفسها لم تذهب سدى ، حيث أخذت بعداً إعلامياً ، وتقول أماني : " كانت البداية في إحدى الإذاعات المحلية عندما قدمت كشاعرة ، تبعها لقاء عبر نافذة الفضائية الفلسطينية ، ثم وصل بي المقام إلى أحضان إذاعة صوت عمال فلسطين التي تمكنت من احتواء موهبتي وأصبحت أقدم عبر أثيرها برنامج " طيور على النافذة " الذي يهتم بالمواهب الشابة ويبحث عن أصحابها ويرتقي بهم " .

نجاح أماني لم يقتصر على المستوى المحلي ، بل تجاوز حدود الوطن حيث شاركت في العديد من المهرجانات الأدبية العربية ، كما شاركت في إحياء بعض المهرجانات في الولايات المتحدة الأمريكية بمبادرة من الجالية الفلسطينية هناك ، وهي بصدد نشر قصائدها عبر صفحات مجلة الدستور الأردنية .

" النجاح الأدبي لا يعني تراجع المستوى التعليمي ، بل على العكس تماماً فإن حب الأدب هو الذي يدفع للتفوق في الدراسة الأكاديمية " هذا ما قالته أماني عندما سألتها عن مدى تأثير انشغالها في مجال الكتابة والأدب على الدراسة الأكاديمية .

وتضيف شاعرتنا التي تدرس في كلية الآداب بالجامعة الإسلامية تخصص اللغة العربية المستوى الثالث وقد حازت على معدل 98% : " تعلقي بالقلم وحبي للأدب يزيد رغبتي في العطاء أكثر على المستوى الأدبي والأكاديمي ".

طيف الطموح:

وبالرغم من كل ما وصلت له أماني من نجاح ، لا زال طيف الطموح يلازم خيالها لتقول " أطمح أن أكون مثل كثير من الشعراء الذين لهم أصداء كتابية كالشاعر سميح القاسم ، وهارون هاشم رشيد ، وراشدحسين ،وفدوى طوقان ، كما أتمنى أن نشهد إنشاء مؤسسات تعنى بالمواهب الشابة" .

نجاح وتفوق لمسناه خلال لقاءنا "أماني" التي حرمت من النور ، نكاد نفتقده عند لقاءنا بالكثيرين ممن يدعون الإبصار ، في حياة يصدق فيها قول الشاعر :

بالعزم والإيمان أمضي واثقاً
*** حتى وإن غدت الحياةُ سباقاً