|
سجّل انا موظف- موظفون يتحدثون عن جوع عضهم ودين غلبهم وبقال احرجهم!
نشر بتاريخ: 25/04/2006 ( آخر تحديث: 25/04/2006 الساعة: 12:05 )
بيت لحم- معا- "فلسطين تحت الصفر " مع الاعتذار للروائي يحي يخلف صاحب رواية " نجران تحت الصفر " التي رصد فيها الجوع والقهر وطغيان حالة الفقر في الجزيرة العربية في ستينيات القرن الماضي .
وفي فلسطين الآن ينشب الفقر اظفاره في عتمة الليل وصقيع العزلة، وقهر المحتل ليعض " الموظفين في الارض " الذين ضاقت بهم السبل، وسدّت في وجوههم الآفاق، ونام اطفالهم يتضورون جوعاً على وقع " طبخة الحصى " فيما يتوارى الناس عن وجه البقال الذي يطرقون بابه قائلين له " سجل على الدفتر .. فأنا موظف ". فها هو شهر نيسان يطوي ثلثه الاخير، بينما الموظفون ينتظرون خبراً عاجلاً تطيره الفضائيات بقرب صرف الرواتب لكن هذا الخبر لم يأت بعد ويبدو انه سيتاخر كثيرا بسبب اجراءات الحصار الشديدة المضروبة على حركة نقل الاموال عبر البنوك. التقرير التالي يرصد حكايات الموظفين المقهورين بسبب تأخر رواتبهم بعد ان غلبهم الدين واخجلهم البقال. الحطب.. ما احلى الرجوع اليه : "لقد إستبدلت إسطوانة الغاز بكيسي حطب حتى أتمكن من طهي الطعام لاسرتي، فالحطب كما تعرف لا يستهلك شيئاً كثيراً فقط عود كبريت وقطع من النايلون .. ويشتعل " بهذه العبارة بدأ الموظف عبود سامي الفرا حديثه معنا، فهو يعمل في جهاز حرس الرئيس الخاص ويتقاضى راتباً مقداره ألفا شيكل. واضاف قائلا: " منذ 54 يوماً ونحن ننتظر الرواتب فقد تبخرت مع الوعود المتلاحقة التي لم تسفر سوى عن حقيقة مرة هي أن رواتبنا أصبحت في " خبر كان " . وأضاف مطلقا تنهيدة عميقة " بدأ صاحب الدكان يتهرب من الجيران الذين لم يتمكنوا من تسديد " ديونهم "، فأخجل أن أذهب إليه وأكتفي ببعض المصروفات البسيطة" . اما الموظف علي قاسم الذي يعمل في وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" فقد عبر عن ضيق ذرعه بالحال الصعب فهو يتقاضى راتباً قدره ( 2300 ) شيكل مشيراً إلى أنه تقدم لخطبة فتاة وكان له ذلك، وانه شرع في تعمير مسكن له حتى يكمل نصف دينه ولكنه الآن عاجز عن فعل أي شيىء . حياة الموظف قاسم خرجت عن المألوف في نسق الحياة الذي عاشته ذاكرته بعد حصوله على وظيفة عمل في رحلة المعاناة التي بدأت منذ صغره ولكنها الحياة لا تبتسم للمرء دوماً . واضاف والالم يعتصر قلبه "ضاقت بنا الحياة وأحلامنا في إنتظار رواتبنا تبددت .. ديوني أصبحت لا تطاق وحالتي النفسية صعبة للغاية .. فماذا أفعل .. لا شيىء سوى الصبر والإنتظار" . بعت مصاغ زوجتي : أما الموظف باسل زكي الذي يعمل في إحدى مؤسسات التربية والتعليم فقد اقدم على بيع مصاغ زوجته بالتدريج حتى يؤمن طريقاً كريماً لمستقبل أسرته يبعده عن " جرح الحاجة والسؤال " على حد تعبيره . واضاف قائلا : " منذ خمسة شهور لم أتقاض راتباً، بسبب تعييني الجديد، حياتي أصبحت مثقلة بالديون والهموم، مستقبلنا أصبح مهددا بالضياع، الضغط والألم والترقب والإنتظار هو ما يخيم على نفوسنا. اما محمود قنن الذي يعمل في أحد الأجهزة الأمنية فقد أصبح يذهب إلى عمله مشياً على الأقدام، وتراوده الرغبة احيانا بالا يغادر بيته. ويتابع حديثه قائلا: " أفكر كثيراً أن ألتزم بيتي ولا أذهب للعمل، أو ربما أبحث عن وظيفة أخرى ان كان ذلك متاحا". وراى قنن انها المرة الاولى منذ استلامه الوظيفة الرسمية قبل بضع سنوات التي يشعر فيها بفقدان امنه الاقتصادي معللاً ذلك بجملة من الأخطار التي تواجه سكان قطاع غزة من وجهة نظره وفي مقدمتها عدم صرف الرواتب، إلى جانب الإغلاق الإسرائيلي للمعابر، وشح المواد الغذائية الأساسية، إضافة إلى التصعيد العسكري الأخير على القطاع . شيك بدون رصيد !! اما المربية احلام فترى في الشيكات الراجعة هما كبيرا يلاحقها واضافت تقول " اكثر ما ينغص حياتي هو الشيكات الراجعة، فقد رجع لي و للشهر الثاني على التوالي، شيكان قيمة كل واحد منهما 500 شيكل ، وخصم بنك الاسكان 20شيكلا عن كل شيك ." وتمضي احلام في حديثها قائلة " سامح الله وزير المالية والدول العربية والدول الاجنبية، ما ذنبي وذنب الحداد ! الذي اعطى الشيك لتاجر الحديد وبالتالي هو اعطاه لشخص آخر، والشيك بلف وبدور على الفاضي ، دون رصيد ". وامام ما تسمعه احلام من وسائل الاعلام عن تأخر وصول الالتزامات المالية العربية، فيشعرها بالقلق احيانا وبالاحباط احيانا اخرى، حيث ان مصدر دخلها الوحيد هو راتب وزارة التربية والتعليم، الذي نفذ منها قبل اسبوعين، وتمضي حياتها اليومية في الاعتماد على صاحب البقالة في توفير الاحتياجات اليومية للمنزل " وسجل ع الدفتر " حتى انها اصبحت تخجل من البقال . مشي المضطر! اما الاستاذ محمد والذي بدأ يمارس عادة جديدة في حياته وهي المشي الطويل فقال " منذ بداية الشهر الحالي، وكل يوم اذهب واعود من المدرسة سيراً على الاقدام ، في بداية الامر ظننت ان الامر طبيعي ، ولكن بعد اسبوع بدأت العيون تطاردني، استاذ يمشي في الشارع، ولا يستطيع ركوب سيارة للوصول للمدرسة، احاول جاهداً ان اقنع نفسي قبل الاخرين بان هذه مرحلة وسوف تمضي بسلام، لكن اكثر ما يغيظني هو انها لا تنتهي ". ويضيف الاستاذ محمد وقد تبدد الامل لديه " الامل يموت يومياً مع تضارب الانباء التي نسمعها " وخليها على الله " كرت الجوال انتهى، وغداً او بعد غد ستقوم شركة الاتصالات بقطع الهاتف، وفاتورة المياة والكهرباء، من اين نأتي بالنقود لسدادهم، لا اريد جوالا او هاتف او كهرباء لكنني لا استطيع العيش بدون ماء ." اما الشرطي حسن فقد بدا متفائلاً اكثر من غيره حيث قال " لا توجد عندي مشكلة مواصلات، فالجميع في المدينة يعرفني، وهوايتي هي السير على الاقدام، ولكن هناك مشكلة بسيطة وصغيرة، هي ما الذي سوف اتناوله الليلة لطعام العشاء ..صدقني منذ شهر ونحن في البيت نتناول الزعتر بالزيت، والدبس بالطحينة، والحمد لله على كل حال، واتمنى من الله ان تزول هذه الغمامة وينجح وزير الخارجية بمساعية في توفير الميزانية ودفع رواتبنا ." اما يوسف والذي يعمل مديرا عاما في احدى الوزارات فيعتزم رفع شكوى ضد وزير المالية لتعويضه عن الاضرار التي لحقت به جراء تاخر صرف الرواتب. واضاف قائلا " لا اعرف اذا كان هناك في القانون الفلسطيني بند يتحدث عن تعويض الموظفين في حال تأخر صرف رواتبهم، لكني سوف استشير محامياً في الموضوع، فانا في نيتي ان ارفع قضية على وزيري في العمل وعلى وزير المالية لتأخرهما في صرف حقي، واطالب في القضية بدفع التعويضات التي لحقت بي، التعويضات المالية بسيطة، لكن الضرر الذي لحق بي من البقال واللحام ومن ابنائي، فلا احد يستطيع ان يعوضني عنه ." وعبر الكثير من الموظفين عن خشيتهم من أن تؤدي حالات تأخير صرف الرواتب إلى حدوث كارثة اقتصادية وإنسانية لربع سكان الأراضي الفلسطينية بشكل مباشر حيث يعتمد قرابة المليون مواطن على دخل الموظف الحكومي. ولم تكن الشرائح الأخرى من المجتمع الفلسطيني أكثر تفاؤلاً من الموظفين، فقد أعرب الكثير ممن يعتمدون بشكل شبه كامل على رواتب ودخل الموظفين عن مخاوفهم من فقدان أماكن عملهم كالسائقين مثلاً أو إغلاق متاجرهم وتعرضهم للانهيار الاقتصادي كالتجار وأصحاب المحال التجارية المتوسطة والصغيرة. انا في ورطة : اما عبد الله عبادي الذي يعمل مدرسا في احدى المدارس في بلدة اليامون قضاء جنين حيث تم تعيينه منذ خمسة اشهر قال" انا الان في ورطة اخرى حيث ارتبطت بفتاة قبل ستة اشهر وموعد الزفاف في شهر اغسطس من هذا العام حيث تم الاتفاق بيني وبين خطيبتي على الموعد ولا اعلم ماذا افعل فمنذ شهر لم ازر خطيبتي لاني لا استطيع شراء هدية لو بسيطة ادخل عليها كما اني ادبر امري في المصروف بأخذه من والدي الذي يعمل تاجرا في احدى المحلات في مدينة جنين ومن شقيقي الاكبر الذي يعمل في شركة خاصة في رام الله واشعر عندما استلم مصروفي منهما اني ما زلت صغيرا ومحرجا امامهم". اما صبحي ابو بكر في الخمسينات من عمره يعمل مدرسا في احدى المدارس في بلدة يعبد قضاء جنين فقال "اعيل اسرة مكونة من سبعة افراد ثلاثة من ابنائي يدرسون في جامعة النجاح الوطنية وجامعة القدس المفتوحه وليس لي مصدر اخر للدخل حيث اعتمد على راتبي وعلى ابني الاكبر الذي كان يعمل في اراضي 1948 وبعد التشديد الاسرائيلي على التصاريح جلس ابني عاطلا عن العمل واغلقت الدنيا امامه". وقال ابو بكر انه محتار بأمر الراتب الذي تاخر عليه شهرين حيث فرغت جيوبه من المال وعليه التزامات بيتية كما انه الان لا يستطيع اعطاء اولاده الذين يدرسون في الجامعات مصروفهم الاسبوعي وخاصة الذي يدرس في جامعة النجاح الوطنية . وقال ابو بكر" منذ شهر لم ازر ابنتي التي تقطن في احدى ضواحي القدس حيث تكلفني زيارتها ما يقارب 300 شيكل ما بين هدية ومواصلات وكلما تدعوني ابنتي لزيارتها تنحسر الدمعة من عيني قائلا لها لا استطيع متحججا بالطرق المغلقة وصعوبة الوصول اليها". وطالب ابو بكر الدول العربية والاسلامية بالوقوف مع الشعب الفلسطيني والدعم المادي والمعنوي لهم كما حذر من وصول الشعب الفلسطيني الى المجاعة كما يحدث في بعض الدول الافريقية. نضال حمارشة يعمل في الامن الوطني في جنين قال "منذ شهر تقريبا لم اذهب الى البيت بل امكث في المقاطعة وانام هناك حيث كنت في السابق اداوم اربعة ايام في الاسبوع ولانني لا املك الان المال ولا استطيع دفع المواصلات بين يعبد وجنين والتي تكلفني ذهابا وايابا عشرة شواكل امكث في المقاطعه لتوفير المواصلات التي تكلفني في الاسبوع خمسين شيكلا". اما بالنسبة للاكل والشرب والدخان فقال "استدين من الدكان القريب من المقاطعه حيث اتفقت مع صاحب المحل في الصبر حتى استلم الراتب وادفع له حيث ادين له ما يقارب 2000 شيكل منذ شهرين." وطالب الحكومة الفلسطينية بايجاد الحل السريع في تدبير رواتب الموظفين حيث قال :"اشتاق لاهلي واريد رؤيتهم كما اريد ان ابيض وجهي امام صاحب المحل الذي استدين منه ثمن الطعام والشراب والدخان ." معلم يجمع من زملائه ثمن علبة حليب : ووصل سوء الاحوال باحد المعلمين الذي يعمل في احدى مدارس جنين رفض الكشف عن اسمه حيث اضطر للطلب من المعلمين ان يجمعوا له ثمن علبة الحليب لابنه . واضاف قائلا :" لدي ولد رضيع عمره عام ونصف احتاج الى الحليب ولا املك المال حيث استدين من والدي وشقيقتي وشقيقي ومن اجل شراء علبة حليب لابني الرضيع استحيت من طلب ثمن علبة الحليب من والدي واشقائي لكثرة المال الذي استدنته منهم فطلبت من المعلمين بالتبرع لشراء علبة الحليب حيث دفع كل معلم شيكل ومنهم من دفع شيكلين حتى تم تجميع ثمن علبة الحليب" . وتساءل اذا انتهت علبة الحليب واحتاج طفلي مرة اخرى للحليب ماذا افعل هل اطلب من المعلمين بالتبرع لابني مرة اخرى لشراء الحليب؟. |