|
بعد مرور عام- عائلة أبو ظاهر ما زالت تعيش الحرب في خيمة
نشر بتاريخ: 26/12/2009 ( آخر تحديث: 26/12/2009 الساعة: 17:46 )
غزة- معا- اليوم وبعد مرور عام على الحرب ما زال سكان غزة يعيشونها وما زال الدمار في مكانه، وما زال البكاء على الشهداء مشتعلاً والجراح مفتوحة.
عائلة أبو ظاهر المكونة من سيدتين سهيلة (53 عاماً) وكفاية (70 عاماً)، وأخوهما محمد (60 عاماً) والذي يعاني من ضمور في الأرجل واليد اليسرى ولا يحرك سوى يده اليمنى، وأمهم التي تجاوز عمرها المائة عام والتي تستخدم جهازا خاصا للمشي، جميع هؤلاء كانت لهم حكايتهم مع الحرب. حين وصلنا إلى الخيمة التي يسكنونها، كانت سهيلة تغسل بعض الملابس على باب الخيمة وبجانبها كان هناك ماء يُسخَّن على بعض الحطب الذي ملأ دخانه المكان، وحين رأتنا رحبت بنا ودعتنا لدخول الخيمة حيث كانت والدتها التي استقبلتنا بابتسامة علت وجهها الموشوم مثل كل النساء في زمنها قديماً ليحكي الوشم بنفسه قصة سنواتها المائة. سألنا سهيلة عن الحرب، فاشتعلت ذاكرتها وبدأت تروي لنا.. عند بداية الحرب كانت العائلة في منزلها المكون من الصفيح، فرأت سهيلة باعتبارها الوحيدة القادرة على التحرك بسهولة أن تنقل عائلتها إلى منزل جيرانهم المبني من الأسمنت لأنه أكثر قدرة على حمايتهم من الطلقات العشوائية التي تنطلق من كل مكان، هناك استضافتهم جارتهم أم تيسير التي رفضت تركهم وبقيت معهم حتى نهاية الأحداث. لقد كانت المنطقة خالية تماماً من السكان ولم يبق إلا من لم يستطع المغادرة،حيث كان القصف شديداً وطال العديد من المنازل، لكن عائلة سهيلة لم تتمكن من التحرك بسهولة بسبب عدم قدرة الأم والأخ على السير. تقول سهيلة إن العائلة حاولت عدة مرات أن تغادر المنزل خاصة مع وجود بوادر لبدء عملية برية، لكن كل المحاولات باءت بالفشل، ولم يمر إلا وقت قصير حتى وصل الجنود الإسرائيليون إلى المنزل. تملك الرعب جميع الموجودين خاصة مع إطلاق الكلاب البوليسية عليهم، حيث أخذت الكلاب تشْتَم كل الحاضرين. صرخ الضابط الإسرائيلي في وجه سهيلة طالباً منها أن تطلعه على أماكن وجود الأنفاق والمقاومين، فأجابته أنها لا تعرف مكان أي شيء، فامسك بكتفها رافعاً إياها عن الأرض ومكرراً نفس السؤال وحين لم يجد رداً منها، همَ بضربها بحائط المنزل فأمسكت به في محاولة لحماية نفسها، عندها طلب منها أن تخلع جزءا من ملابسها حتى يتمكن من التأكد أنها لا ترتدي حزاماً ناسفاً. والدة سهيلة والتي ترك الزمان توقيعه على خطوط وجهها وشعرها الذي تعرف من خلاله كيف يشتعل الرأس شيباً، كانت تستمع إلى ابنتها وهي تروي ذكريات الحرب فقاطعتها بكلمات مرتجفة "عندما رأيت ابنتي تحت تهديد الجنود أصبت برعب شديد منعني من السير بعد ذلك حتى ولو بمساعدة جهاز المشي". وتكمل سهيلة حديثها عن الجنود قائلة إنهم بعدما فتشوا كل المنزل بدقة، وضعوا العائلة كلها في غرفة واحدة ومنعوهم من اخذ أي شيء حتى الطعام، وبقي الجميع يتناولون بعض كسرات الخبز التي كانت بحوزتهم، أما الماء فلا يحصلون عليه إلا بعد إلحاحٍ في الطلب وتعب شديد، وحتى الذهاب إلى المرحاض كان ممنوعاً نهائياً، ولم يسمح الجنود بإغلاق باب الغرفة حتى حين يحتاج أي من أفراد العائلة أن يقضي حاجته. لقد بقي الجميع طوال ثمانية أيام متوالية تحت رحمة الجنود الذين منعوا أفراد العائلة من الصلاة وكانوا يستهزؤن بكل شيء حتى حين كانت الوالدة ترفع يدها للسماء للدعوة قائلة "يا رب" كان الضابط يكرر دعاءها بلهجة تحمل الكثير من السخرية والاستهزاء، بالإضافة إلى ذلك كان طوال الوقت يردد بغطرسة عبارات النصر ويقول أنه سيسحق غزة بقدمه ويكرر عبارة"جباليا هذه لي". وتستكمل سهيلة حديثها وتخص بالذكر اقتناصها لنظرة سريعة من شباك المنزل، فتقول: "خلال وجود الجنود استرقت النظر من النافذة وكان من المفترض أن أرى منزلنا ولكني لم أجده فعرفت أن الجنود قاموا بتجريفه". في هذه الأثناء كان احد أقرباء صاحبة المنزل يجري اتصالاته مع الصليب في محاولة لإخراجهم من المنزل، وفعلاً نجح في ذلك بعد ثمانية أيام ذاقت فيها العائلة الأمَرين. بعد عملية التنسيق تمكن الصليب الأحمر من إرسال فريق إسعاف يتكون من خمسة أفراد احدهم سويسري الأصل،فحملوا الوالدة ووضعوا الأخ على حمالة، وحين همت سهيلة بحمل لحافيين لتغطية والدتها وأخوها أمرها الضابط بتركهما للجيش، برغم ذلك أحست سهيلة بسعادة غامرة لوصول فريق الإسعاف إليهم ولكن بمجرد خروجها من باب المنزل انتابها إحباط شديد حين رأت كل المنازل الأخرى قد دمرت ولم يبق غير المنزل الذي كانوا فيه، بالإضافة إلى العدد الكبير للجنود المنتشرين في كل مكان،ثم غادرت المنطقة مع عائلتها ولم يعودوا إلا بعد انتهاء الحرب. اليوم تسكن عائلة أبو ظاهر في خيمة متواضعة لا تصل إليها أي خدمات كما أنها تصبح غير مجدية عندما تكون الرياح قوية، وحين يسقط المطر لا يستطيع سكانها النوم بسبب صوت تصادم قطرات المطر بالخيمة،وهي مبنية على مساحة ضيقة من الأرض تبرع بها احد جيرانهم. وتقتات العائلة على المساعدات التي تأتيهم من أهل الخير ولكنها مازالت لا تكفي لسد الرمق خاصة بعد أن فقدت العائلة مصدر رزقها الوحيد والمتمثل بالدواجن التي نفق جزء منها وضاع الباقي خلال الحرب. يذكر أن شاب من العائلة استشهد في قصف إسرائيلي أثناء عملية المحرقة العسكرية في عام 2008 ،والذي كان يساهم بشكل كبير أيضاً في إعالة أسرته. سهيلة التي أثقلت الحرب كاهلها وزادت من حجم مسئولياتها الكبيرة أصلاً، وجدت مساحة للتحدث عن الوحدة الوطنية وقالت لا يوجد نصر بغير وحدة ولا يمكن أن يتحسن الحال إلا بها. عائلة أبو ظاهر كغيرها من العائلات المنكوبة بسبب الحرب لم تجد من يمد لها يد مساعدة حقيقية حتى الآن،في ظل السماع عن إعمارٍ ما،وعدم رؤية أي نتائج بعد. |