وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الرصاص المصبوب في ذكراها الاولى.. حرب الأرزاق والمساكن مستمرة

نشر بتاريخ: 27/12/2009 ( آخر تحديث: 27/12/2009 الساعة: 13:15 )
غزة- معا- الثنايا والتفاصيل البشعة هي نفسها في كل مكان وفي كل بيت تدخله يظل الحزن والأسى هو الشعار المرفوع.. سكان قطاع غزة وبالرغم من مرور عام بأكمله على بداية الحرب ما زالوا يعيشونها وكأنها انتهت بالأمس فقط، فالدمار ما زال قائماً في كل مكان، وضحايا الحرب يتجرعون مُرها حتى هذه اللحظة.

من بقي من السكان يعيشون اليوم بين أمرين، إما استصلاح مكان مؤقت للسكن في انتظار الإعمار المرجو، أو السعي وراء مصدر للرزق بعد أن فقد العديد من المواطنين مصادر رزقهم جراء القصف و التجريف في ظل الشح الموجود أصلا لفرص العمل.

وهناك الكثير من النماذج بين المواطنين تحكي لنا هذه القصص المظلمة والمؤلمة.. عائلة العثامنة والتي ذاقت نصيبها من النكبة أول مرة في منطقة بيت حانون، حين فقدت العائلة 18 شهيدا في مجزرة إسرائيلية اختصت منازلهم بـ 13 قذيفة مدفعية قالت إسرائيل إنها سقطت بالخطأ.

وحين انتقلت العائلة إلى منطقة عزبة عبد ربه لتبدأ حياة جديدة جاءت عملية الرصاص المصوب الإسرائيلية عام 2009 لتكمل المأساة، حيث فقدت العائلة خمسة منازل لها و 3 سيارات أجرة كانت تستخدمهم كمصدر للرزق، وبقي معظم أفراد العائلة المكونة من 52 فرد بلا دخل، حتى باتو يشعرون أنهم تحولوا بين ليلة وضحاها إلى متسولين ينتظرون أي مساعدة يمكن أن تساهم في سد الرمق، وذلك بالرغم من أن وكالة الغوث بنت منزل من الطين للعائلة لكنه لا يساوي شيئا أمام الخسارة الكبيرة وذهاب مصدر الرزق، بالإضافة إلى أن القوات الإسرائيلية اعتقلت فرداً من العائلة ومازال حتى اليوم في الأسر.

ويقول رائد العثامنة "من الغريب أننا مازلنا نسكن الخيم اليوم ونحن على أبواب 2010، وكل الأخبار عن الإعمار تحولت في نظرنا إلى أكاذيب بعد عام كامل على تشريدنا من بيوتنا،وقطع أرزاقنا".

وأضاف "أطفالنا ما زالوا حتى اليوم يلتصقون بالجدران عند سماعهم لأي صوت مرتفع، ونحن لا نريد أن نخسر أطفالنا نفسيا وجسديا".

أما عائلة عبيد والتي استشهد اثنين من أفرادها، وهدمت 6 منازل لها ودمر مصدر رزقها المتمثل بمزرعة لتربية العجول والأبقار والجمال والخيول.. تحاول اليوم أن تلم شتاتها، وتعيد بناء ما فقد من جديد، وتسعى إلى تعمير منزل لها بجهودها الخاصة بالرغم من ضيق ذات اليد.

الحاجة صبحة عبيد تعودت على رؤية محصي الأضرار الذين توافدوا على المنطقة بعد الحرب حتى سئمت رؤيتهم، ولم يعد لديها أمل أن هناك من سيمد يد العون بصدق ويساعد عائلتها أو أي من العائلات المجاورة، وتؤكد أن أي من المساعدات التي تصلهم، تكفي بالكاد للأكل والشرب والملبس.

وفي منطقة الزيتون شرق غزة يقف حمدان السوافيري ( 58 عاما) على بقايا مزرعته والتي تمتد على مساحة خمسة دونمات تركتها الحرب رأسا على عقب، وهو أحسن حال من غيره حيث حصل على مبلغ بسيط من المال ولكنه كان كافياً فقط لبناء سور للمزرعة.

ويعبر السوافيري عن شعوره الشديد بالإحباط نتيجة ما حصل حيث انقلبت كل حياته وتغيرت، وعلى المزرعة ديون كان ينوي سدادها من الإنتاج، فذهبت المزرعة وبقيت الديون.

أما جاره هاني أبو زور صاحب مخرطة حديد ففقد جراء الحرب العديد من الآلات وتضررت مخرطته بالإضافة إلى منزله، ومازال عليه أن يدفع أجرة العمال، وقد حصل على مبلغ زهيد من المال لتعويضه عن الضرر ألذي لحق به ولكنه لا يكفي لإعادة العمل على ما كان عليه قبل الحرب.

وبالانتقال إلى منطقة جبل الريس حيث يرفض الحمام أن يغادر ما كان يوما سطحا يضم أعشاشه واليوم لا يعدو أن يكون سوى ركام متناثر، حيث نالت المنطقة نصيبها الوفير من الحرب، هناك نجد المواطن شريف خضر يسكن في منزل شبه مهدم.

يقول خضر "العديد من المؤسسات تأتي لتسجيل الأضرار ولكن ولا واحدة منها تقدم مساعدة حقيقية، وقد طلبت مني إحدى المؤسسات أن يستأجر منزلا كي تساعدني وبالفعل قمت باستئجار المنزل ودفعت من جيبي الخاص لكن أحدا لم يساعدني".

أما عن مصدر رزقه فقد كان يعتاش على محصول أشجار الزيتون التي قام الاحتلال بتجريفها أثناء الحرب، ويعتمد الآن على دخل ابنه الذي يعمل كسائق أجرة.

ابنته تهاني هي الأخرى نالت نصيبها حيث كانت تسكن مع أولادها و زوجها في منزلها المكون من ثلاث طوابق وحواصل، أتخذ زوجها من أحد هذه الحواصل دكانا، كمصدر أساسي لرزق العائلة خاصة بعدما توقف عن ممارسة مهنته كعامل بسبب المرض، ولكن كل شيء دُمر بغمضة عين.. تتحسر تهاني على منزلها ورزقها الضائعين وتقول "كنت أنا وزوجي نحلم أن نزوج أولادنا في نفس المنزل، واليوم أصحبنا نعتمد على المساعدات في كفاية حاجاتنا الأساسية".

وبالرجوع إلى الجهات المنوط بها عملية الاعمار، يقول وكيل عام وزارة الأشغال في الحكومة المقالة إبراهيم رضوان إن إعمار المنازل المدمرة يبقى مستحيلا في ظل الحصار المفروض على القطاع والذي يمنع دخول المواد الأساسية اللازمة لذلك، خاصة في ظل الكم الكبير من المنازل المدمرة واستمرار إسرائيل في إغلاق كل المعابر المؤدية إلى قطاع غزة.

تحت كل هذه الظروف والتي تعصر أعناق المواطنين، يقف الأمل على مشارف المغيب في وجود حل يساعد كل هؤلاء الذين حملوا ذنب فلسطينيتهم وقدموا الأرواح والأموال في سبيل ذلك.