|
فياض: صمود الجماهير العربية في اسرائيل شكل نموذجاً لتعزيز صمود شعبنا
نشر بتاريخ: 27/12/2009 ( آخر تحديث: 27/12/2009 الساعة: 17:25 )
رام الله-معا-قال رئيس الوزراء د. سلام فياض أن الصمود البطولي للجماهير العربية الفلسطينية في الجليل والمثلث والنقب، رغم كل سياسات التمييز والقهر التي لحقت بهم، مكنهم من كسر حواجز العزلة والتشكيك والتشويه الظالم الذي لحق بهم في مرحلة ما بعد النكبة.
وأضاف انه من حق الجماهير العربية في إسرائيل أن تفخر وتعتز بصمودها، والذي شكل الإسهام الأهم الذي قدمته للحركة الوطنية الفلسطينية، ولنضال شعبنا المتواصل، بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد، لنيل حقوقه المشروعة وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير وأقامه دولة فلسطين المستقلة على كامل حدود عام 67 وعاصمتها القدس الشرقية. وشدد فياض على أن الجماهير العربية في إسرائيل وقفت دوماً في طليعة قوى السلام الإسرائيلية، وكانت السباقة في بلورة ودعم طريق السلام العادل بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي والذي يضمن إنهاء الاحتلال عن كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتساءل رئيس الوزراء " كيف يمكن لأولئك الذين يتحدثون عن السلام أن يجرؤوا على محاولة تصوير أن ثمن هذا السلام هو تجديد مأساة النكبة وسياسة "الترانسفير" لجماهير السلام العربية في إسرائيل وقال" لا يمكن أن نقبل بسلام يبنى على أنقاض حقوق الجماهير العربية في إسرائيل". وشدد فياض على ضرورة تصويب مسار العملية السياسية من خلال تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته المباشرة لإنهاء الاحتلال، وإلزام إسرائيل بوقف انتهاكاتها للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية وخطة خارطة الطريق، والمتمثلة بالوقف الشامل والتام للأنشطة الاستيطانية في كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي مقدمتها القدس الشرقية ومحيطها، كمقدمة لانطلاق عملية سياسية جادة ومتوازنة تفضي إلى إنهاء الاحتلال. وأكد رئيس الوزراء أن وثيقة برنامج عمل الحكومة وخطتها للعامين القادمين تتمحور حول مسؤوليات السلطة الوطنية للدفاع عن مصالح شعبنا، ودورها في بناء مقومات مرتكزات ومؤسسات الدولة الفلسطينية وبنيتها التحتية. وهي تستهدف بشكل جوهري استنهاض طاقات شعبنا، وتعزيز انخراطه في عملية انجاز المشروع الوطني بصورة عملية ملموسة، من خلال توحيد جهوده في ورشة بناء تجعل من استكمال مؤسسات دولة فلسطين وسيلة إضافية، بل ورافعة مركزية، تعجل في إنهاء الاحتلال. وشدد فياض على ضرورة إعادة الوحدة للوطن، وإغلاق فصل الانقسام المأساوي، وتوحيد مؤسسات الوطن التي يوحد طاقات شعبنا ويستنهضها في مواجهة الاحتلال، وبما يمكن السلطة الوطنية من تنفيذ خططها وبرامجها لإعادة اعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وقال " إن توحيد الوطن شرط لتحريره، وإعادة الوحدة لمؤسسات السلطة الوطنية هو شرط للنجاح في بناء مؤسسات الدولة". جاء ذلك خلال كلمة رئيس الوزراء في حفل تكريم الحزب الديمقراطي العربي للأخ عبد الوهاب دراوشة مؤسس الحزب، والتي وبسبب تواجد رئيس الوزراء د.سلام فياض في نابلس لمتابعة الأوضاع بعد عملية الاغتيال لثلاثة مواطنين، وتفقده للمدينة، وتقديم واجب العزاء، تلاها بالنيابة عنه مستشار رئيس الوزراء جمال زقوت. وقد شارك في الحفل عدد واسع من قادة الوسط العربي في اسرائيل وفي مقدمتهم عبد الوهاب دراوشة مؤسس الحزب الديمقراطي، وعضو الكنيست عن القائمة العربية الموحدة طلب الصانع، ورئيس كتلة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة عضو الكنيست محمد بركة، وعضو الكنيست عن الحزب الديقراطي العربي سعيد نفاع، وعضو الكنيست ابراهيم صرصور، والسفير المصري في اسرائيل ياسر رضا، ونائب السفير الأردني ضيف الله الفايز، والأب صالح ابو فادي راعي كنيسة سخنين، ورؤساء السلطات المحلية العربية. وهذا نص كلمة رئيس الوزراء: فـي تكريم عبد الوهاب دراوشة الناصـرة 26 كانون أول 2009 يسعدني أن أكون معكم في هذه المناسبة الهامة لأشارككم تكريم الأخ عبد الوهاب دراوشة كأحد أبرز قادة العمل السياسي للجماهير العربية الفلسطينية في اسرائيل. كما ويسعدني أن أنقل إليكم في هذه المناسبة تحيات الأخ الرئيس محمود عباس "أبومازن" وكل أبناء شعبكم الفلسطيني في الوطن والشتات. وأشعر بسعادة فائقة، وأنا بينكم اليوم في مدينة الناصرة، خاصة في هذه الأيام المجيدة من أعياد الميلاد ورأس السنة، حيث تزهو فيها الناصرة، عروس الجليل، بعمق تاريخها في الحضارة الإنسانية، والتي كرّس فيها شعبنا بمسيحييه ومسلميه، وعلى مدار التاريخ، قيم التسامح وتعايش الثقافات والانتماء الوطني الراسخ، والتي مكنت أهل المدينة وكل مدن وقرى الجليل والمثلث والنقب من الصمود والإبداع في تجسيد القدرة على البقاء. وإنه لشرف كبير بالنسبة لي أن أتواصل معكم مباشرة، ومن خلالكم مع كل أبناء شعبنا الفلسطيني الذين صمدوا على أرضهم، في الجليل والمثلث والنقب، والذين انتصروا لهويتهم العربية الفلسطينية، وتمكنوا بفعل هذا الصمود البطولي، رغم كل سياسات التمييز والقهر التي لحقت بهم، من كسر حواجز العزلة والتشكيك، ومحاولات التشويه الظالمة وفارغة المضمون التي لحقت بهم في مرحلة ما بعد النكبة... فالدرس الذي انتصرت به الجماهير العربية الفلسطينية في اسرائيل، وجعلته نموذجاً نتعلم منه ونحتذي به، تمثل في الثبات على الأرض والصمود في وجه كل محاولات الطمس والالغاء. وهذا بحد ذاته يستحق منا، ومن كل الشعوب العربية، كل التقدير والثناء. فخلاصة هذه التجربة الغنية شكلت ومازالت تشكل نموذجاً للصمود والثبات لشعبكم المناضل في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وإصراره على التمسك بحقوقه الوطنية المشروعة، وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على كامل حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وتفاني هذا الشعب في نضاله المتواصل لنيل حقوقه كافة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. نعـم، أيهـا الأخـوات والأخـوة، هذا هو الدرس الأهم وخلاصة التجربة التي يحق للجماهير العربية في اسرائيل أن تعتز بها وتفخر. فهذا الدرس يشكل الإسهام الأهم الذي قدمته الجماهير العربية للحركة الوطنية الفلسطينية ولنضال شعبكم المتواصل لنيل حقوقه المشروعة. وعندما نكرم معكم اليوم الأخ "أبو باسل" على دروه السياسي في تنظيم الجماهير العربية، وتأسيس الحزب الديمقراطي العربي ، وجنباً إلى جنب مع باقي الأحزاب والقوى العربية في اسرائيل، فإننا نستذكر كذلك ونكرم كل القادة الأوائل من الرواد، الذين حملوا الراية دفاعاً عن شعبهم وحقه في البقاء والحياة على أرضه... نتذكر القادة توفيق طوبى، واميل توما، واميل حبيبي، وتوفيق زيَّاد، وكل الرواد القادة،... كما نتذكر بكل الاعتزاز والكبرياء شاعر فلسطين محمود درويش، الذي نشأ وترعرع في مدرسة الصمود والتحدي للجماهير العربية وحمل صوتها ومعاناتها وحقها الطبيعي في الحياة إلى كل أرجاء الكون. نعم، أيها الأخوة والأخوات، إن هذا الحشد المتنوع من قادة الفكر والرأي للجماهير العربية في اسرائيل، ممن حضروا اليوم لتكريم الأخ عبد الوهاب دراوشة، إنما يُظهر البعد الحضاري، واحترام قيم التعددية للجماهير العربية في إطار وحدة الهدف. وهو يؤكد للعالم أجمع، وخاصة للمجتمع الاسرائيلي، أن حق المواطن العربي في اسرائيل بالمواطنة والمساواة لم يكن امتيازاً أو هدية مُنحت له من أحد، بل هو حق طبيعي عمدته تضحيات ونضالات الأجيال المتعاقبة، التي حمت وجذرت وجودها في هذه الأرض. ولا يحق لأي كان أن يمس هذا الحق أو يساوم عليه. فدعوات "الترانسفير" البائسة تحطمت، وبلا رجعة، على صخرة صمود هذه الجماهير التي لن تسمح، ونحن معها، بان يتم القفز عن حقها الطبيعي والمقدس هذا. واسمحوا لي في هذا المجال أن أتوجه بالتحية إلى كل قوى السلام والديمقراطية المناهضة للاحتلال في اسرائيل. واسمحوا لي أيضاً، وليس من باب المجاملة، أن أقول: إن الجماهير العربية وقفت دوماً في طليعة قوى السلام الاسرائيلية، وكانت دوماً، ورغم ما لحق بها من ظلم وقمع وتمييز، السبَّاقة في بلورة ودعم طريق السلام العادل بين الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي، السلام الذي يضمن انهاء الاحتلال عن كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وفي مقدمتها القدس الشرقية، ويؤمن للشعب الفلسطيني حقه الطبيعي في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة. وأمام هذه الحقيقة، كيف لألئك الذين يتحدثون عن السلام أن يجرؤوا على محاولة تصوير أن ثمن هذا السلام هو تجديد مأساة النكبة وسياسة "الترانسفير" لجماهير السلام العربية في إسرائيل؟ وكيف لهم، وهم يتحدثون عن العودة لطاولة المفاوضات دون شروط، أن ينسفوا عملية السلام ويقوضوا مضمونها القائم على إنهاء الاحتلال وتجسيد حل الدولتين على حدود عام 1967 من خلال المساس بمكانة أكثر من مليون من الجماهير العربية، وحقوقها الطبيعية في دولة اسرائيل؟. لا، لن نسمح لاسرائيل بالتهرب من الاستحقاقات الفعلية لعملية السلام، ودفع مصيرها نحو المحهول. وهذا يعني أننا لا يمكن أن نقبل بسلامٍ يُبنى على أنقاض حقوق الجماهير العربية في اسرائيل. لقد قدم شعبنا الفلسطيني تنازلاً تاريخياً ومؤلماً عندما أطلق مبادرة السلام الفلسطينية عام 1988، تمثل في قبوله بدولة فلسطينية على 22% فقط من أرض فلسطين التاريخية. وعلى العالم أن يدرك أنه لا مجال لمزيد من التنازلات. وسيظل شعبنا متمسكاً بخيار السلام الدائم والحقيقي الذي يضمن له السيادة الكاملة على أرضه، ويُمكَّنه من بناء مستقبله في دولته المستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس الشرقية، ويؤمّن حلاً لقضية اللاجئين وفقاً للقرار 194، كما أكدت على ذلك كله مبادرة السلام العربية. وما زال شعبنا يؤكد تمسكه بحقوقه الوطنية كما عرفتها الشرعية الدولية دون انتقاص، ويرفض فرض الرواية الإسرائيلية التاريخية بديلاً عن المرجعية التي حددتها الشرعية الدولية للعملية السياسية، أو الاستمرار في تعطيل الاجماع الدولي حول ضرورة انهاء الاحتلال أو الالتفاف عليه من خلال ما يسمى بالحلول الانتقالية أو الجزئية. ومن هذا المنطلق، منطلق الحرص الأكيد على مستقبل السلام العادل والدائم في المنطقة، دعوني أؤكد بأنه آن الأوان لان يستخلص المجتمع الدولي العبر من الأسباب التي أدت إلى تعثر العملية السياسية، وعدم تمكنها من الوصول إلى الأهداف المرجوة منها حتى الآن. فإعادة المصداقية لعملية السلام تتطلب أساساً إلزام إسرائيل بالوقف الشامل لكافة أشكال الاستيطان في كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي مقدمتها القدس الشرقية ومحيطها، كمقدمة لانطلاق عملية سياسية جادة ومتوازنة تفضي إلى إنهاء الاحتلال. إذ، وكما تبيّن حالة الاستعصاء القائمة حالياً، والتي نشأت بسبب عدم قبول إسرائيل بالوقف الشامل للاستيطان، فإنه لم يعد ممكناً أن تظل العملية السياسية رهينة، كما هي منذ ما يزيد عن 16 عاماً، لما لإسرائيل، وهي القوة المحتلة، من استعداد لتقديمه، بديلاً عن الالتزام بمرجعيات تلك العملية المتمثلة في قرارات الشرعية الدولية، ورؤية حل الدولتين والمبادرة العربية للسلام. إن تصويب مسار هذه العملية لا يمكن أن يتم إلا بتحمل المجتمع الدولي بنفسه لمسؤولية إنهاء الاحتلال، وذلك من خلال تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة لإنهاء أطول احتلال شهده التاريخ الحديث، وضمان حق شعبنا في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشريف، وليس الاستمرار في صنع مرجعيات تتناقض مع الشرعية الدولية، تارةً ديموغرافية، وأخرى دينية.... ونقول لهم إن الحل لن يكون إلا سياسياً، وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية والاعتراف بحقوق شعبنا الوطنية. فكما قال شاعرنا محمود درويش "إن أيدينا الجريحة ما زالت قادرة على حمل غصن الزيتون اليابس، من بين أنقاض الأشجار التي يغتالها الاحتلال، إذا بلغ الإسرائيليون سن الرشد، واعترفوا بحقوقنا الوطنية المشروعة، كما عرفتها الشرعية الدولية، وفي مقدمتها حق العودة والانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967، وبحق تقرير المصير في دولة مستقلة ذات سيادة، وعاصمتها القدس. إذ لا سلام مع الاحتلال ولا سلام بين سادة وعبيد". وأضيف لا سلام مع الاستيطان، ولا سلام دون القدس الشرقية عاصمة لدولتنا الفلسطينية المستقلة، ولا سلام مع أي مسٍ بمكانة الجماهير العربية في اسرائيل. إن ما يؤكد قناعتنا بضرورة تولي المجتمع الدولي المسؤولية المباشرة لإنهاء الاحتلال هو أن التحركات الدبلوماسية الأخيرة التي قادتها الولايات المتحدة بالنيابة عن اللجنة الرباعية الدولية، لا بل والمجتمع الدولي برمته، لم تفلح في انتزاع التزام من إسرائيل بالوقف الشامل والتام للاستيطان، وهو أمر تمهيدي ليس إلاَّ، ولا ينطوي في جوهره إلا على إلزام إسرائيل بالتوقف عن خرق القانون الدولي. وهنا فمن حق شعبنا أن يتساءل، إذا كان هذا مصير التدخل الدبلوماسي الدولي فيما يتعلق بأمر تمهيدي بسيط، فكيف له أن يشعر بأية ثقة فيما يتصل بجوهر عملية السلام المتصل بقضايا الوضع الدائم؟ ما الذي يطمئنه بأنه لن يواجه في وقت لاحق بموقف دولي يقول بأن هذا هو كل ما استطعنا تحصيله من إسرائيل بشأن الحدود على سبيل المثال، أو القدس، أو اللاجئين؟ هذا ما نعنيه بأن أمر إنهاء الاحتلال هو مسؤولية يجب أن يضطلع بها المجتمع الدولي، ولاينبغي أن يترك للقوة المحتلة، وهي إسرائيل، لتقرر بشأنه. أظهرت الأسابيع الماضية مدى الزيف والتضليل لما يسمى بالوقف الجزئي والمؤقت للأنشطة الاستطانية. فبالاضافة إلى استثناء القدس واستمرار بناء 3000 وحدة استيطانية والمنشآت العامة، فإن تصريحات المسؤولين الاسرائيليين تكشف جوهر هذه السياسة المراوغة والتي كان آخرها المصادقة على ما يسمى بخارطة الأولويات الوطنية، ورصد المزيد من الأموال للمستوطنات. وهذا ما بدأ يؤكد لأطراف هامة في المجتمع الدولي أن هذه السياسة لن تؤدي إلا إلى المزيد من إضاعة الوقت، وتقويض الجهود المبذولة لاحياء العملية السياسية من خلال فرض المزيد من الوقائع الاستيطانية التي تقوض امكانية إنجاز حل الدولتين. وفي هذا السياق، فقد رحبنا بموقف الاتحاد الأوروبي الرافض لهذه الممارسات، وندعو العالم بأسره لانتهاج سياسة عملية وحازمة ضدها، وبما يوفر الامكانية الفعلية لمقومات انطلاق عملية سياسية جادة وذات مصداقية وقادرة على الوصول للأهداف المرجوة منها، وفي مقدمتها انهاء الاحتلال عن كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وعلى رأسها القدس الشرقية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن ما نسعى له ليس الوقوف معنا ومعاداة الآخرين بقدر ما نتطلع إلى ضرورة الانتصار لقيم العدالة والشرعية الدولية، والعمل من أجل حماية مستقبل السلام في هذه المنطقة. فلا مناص للمجتمع الدولي من تحمل مسؤولياته لتحقيق ذلك، وبما ينصف شعبنا بعد ما يزيد عن واحد وستين عاماً من النكبة، واثنين واربعين عاماً من الاحتلال. إن شعبنا مصمم على الاستمرار في بناء مستقبله وخلق وقائع ايجابية على الأرض تمكنه من الصمود والمضي قدماً لبناء دولتنا المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على حدود عام 1967. ومن هذا المنطلق فإننا مصممون على استكمال بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، غير آبهين بالتوصيف الاسرائيلي لهذا التوجه بأنه ينطوي على اجراءات فلسطينية أحادية الجانب. لهم أقول: نعم، بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية هي مسؤوليتنا، وهي أحادية ايجابية، وسنواصل الاضطلاع بهذه المسؤولية. ونحن لا نراهن في ذلك إلا على شعبنا، وتصميمه على انجاز أهدافه. وشعبنا يعلم أن طريقه ليست مفروشة بالورود، وأن الدولة الفلسطينية ستقوم إن أرادها الشعب الفلسطيني، وهو يريدها، لأن ذلك حق طبيعي له لكي ينعم، كباقي شعوب العالم، بالعيش في حرية وكرامة في دولة له. ونحن مصممون على تحقيق هذا الانجاز، ونتوقع من المجتمع الدولي الذي نتفاعل مع كافة مكوناته بأن يقدم لنا الدعم لتنفيذ برنامجنا، لأنه برنامج بناء وليس برنامج هدم، ولأنه يشكل المُخرج الرئيسي للجهود المبذولة لتحقيق السلام في المنطقة. وعلى العالم أن يدرك بأن استمرار الضغط على الطرف الأضعف في مسيرة التسوية سيؤدي إلى المزيد من التآكل في العملية السياسية ومرجعيتها، وفي قدرتها على تحقيق أهدافها في انهاء الاحتلال، وأن ازدواجية المعايير لن تجلب سوى المزيد من التدهور في مصداقية المجتمع الدولي وأهليته لرعاية هذه العملية. كما أن على المجتمع الدولي أن يعلم أن التزامنا بالسلام ومتطلبات صنعه لا يبيح لأحد الانتقاص من حقوقنا المشروعة التي كفلتها قرارات الشرعية الدولية. فشعبنا، بعد تجربة كل هذه السنوات، مصمم على أن المدخل السليم لانطلاق العملية السياسية لإنهاء الاحتلال، وتجسيد حل الدولتين، يتطلب التزام اسرائيل بمرجعية هذه العملية وبالاتفاقات الموقعة، وتنفيذ كافة الالتزامات المترتبة عليها، والمتمثلة في وقف كافة الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس ومحيطها، ووقف هدم وإخلاء المنازل، وإعادة فتح المؤسسات الفلسطينية في القدس، ووقف الاجتياحات العسكرية لمناطق السلطة الوطنية، ورفع الحصار عن شعبنا، وخاصة في قطاع غزة. هذا هو طريق استعادة الثقة بعملية السلام، وليس استمرار استخدام هذه العملية غطاءً لممارسات لا تؤدي إلا إلى تدمير إمكانية صنع السلام الحقيقي. إن وثيقة برنامج عمل الحكومة وخطتها للعامين القادمين تتمحور حول مسؤوليات السلطة الوطنية في الدفاع عن مصالح شعبنا، ودورها في بناء مقومات مرتكزات ومؤسسات الدولة الفلسطينية وبنيتها التحتية. وهي تستهدف بشكل جوهري استنهاض طاقات شعبنا، كل شعبنا، وتعزيز انخراطه في عملية إنجاز المشروع الوطني بصورة عملية وملموسة، من خلال توحيد جهوده في ورشة بناء تجعل من استكمال بناء مؤسسات دولتنا الفلسطينية وسيلة إضافية، بل ورافعة مركزية، تعجل في إنهاء الاحتلال، وليس تجميله أو التكيف مع وقائعه، وبما يعزز ثقة شعبنا بنفسه، وبقدرته على الانجاز، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته إزاء حقوق شعبنا الوطنية، وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره ونيل حريته واستقلاله. فإنهاء الاحتلال عن كامل الأراضي الفلسطينية منذ حزيران 1967، وفي القلب منها مدينة القدس الشرقية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة عليها، يشكلان مفتاح السلام والأمن والاستقرار في المنطقة. وفي هذا المجال، فإنني أؤكد للعالم بأسره، وخاصة للشعب الاسرائيلي، أن شعبنا يرفض بشدة دولة الفتات، وكافة الحلول الانتقالية المؤقته التي يجري ترويجها من قبل قادة اسرائيل. فما نسعى إليه هو الخلاص من المرحلة الانتقالية، وقيودها المجحفة، وليس الدخول في مراحل انتقالية جديدة. نعم، إن ما يسعى اليه شعبنا، وتعمل السلطة الوطنية على تحقيقه، هو الخلاص التام من الاحتلال ومراحله الانتقالية، والدخول في عهد جديد هو عهد الحرية لشعبنا، عهد الدولة المستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها الأبدية هي القدس الشريف... عهد السلام الحقيقي والأمن الراسخ لشعوب المنطقة. إن جوهر ما ورد في وثيقة برنامج عمل الحكومة "فلسطين: إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة" يبني ويراكم على صمود شعبنا وما حققه في السنوات الأخيرة من إنجازات، وهو يمثل خلاصة وعي شعبنا وقدرته على بلورة أولوياته، في سياق سعيه المتواصل لتجسيد دولته المستقلة... دولة المؤسسات وحكم القانون، واحترام مبادئ حقوق الانسان. فتعزيز الصمود الوطني لشعبنا سيساهم بكل تأكيد في تعزيز الصمود السياسي لقيادته الوطنية في وجه التعنت الاسرائيلي. نحن نعمل على بناء مؤسسات هذه الدولة وفق أعلى المستويات والمعايير الدولية،... المؤسسات القوية والقادرة على تقديم أفضل الخدمات لشعبنا، وتحقيق التنمية. وإن ما تحقق من انجازات على هذا الطريق يبعث على الثقة بقدرة شعبنا على بناء دولة ترقى لطموحاته وتطلعاته وتضحيات أبنائه. ونحن نتقدم يومياً ونراكم الانجاز تلو الآخر لبناء وترسيخ ركائز ومقومات دولتنا المستقلة وعلى قاعدة التكامل والمشاركة بين المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني، وفي إطار المسؤولية الشاملة لمنظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية عليا لشعبنا ومؤسساته الرسمية والشعبية. وهذا حق لشعبنا، بل واجب عليه أيضا. ونحن نعمل على تحقيق ذلك في غضون العامين القادمين بما يحقق التنمية المطلوبة، ويرسي دعائم الحكم الرشيد في تلك المؤسسات، ويضمن الاستثمار الكامل لمواردنا الطبيعية، بعيداً عن القيود والتصنيفات المجحفة التي فرضتها المرحلة الانتقالية، والتي آن الأوان أن تنتهي. فليس من أرضنا المحتلة منذ حزيران عام 1967، وفي مقدمتها القدس الشرقية والأغوار وغيرها من المناطق المسماة (ج)، مناطق متنازع عيها. فكلها تشكل مجالاً حيوياً لبناء مؤسسات دولتنا وبنيتها التحتية، بكل ما يتطلبه ذلك من عمل دؤوب، واستنهاض فعال لكل أشكال العمل الشعبي ضد الاستيطان والجدار. وإذا كان لنا أن تستخلص درساً من التجارب الغنية لكفاح شعبنا، والذي حقق من خلال العمل الشعبي في مواجهة الجدار والاستيطان انجازات هامة، وأن تستخلص كذلك دروس انجازات الانتفاضة الأولى بمضمونها الشعبي والديمقراطي، مضمون الكفاح لانهاء الاحتلال... والبناء نحو الحرية والاستقلال، فإن هذا الدرس يتمثل أساساً في الأهمية القصوى التي يجب أن تولى لتعزيز قدرة هذا الشعب على الصمود من خلال الاستجابة الفعالة لاحتياجاته المباشرة، وربط عوامل استنهاض طاقاته مع مشروعنا الوطني التحرري في انهاء الاحتلال وبناء الدولة المستقلة. إن مضمون وثيقة برنامج عمل الحكومة يعكس إرادة شعبنا الموحدة وصموده وتضحيات أبنائه وحقه في بناء مستقبله بنفسه، ومراكمة الانجازات التي تحققت تحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا. كما أن هذه الوثيقة تشكل أداة فعالة لإبراز عناصر الوحدة والقدرة على الانجاز. فهدف إقامة الدولة يوحد شعبنا بكل أطيافه، بديلاً عن التشرذم الذي لا يؤدي إلا إلى إطالة عمر الاحتلال، واستمرار المعاناة. فما أحوجنا اليوم لإعادة الوحدة للوطن، وإغلاق فصل الانقسام المأساوي والكارثي في تاريخ شعبنا وقضيته العادلة، لنعيد الأمل لشعبنا بالانتصار. إن انهاء الانقسام والانفصال سيوحد طاقات شعبنا ويستنهضها في مواجهة الهم الأكبر المتمثل بالاحتلال، وسيمكّن السلطة الوطنية من تنفيذ خططها وبرامجها لإعمار ما دمره العدوان على قطاع غزة. وهنا فإنني أؤكد على أهمية التجاوب السريع مع الجهود المصرية، والتوقيع دون تردد على خلاصة هذه الجهود المتمثلة بورقة المصالحة، وقبول الاحتكام للشعب وإحترام حقه الدستوري في إجراء الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية. إن هذا يتطلب التوقف عن كل عمليات التدمير الذاتي والمساس من مكانة المؤسسات الشرعية التي تمثل أحد أهم انجازات شعبنا ونظامه السياسي الديمقراطي. وإن هذا يتطلب أيضاً إحترام حق الاختلاف في إطار التعددية والالتزام بالأهداف الوطنية والمصالح العليا لشعبنا، وفي مقدمتها انهاء الاحتلال وبناء الدولة المستقلة لنعيد الثقة لشعبنا بنفسه وبقدرته على الانجاز، ولنضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته ازاء حق شعبنا في نيل حريته واستقلاله، بل وجدارته وقدرته على بناء دولته المستقلة كاملة السيادة، لتكون عنصراً هاماً في استقرار المنطقة، وتحقيق الازدهار والتقدم والرفاهية فيها، وبما يفوت الفرصة على كل من يراهن على استمرار هذا الانقسام المدمر. هذه هي متطلبات تعبيد الطريق نحو الحرية والاستقلال. فتوحيد الوطن هو شرط لتحريره وإعادة الوحدة لمؤسسات السلطة الوطنية هو شرط لبناء مؤسسات الدولة... وهذا هو طريق الالتفاف الشامل لكل أبناء شعبنا حول مشروعه الوطني ولضمان إنجازه،... هذا هو طريق الأمل بالعودة ووأد دعوات الترانسفير العنصرية أو ترحيل وتهجير أهالي القرى والبلدات المحاصرة بالجدار والاستيطان. وإنني على ثقة بأن شعبنا يدرك مصالحه وأنه سيلتف حول هذه الرؤية وينبذ كل دعوات الانقسام والشرذمة. وأنتم، أيها الأخوة والأخوات، وكما كنتم دوماً، سياج هذا المشروع، ورصيده الاستراتيجي، الذي يشكل طريق الخلاص من الاحتلال لشعبكم ويفتح الطريق أمامكم لدحر دعوات التمييز والعنصرية، ويحقق لكم المساواة التي ناضلتم وتناضلون من أجلها. وفي الختام اتوجه إلى الأخ عبد الوهاب دراوشة وزملائه في الحزب الديمقراطي العربي، والقائمة العربية للتغيير وكل الأحزاب والكتل العربية بل وكل الجماهير العربية بكل التحية والتقدير على وقفها الدائم مع حقوق شعبنا. وكلي ثقة وأمل أنكم قادرون على تحقيق ما تصبون إليه من انجازات تضمن لكم الحق في المساواة والكرامة، ولشعبكم الفلسطيني الحرية والاستقلال. شكراً لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته |