وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

على حاجز إيرز- اجلس.. قف.. رقم هاتفك.. انتظر!

نشر بتاريخ: 12/01/2010 ( آخر تحديث: 12/01/2010 الساعة: 18:57 )
غزة- خاص معا- "ميسا" كانت تحمل طفلتها البالغة من العمر خمسة أعوام، بدا على تلك الطفلة الجميلة اعياء شديد، اصفرار كما الليمون، ولعب طفولي خفيف بين يدي والدتها التي تقبلها بين الفينة والأخرى.

ساعة، ساعتان، ثلاث، أربع، انتظار لم يبد له نهاية، شعرت الطفلة بحاجتها للحمام، طلبت من والدتها بصوت خفيض، "ميسا" انسحبت من طابور الجالسين بقاعة الانتظار، إلى حيث تجلس المجندة المنشغلة بلون أظفارها وباقي اكسسواراتها من الشعر حتى القدم، صرخت المجندة بالأم بلغة عربية مكسرة: قلت لك اجلسي مكانك! عادت "ميسا" تهمهم بلعنات وشتائم لا تسمعها تلك المصفحة خلف الزجاج، نصف ساعة او يزيد حتى نادت المجندة الأم "ميسا"، ظن الجميع ان الإذن بالخروج لـ "ميسا" وطفلتها المريضة قد حان ولكنه كان فقط إذنا لدخول الحمام.

هذا ما يجري على حاجز بيت حانون " إيرز" الحاجز الاسرائيلي الذي يكبل مليون ونصف مليون فلسطيني في قطاع غزة، من يسمح لهم بالسفر إليه هم ذوو الحالات الإنسانية الشديدة الحاجة، ومن تنسق لهم كبرى القنصليات الأجنبية بالعالم، وهم فقط لا غيرهم.

عادت "ميسا" من الحمام وبرفقتها طفلتها، سألتها:" أنتي "ميسا"...؟" قالت: نعم؟ قلت: كنتي مضيفة طيران بمطار غزة الدولي؟ أجابت نعم انا ولكن من أنتي؟ هي كانت صديقة شقيقتي الكبرى وقد غادرت قبل أعوام إلى العراق وهناك عايشت بداية الحرب وعادت لغزة المحاصرة لتتمنى أن تعود للعراق، على الأقل كما تقول هناك يمكن أن أجد طريقي للمشفى دون حواجز.. فطفلتها تعاني من اللوكيميا وهي تقضي أشهرا في مشفى اسرائيلي أو بالضفة الغربية ثم تعود لغزة لترى باقي أطفالها وتستكمل رحلة معاناتها على الحاجز وبمشافي الاحتلال بعد أيام قليلة.

إذن كيف يمكنك ان تصل لحاجز إيرز؟ ببساطة المكان ليس بعيدا عن آخر بيت ببلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، هناك اضطر السكان لوقف البناء والتراجع للخلف عشرات الأمتار ثم المئات، قبل أن يرى المسافر إلى الضفة الغربية والقدس والعالم أسلاك الاحتلال سيضطر للمرور بمقر الارتباط الفلسطيني حيث لا قاعة انتظار إلى أن يتلقى منسقو الارتباط هاتفا من داخل الحاجز يطلب اسم شخص مريض ومرافقه، يتم التأكد من بطاقة الهوية ثم ينطلق المحظوظ في طريق الألف خطوة، طريق التفافي طويل محاط من الجانبين بأسلاك كهربائية معلق على كل زاوية منها كاميرا تنقل حفيف ثيابه وصوته وبصمة عيونه، ثم إلى صالة اسمنتية مغلقة من كافة الأطراف، يضطر لرفع ما يحمله بين يديه يضعه على طاولة خشبية ويفتح حقائبه امام عدسة كاميرا مثبتة بالأعلى، ثم يقال له: ادخل.

ثلاثة أبواب حديدية يسميها عمال غزة السابق عملهم داخل الخط الأخضر بـ " الحلابات" ثم إلى مكان يعمل به عامل فلسطيني يطلب منك حقائبك ليمررها على شريط كهربائي ويدعوك لتخلع حزامك والجاكيت والحذاء والخاتم والعملة المعدنية، أما الأوراق فلا مانع من حملها بين يديك على أن يراها المجند الإسرائيلي الذي لا تعرف أي هو حتى اللحظة.

تجلس لتنتظر، ثم يطلب من كل أربعة أو خمسة أنهوا خلع المعادن الاصطفاف بطابور امام باب يعمل بالريموت كونترول، إلى ان يضاء الضوء الخضر، يفتح الباب وتجد ذات الطابور يقف امام جهاز كهربائي زجاجي الأبواب أو يمكن القول " غرفة زجاجية لمسح الجسم ضوئيا" لا تتعدى حجم الشخص نفسه، تقف هناك يجب أن ترفع يديك للأعلى وتفتح ساقيك لتضع قدميك على علامتين صفراوين، ولا يستثنى من هذا المسح لا مريض ولا أعرج ولا مشلول ولا حتى سيدة حامل.

ومن يشك المجندون الجالسون بالأعلى بمدى مصداقية مسحه الضوئي يضطرونه لغرفة التفتيش الجسدي الكامل وهناك يقع بين يدي من لا يرحم.
ثم يقال لك تعال تفتح الأبواب، وتجد نفسك بين أقفاص مغلقة إلى أن يفتح أحدها بعد أن ترى ضوءا أخضرا، وتمر بين ابواب عدة لتجد نفسك في قاعة فسيحة وبأحد جوانبها حقائبك التي تم قلبها رأسا على عقب وتبدأ في لملمتها.

تنتقل إلى طابور آخر من المنتظرين وعددهم قليل، امام غرف زجاجية يجلس بها بعض المجندين العاملين بشركات امنية اسرائيلية خاصة، تشعر بانهم يخافونك ومع ذلك يبدون لك " كامل الاستحقار" بالنظرات من أعلاك إلى أسفلك، ثم يقول لك أحدهم تعال هنا، وبعد دقيقة يأمرك: "قلت لك تعال هناك" لعبة مزاجية يلعبونها مع كل مريض ومضطر ومحتاج للمرور بين ايديهم وامام أعينهم وتحت مراقبة أجهزتهم الضوئية والإلكترونية.

يسألك: من انت؟ اين تتجه؟ ثم يطلب منك رقم هاتفك الخليوي ويقول لك اجلس وانتظر، ساعات طويلة وانت تعلم علم اليقين ان تصريح دخولك بين يديه.